< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

الخيار الخامس: - خيار التأخير.

وقبل أن نذكر المتن نقول: - هناك مصطلح متداول بين الفقهاء في معنى خيار التأخير، وهناك معنى ثانٍ ليس مصلحاً بينهم ولكن يمكن عدّه من خيار التأخير بشكلٍ وآخر كما سوف نلاحظ.

أما المعنى المعروف بين الفقهاء: - فهو أن يفترض أن يشتري شخص شيئاً ولكن لا يسلّم الثمن إلى البائع في الحال وإنما يقول له دع المثمن عندك حتى أذهب وأعود إليك بالثمن[1] ، ولكن حينما يذهب المشتري لجلب الثمن يتأخر لمدة يومين أو ثلاثة أو أكثر مثلاً فماذا يصنع البائع في مثل هذه الحالة، فهل يبقي هذه الحاجة المشتراة على حالها أو هناك طريقة أخرى للتخلص من هذه المشكلة؟ هنا جاءت الروايات وقالت على البائعة أن ينتظر المشتري ثلاثة أيام فإن جاء وإلا فلا بيع له، وقد اصطلح الفقهاء على هذا الخيار بخيار التأخير.

نعم هناك كلامٌ سوف نشير إليه فيما بعد: - وهو أنه بعد مضي الثلاثة أيام هل يبطل البيع رأساً أو أنه يثبت الخيار للبائع، فإنَّ الروايات عبّرت وقالت: - ( إن جاء بالثمن ثلاثة أيام وإلا فلا بيع )، فإنَّ الــ( لا ) هنا نافية للجنس يعني لا يوجد بيع فقد يستظهر من هذا التعبير أنَّ البيع يبطل لا أنَّ الخيار يثبت للبائع، ولكن هذه قضية ثانية، وقد بنى السيد الخوئي(قده) في رأيه القديم على بطلان البيع، ولكنه عدل عنه فيما بعد موافقةً للغير وقال بثبوت الخيار.

وأما المعنى الثاني لخيار التأخير: - فهو ما أضافه السيد الخوئي(قده) وإلا فهو غير موجود في المنهاج القديم، وهو أن يفترض أنَّ يشتري المشتري حاجةً وكان الثمن موجوداً عنده ولكنه لم يسّلمه للبائع إلا أن يسلّم البائع المثمن له، ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال بثبوت الخيار للبائع في الفسخ من دون الحاجة إلى انتظار ثلاثة أيام، والعكس بالعكس فلو امتنع البائع عن تسليم المبيع حتى يستلم الثمن فمن حق المشتري أن يفسخ المعاملة من دون حاجةٍ إلى الانتظار ثلاثة أيام، والخيار بهذا المعنى لا دليل عليه من الروايات، ولكن يمكن اثباته بمقتضى القاعدة، وذلك بان يقال:- هناك شرط ضمني بين المتبايعين على أنه ( أنا أسلّم ما بيدي لك إذا أنت سلّمت لي ما بيدك لي أما إذا لم تسلمه لي فلي حق الخيار من دون انتظار ثلاثة أيام )، ولكن هذا الاشتراط لا يبرز على للسان لوضوحه لأنَّ العاقل هكذا يفعل، وهذا الشرط الضمني ثابت في حق الطرفين.

وهناك فارقٌ آخر بين هذين الخيارين: - وهو أنَّ الخيار بالمعنى الروائي خاص بباب البيع، لأنَّ الروايات واردة في باب البيع أما في باقي المعاملات كالاجارة فلا يأتي، لأنَّ الروايات قالت: - ( من باع ولم يسلّم فهو بالخيار ثلاثة أيام )، فهي قالت ( باع ) فلا تكون شاملة لبقيّة المعاملات، بخلاف المعنى الآخر للخيار الذي هو على مقتضى قاعدة ( المؤمنون عند شروطهم ) فإنه يعم جميع المعاملات، لأنَّ فكرة الشرط الضمني لا تختص بباب البيع فقط.

يبقى سؤال: - وهو أنه هل يحق في المرحلة الأولى أن يجبر البائع المشتري على تسليم الثمن أو لا يحق له ذلك؟

إنَّ القدر المتيقن من الشرط الضمني أنه إذا لم يجدِ الأمر به مع الإجبار، بل ربما يقال إنَّ العقلاء يوجد عندهم شرط ضمني فإن لم يسلم الطرف ما في يده أمكنه الفسخ من دون حاجةٍ إلى الاجبار، والسيد الماتن(قده) قال أولاً مع الإجبار، ثم قال بعد ذلك إنه يمكن أن يقال أمكنه الفسخ من دون حاجة إلى الإجبار، ومنشأ هذا الحكم هو أنَّ الشرط الضمني هل دائرته ضيقة في حالة الإجبار أو أنها أوسع من ذلك وتشمل حالة عدم الإجبار وإنما مادام قد امتنع عن التسليم فيجوز للطرف الآخر الفسخ من دون حاجة إلى اجباره.

وما ذكره ثانياً ليس ببعيد، خصوصاً إذا كان طرف المعاملة شخصٌ محترمٌ فإنه ليس من المناسب اجباره على التسليم، فشرطنا الضمني هو أنه إذا لم يسلّم ما في يده جاز الفسخ حينئذٍ.

وقد يقال: - كيف لنا أن نصحح الخيار بهذا المعنى، فنحن نحتاج إلى دليلٍ يدل على صحة هذا الاشتراط، فصحيح أنَّ هذا الاشتراط موجودٌ بين الطرفين ولكن ما الدليل على صحته ولزومه؟

قلت: - دليله هو ( المؤمنون عند شروطهم )، فإنه يمكن أن يستفاد منه أنَّ كل شرطٍ هو ممضي وصحيح وكل شرط أيضاً يجب الوفاء به فهو لازم.

قال السيد الماتن:- ( الخامس خيار التأخير:- اطلاق العقد يقتضي أن يكون تسليم كل من العوضين فعلياً[2] ، فلو امتنع أحد الطرفين عنه أجبر عليه، فإن لم يسلّم كان للطرف الآخر فسخ العقد بل لا يبعد جواز الفسخ عند الامتناع قبل الاجبار، ولا يختص هذا الخيار بالبيع بل يجري في كل معاوضة[3] ، ويختص البيع بخيارٍ وهو المسمّى بخيار التأخير ويتحقق فميا إذا باع سلعةً ولم يقبض الثمن ولم يسلّم المبيع حتى يجيء المشتري بالثمن فإنه يلزم البيع ثلاثة أيام فغن جاء المشتري بالثمن فهو احق بالسلعة وإلا فللبائع فسخ البيع ).

ونشير إلى بعض كلمات الأعلام قبل ذكر الروايات الواردة في هذا الخيار: - فقد ورد في مستند الشيعة:- ( بالاجماع المحقق والمنقول مستفيضاً في كلام جماعة )[4] ، فيفهم من كلامه أنَّ المسألة اتفاقية على ثبوت خيار التأخير، وقال صاحب الحدائق:- ( والأصل فيه بعد الاجماع الأخبار )[5] ، وقال صاحب الجواهر:- ( بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه بل حكي الاجماع لعيه مستفيضاً أو متواتراً )[6] ، وقال الشيخ الأعظم(قده):- ( والأصل في ذلك قبل الاجماع المحكي عن الانتصار والخلاف والجواهر الأخبار المستفيضة )[7] ، فإذاً المسألة قد يدّعى ثبوت الاجماع فيها.

وقد تسأل وتقول: - ما الداعي إلى نقل الاجماع والتعرّف عليه بعد وجود الروايات؟

قلت: - إذا كانت المسألة اجماعية وكان الاجماع صادقاً وثابتاً حقاً فهذا يعطي للفقيه الجزم بثبوت الحكم ولا يتوقف فيه من ناحية الروايات، لأنَّ الروايات قد يكون فيها شيئاً ولكن مادام الاجماع ثابتاً فالفقيه يحاول أن يثبت الروايات بشكلٍ تتلاءم به مع الاجماع وإذا لم تتلاءم معه فقد يترك الروايات ويأخذ بالاجماع، لأنَّ مثل هكذا اجماع لم يأت عبثاً بل لابد من وصوله بصورة واضحة إلى الأصحاب يداً بيد إلى أن نصل إلى عصر المعصوم عليه السلام.


[1] فهنا لا المثمن سُلّم للمشتري ولا الثمن سُلّم للبائع.
[2] أي حالّاً.
[3] إلى هنا لا توجد هذه العبارة في المنهاج القديم.
[4] مستند الشيعة، النراقي، ج14، ص396.
[5] الحدائق الناضرة، البحراني، ج19، ص44.
[6] جواهر اللام، الجواهري النجفي، ج23، ص51.
[7] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص217.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo