< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

وما هو مدرك خيار التأخير؟

يمكن أن يستدل بثلاثة أمور: -

الأول: - الاجماع، وقد نقلنا بعض كلمات من ادعى الاجماع في هذه المسألة.

ولكن حيث إنَّ هذا الاجماع محتمل المدرك - ويكفينا الاحتمال - فالقيمة تعود إلى نفس المدرك لا إلى نفس الاجماع، فإنَّ الاجماع إنما يكون حجة باعتبار كاشفيته يداً بيد عن رأي المعصوم عليه السلام، وهنا مادام يوجد مدرك آخر وهو الروايات فالعبرة بالروايات.

وهل يمكن أن يستفيد الفقيه من مثل هذا الاجماع المدّعى في مسألتنا وتكون له قيمة أو أنه لا يستفيد منه شيئاً بل يطرحه ويعتمد على الروايات فقط؟ والجواب: - يمكن أن يكون له شيء من القيمة، لأنَّه من خلال هذه الاجماعات المدَّعاة واتفاق الفقهاء بعد ملاحظة الروايات قد يحصل للفقيه الوثوق والاطمئنان بالحكم.

الثاني: - الروايات: -

الرواية الأولى: - ما رواه صاحب الوسائل عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن جميل عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قلت له:- الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه، قال:- إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة ايام وإلا فلا بيع له )[1] .

ودلالتها تامة ظاهراً ولا تحتاج إلى تقريب، نعم قوله عليه السلام ( وإلا فلا بيع له ) هل المراد به أنَّ البيع باطل فينفسخ أو أن يكون البيع متزلزلاً وحينئذٍ له الخيار فإن مضت الثلاثة أيام فله حق الفسخ، والذي فهمه الفقهاء هو أنَّ هذا التعبير كنايةً عن حق الخيار.

وأما سندها:- فهي عن محمد بن علي بن الحسين هو الشيخ الصدوق عن جميل وإذا رجعنا إلى مشيخة الصدوق في الفقيه نجد الشيخ الصدوق يقول:- ( وما كان فيه عن محمد بن حمران وجميل بن دراج فقد رويته عن أبي رضي اله عنه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابي عمير عن محمد حمران وجميل بن دراج )[2] ، والسند كله معتبر سوى وجود مشكلة واحدة وهو أنَّ هذا السند الموجود في المشيخة ينتهي إلى محمد بن حمران وجميل أما سند الرواية التي عندنا فهو عن جميل فقط لا عن محمد بن حمران وجميل فقد يقول قائل إنَّ هذا السند سوف لا ينفعنا؟

والجواب: - إذا فرض أنَّ الفقيه استظهر أنَّ مقصود الشيخ الصدوق(قده) حينما ذكر هذا الطريق لا يقصد بذلك الطريق إلى محمد بن حمران وجميل بشرط الاجتماع وإنما إلى كلّ واحدٍ منهما، خصوصاً إذا التفتنا إلى أنَّ جميل بن دراج كان له كتاب اشترك فيه مع محمد بن حمران، وله كتاب آخر أيضاً اشترك فيه مع مرازم، فعليه يمكن أن يقال إنَّ هذا يمكن أن يجعل قرينة على أنَّ المقصود كون السند ينتهي إلى كليهما أو إلى كل واحد منهما إذا انفرد، فإنَّ هذا لا يؤثر، وهذه قضية استظهارية وليست استدلالية، فإن تمت فبها ونعمت، وإلا فلنلاحظ السند الثاني لها فإنَّ هذه الرواية قد رواها المحمدون الثلاثة، والسند الآخر هو ما وراه الشيخ بسنده عن أحمد بن محمد حيث قال:- ( أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن زارة عن أبي جعفر )[3] وذكر نفس هذه الرواية، وأحمد بن محمد هنا هو إما ابن عيسى أو ابن خالد الرقي وكلاعهما ثقة والطريق إليهما جيد، وأما علي بن حديد فإنه قد ضعّف، وهناك سند ثالث لهذه الرواية وهو:- ( محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن بيه عن ابن أبي عمير عن جميل وبان بكير عن زرارة ) وهذا السند تام لا خدشة فيه.

ورب قائل يقول: - إنه حتى لو كانت هذه الطرق فيها مشاكل ولكن اجتماع ثلاثة طرق على نقل كتاب جميل ومحمد بن حمران قد يورث للفقيه الاطمئنان، ولكن هذا دليل وجداني وليس عليماً ويختلف باختلاف نفسية الفقيه.

الرواية الثانية: - الشيخ الطوسي بإسناده:- ( عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج عن علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: - فإنَّ الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما )[4] .

وطريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في الفهرست هو :- ( وأخبرنا بها[5] عدَّة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى المتوكل عن سعد بن عبد الله والحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد )[6] ، وقد ورد تعبير العدّة في السند ويمكن توثيق العدة بأن نقول إنَّ العدَّة أقلها ثلاثة واحتمال اجتماع ثلاثة على الكذب في هذه الروايات احتمال ضعيف جداً بدرجة يحصل الاطمئنان بحقانية النقل، هذا إذا لم نضف قضية وهي أنَّ ندرس مشايخ الشيخ الطوسي ونقول إنَّ احتمال كون مجموع الثلاثة هم من غير الثابت وثاقتهم بعيد جداً بعد الالتفات إلى أنَّ أكثر مشايخ الشيخ الطوسي هم من الثقات، وأما بقية السند فمحمد بن علي بن الحسين فهو الشيخ الصدوق، وأما أبيه فهو ثقة، وأما محمد بن الحسن فهو ابن الوليد الثقة، وأما محمد بن موسى بن المتوكل فهو ثقة أيضاً وأما سعد بن عبد الله والحميري فهما ثقتان أيضاً، وكذلك الحال في أحمد بن محمد بن عيسى والحسين بن سعيد، فإذاً سند الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد تام، فتكون الرواية تامة سنداً ودلالةً.

الرواية الثالثة:- ما رواه الشيخ الطوسي:- ( عنه عن الهيثم بن محمد عن أبان بن عثمان عن اسحاق بن عمّار عن عبدٍ صالح عليه السلام قال:- من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة ايام ولم يجئ فلا بيع له )[7] ، والمقصود من ( عنه ) في بداية السند هو الحسين بن سعيد، وأما الهيثم بن محمد فيحتمل أنه الهيثم بن محمد الثمالي وهو ثقة، ولكن يحتمل أن يكون المقصود غيره، فإن كانت هناك مشكلة في سند هذه الرواية في من جهة الهيثم بن محمد.

الرواية الرابعة: - ما رواه الشيخ الكليني: - ( عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن الحسين عن صوفان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:- اشتريت محملاً فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ثم احتبست[8] [ احتسبت ][9] أياماً ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه، فقال:- قد بعته، فضحكت ثم قلت:- لا والله لا أدعك أو اقاضيك، فقال لي:- ترض بابي بكر بن عيّاش؟ قلت: - نعم، فأتيته فصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر: - بقول من تريد أن أقضِ بينكما أبقول صاحبك أو غيره؟ قال قلت: - بقول صاحبي، قال: - سمعته يقول من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة ايام وإلا فلا بيع له )[10]


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص21، ابواب الخيار، ب9، ح1، ط آل البيت.
[2] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج4، ص17 من المشيخة.
[3] تهذيب الأحكام، الطوسي، ج7، ص21، ح5.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص21، ابواب الخيار، ب9، ح3، ط آل البيت.
[5] أي روايات الحسين بن سعيد.
[6] الفهرست، الطوسي، ص150، ط محققة من قبل السيد عبد العزيز الطباطبائي الحيكم.
[7] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص21، ابواب الخيار، ب9، ح4، ط آل البيت.
[8] هكذا الموجود في الكافي.
[9] هكذا هو الموجود في التهذيب.
[10] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص21، أبواب الخيار، ب9، ح2، ط آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo