< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 134 )، مسألة ( 135 ) هل يثبت خيار الغبن في باقي المعاملات كالصلح أو لا؟ - المسقط الثالث من مسقطات خيار الغبن – الفصل الرابع ( الخيارات ).

ويوجد شيء في ذيل المسألة لا بأس بالالتفات إليه: - وحاصله إنه لو فرض أنَّ المغبون لم يُعمِل خيار الغبن فوراً باعتقاد أنه متراخٍ فهل يسقط بذلك خياره إذا تراخى ولم يفسخ - وكلامنا بناءً على كون المدرك لخيار الغبن هو الشرط الضمني -؟ قد تعرض السيد الحكيم(قده) إلى هذه القضية في منهاجه القديم وذكر أنَّ خيار الغبن يسقط، ولكن السيد الخوئي(قده) حذف من هذه المسألة العبارة التي تشير إلى هذا الفرع.

وفي مقام العليق نقول: - أما ما صنعه السيد الخوئي(قده) فلا وجه له، لأنه فرعٌ يستحق الاشارة إليه سلباً أو ايجاباً، وأما ما ذكره السيد الحكيم(قده) من أنه يسقط الخيار حيث قال: - ( نعم لو أخّره توانياً منه لاعتقاد جواز التراخي سقط خياره ) فالمناسب بقاء الخيار، لأنَّ هذا نحوٌ من العذر، وبناءً على فكرة الشرط الضمني المفروض أنَّ التأخير إذا كان لعذرٍ، فالخيار يكون باقياً، فإنَّ المتعاقدين حينما يتعاقدان هناك شرط ضمني بأنَّ لي الخيار لو كنت مغبوناً ويجوز لي التأخر في اعمال الخيار مادام التأخر لعذر، وجهله بالفورية عذرٌ، فيكون خياره باقياً، فالمناسب هو هذا، أو لا أقل من التردد، وقد نقول الأحوط التصالح، لا أن نحكم بسقوط الخيار بضرسٍ قاطع فإنَّ شبهة شمول الشرط الضمني لهذا المورد موجودةٌ ومن الوجيه إذا أُفتِيَ ببقاء الخيار.

 

مسألة ( 135 ):- الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاملة مبنية على المماكسة صلحاً كانت أو اجارةً أو غيرهما.

..........................................................................................................

ونحن نرى أنَّ المسألة إذا كانت بهذا المقدار فقط فهي تكون غامضة، فلو أراد شخص أن يفسّرها فيقول إنَّ كل معاملة مبنية على التشدّد والردّ والبدل يثبت فيها خيار الغبن إذا ظهر الغبن، فالعبارة توحي بهذا المقدار فقط.

وكان من المناسب أن يقال:- إنَّ المعاملات على نحوين، فبعضها مبني على التدقيق وعدم المسامحة - أو بالأحرى على المماكسة - فيثبت خيار الغبن لو ظهر الغبن، وبعضها مبنية على التسامح والتساهل كما لو وقع نزاع بين شخصين في قضية من القضايا وبعد ذلك دخل بعض الناس للإصلاح فتصالحا على أن يسقط المدّعي حقه وبعد أن تمت المصالحة اتضح أنَّ المقدار المغبون فيه أكثر فهنا لا يوجد له خيار الغبن، فإنَّ المعاملة المذكورة مبنية على التساهل واسقاط الحق وليس على اشتراط أن يكون المقدار المغبون به قليلاً وإنما هي حصلت لأجل حلّ النزاع، والمسألة تريد أن تبين قضيتين لكن القضية الثانية لم تذكر فيها وكان من المناسب أن تذكر فيها.

وعليه فسوف تصير النتيجة هي أنَّ خيار الغبن ثابت في المعاملة المبنية على الدقيق والمماكسة كما هو أغلب المعاملات، وأما المعاملات التي لم تبنَ على ذلك وإنما بنيت على التساهل والتسامح وفضّ النزاع فلا خيار لو ظهر أن مقدار الغبن أكثر، فإذاً يوجد قصور في متن المسألة.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة ولكن بشكلٍ آخر حيث قال: - هل يدخل خيار الغبن في جميع المعاملات أو في بعضها؟ الجواب: - إذا كان المدرك هو قاعدة لا ضرر فهي لا تختص بالبيع، بل تعم جميع المعاملات، فيثبت خيار الغبن في جميع المعاملات، وأما إذا كان المدرك هو الاجماع على ثبوت خيار الغبن فالقدر المتيقن منه هو باب البيع، فيثبت في باب البيع فقط.

فإذاً هو فصّل ولكنه تفصيل بحسب المدرك.

بينما الذي نريد أن نتعرّض إليه نحن في هذه المسألة هو تفصيل آخر لا ربط له بما ذكره الشيخ الأعظم(قده):- والتفصيل الذي ذكرناه هو أنه إذا كانت المعاملة مبنية على التشدد والتدقيق فيثبت خيار الغبن وإلا فلا، وهذا شيءٌ آخر غير ما أفاده الشيخ الأعظم(قده)، فهو فصّل في جريان خيار الغبن في المعاملات ولكن بحسب المدرك لا بالشكل الذي طرح هنا - وهو أنه إذا كانت المعاملة مبنية على التشدد ثبت خيار الغب وإلا فلا - قال الشيخ الأعظم(قده):- ( الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية بناءً على الاستناد في ثبوته في البيع إلى نفي الضرر نعم لو استند إلى الاجماعات المنقولة أمكن الرجوع في غير البيع إلى أصالة اللزوم[1] )[2] .

والمناسب ما ذكره السيد الماتن(قده): - لأنَّ السيد الماتن يستند في ثبوت الخيار إلى فكرة الشرط الضمني، وإذا كان يستند على فكرة الشرط الضمني فسوف تصير النتيجة هي التفصيل الذي ذكره، لأنَّ هذا الشرط الضمني موجودٌ في المعاملات المبنيّة على التشدد والتدقيق وليس موجوداً في المعاملة المبنيّة على فضّ النزاع.

وعلى هذا الأساس المناسب هو التفصيل الذي ذكره السيد الماتن(قده) تبعاً لكون المدرك هو الشرط الضمني وليس كما ذكر الشيخ الأعظم(قده) حيث فصّل من حيث المدرك وأنه يجري في البيع فقط إذا كان المدرك هو الاجماع ويجري في كل المعاملات إذا كان المدرك هو قاعدة لا ضرر.

بقي شيء في عبارة المتن: - وهو أنه أشير إلى الصلح، وفي هذا المجال نقول:- إنَّ الصلح على نحوين، فمرة تجرى المعاملة بنحو الصلح من باب الاحتياط، لأنَّه في باب البيع يشترط الفقهاء ضبط مقدار الثمن والمثمن، وقد يوجد عند بعض الناس تشكيكٌ في تحديدهما بالدقة فيحتاطون بالمصالحة، فهنا يسلك طريق الصلح ويؤخذ به من باب الاحتياط لا من باب التساهل والتسامح، وإنما هي معاملة دقّية مبنية على التحقيق وهو أنه مثلاً أبيعك مثقال من العطر بكذا ولكن لعل هذا المثقال فيه نقيصة أو زيادة أو يشك في ضبط أوصافه فيحتاط بالمصالحة، ومرّةً يجرى الصلح في المعاملة من باب فضّ النزاع والخصومة والتساهل في الموقف، وحينما نقول إن خيار الغبن يجري حتى في الصلح يعني إذا سلك طريق الصلح من باب الاحتياط لا من باب التساهل وفض النزاع، ففي مثل هذه الحالة يكون خيار الغبن ثباتاً - حتى لو كان صلحاً - لو اتضح الاشتباه في المقدار، بخلافه في فض المنازعات.

فإذاً كان من المناسب التفصيل في الصلح أيضاً.

فالصلح على نحوين وما ذكر يتم في الصلح المبني على التدقيق دون المسامحة وفض النزاع وإلا فلا خيار لو تبين أن مقدار الغبن أكثر، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.


[1] والوجه في ذلك واضح لأن القدر الميقن من الاجماع هو البيع وما زاد عليه لا مثبت لخيار الغبن فيه فنرجع إلى أصالة اللزوم.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص203.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo