< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

وبعد الفراغ عن المستندين الأولين يقع الكلام في المستند الثالث وهو قاعدة لا ضرر:- والكلام فيهي قع في ثلاثة أمور:-

الأمر الأول:- كيف نتصوّر الضرر حتى يمكن تطبيق القاعدة في المورد المذكور؟

أما أنه كيف يتصور الضرر فذلك واضح، باعتبار أنَّ البائع لا يجوز له أن يتصرف في المبيع على ما دلت عليه الروايات، والثمن لم يقبضه، فإذاً هو لا يتمكن من التصرف في المبيع - أي في سلعته - كما لا يتمكن من التصرف في الثمن لعدم قبضه، وهذا نحوٌ واضحٌ من الضرر.

الأمر الثاني:- إنَّ عبارة ( لا ضرر ) التي صدرت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة سمرة هي عبارة قصيرة وقد يكون معناها خفيّاً وليس واضحاً بشكلٍ جلي، ومن هنا وقع الكلام في المقصود منها وأنه ما المقصود من ( لا ضرر ولا ضرار )؟

والاحتمالات المهمة في ذلك ثلاثة:-

الاحتمال الأول:- ويمكن نسبته إلى المشهور، وهو أن يكون المقصود نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر، فوجوب الوضوء حكمٌ شرعيٌ قد ينشأ منه الضرر في حقّ المريض، فهو مرفوعٌ، وهكذا في بقية الموارد التي من هذا القبيل.

الاحتمال الثاني:- ما صار إليه شيخ الشريعة الاصفهاني(قده)، وهو أنَّ المقصود هو النهي، فلا ضرر بمعنى لا تضر، فهو إخبارٌ ولكن المراد الواقعي منه هو إنشاء النهي، أي لا تضر، فهو نهي عن الاضرار، أما أنه الاضرار بالآخرين فقط أو يشمل حتى الاضرار بالنفس فهذه قضية ليست مهمة، ولكن المقصود هو النهي لا نفي الأحكام الشرعية في حالة الضرر.

الاحتمال الثالث:- ما صار إليه الفاضل التوني، هو أنَّ المقصود هو نفي الضرر غير المتدارك.

والذي ينتنفع به الفقيه كثيراً هو الاحتمال الأول، فإنه بناءً عليه يمكن الاستفادة من قاعدة لا ضرر في أبوابٍ كثيرة، وبناءً على الاحتمال الأول يمكن التمسك بحديث لا ضرر في المقام، حيث يقال إنَّ البائع لم يستلم الثمن، والمفروض أنه لا يجوز له أن يتصرف في المبيع لأنه ملك المشتري - إذ المفروض أنه قد اشتراه - فالحكم بلزوم البيع ينشأ منه الضرر، وبذلك يكون لزوم البيع مرتفعاً، وارتفاع اللزوم عبارة أخرى عن ثبوت الخيار.

الأمر الثالث:- هل الاستدلال بقاعدة لا ضرر لنفي اللزوم في المقام واثبات الخيار للبائع صحيحٌ أو أنه يرد عليه إشكالات؟،

نحن نبيّن ثلاثة أجوبة عن ذلك:-

الجواب الأول:- أن نقول لو سلّمنا أنَّ قاعدة لا ضرر يستفاد منها الخيار للبائع ولكن نقول إنَّ أقصى ما يستفاد منها هو ثبوت الخيار أما أنه يثبت بعد الثلاثة أيام فهذا لا يمكن استفادته منه، لأنَّ الضرر في الحقيقة يتولّد قبل مضي الايأم الثلاثة، فهو يتولد من اليوم الأول والثاني، لأنَّ البائع لا يمكنه التصرف في المبيع لأنه قد باعه وللا يمكنه التصرف في الثمن لأن المشتري لم يسلمه إليه، فصحيحٌ أنَّ الضرر ثابت ولكن لا تكون النتيجة هي ثبوت الخيار بعد الثلاثة أيام، ونحن نريد أن نثبت الخيار بعد مضي ثلاثة أيام، ولا تقل أنا لا تقيدني القيود، فإنَّ الجواب واضح وهو أنَّ الروايات قد دلت على ثبوت الخيار بعد الثلاثة أيام ونحن نريد أن نذكر شيئاً يساعد الروايات ويساعد ما عليه الفقهاء لا أن نذهب إلى شيءٍ جديدٍ غير محتمل، لأنَّ ثبوت الخيار بعد مضي يومٍ لا يصير إليه فقيه، وعلى هذا الأساس المطلوب اثباته هو ثبوت الخيار بعد مضي ثلاثة أيام بينما قاعدة لا ضرر لو تمت دلالتها في المقام فهي تثبت الخيار حتى قبل مضي الأيام الثلاثة، بل هي تثبته حتى في منتصف اليوم الأول لا أنها تثبته بعد مضي الثلاثة.

مضافاً إلى أنه لو كان المدار على الضرر فربما نفترض أنَّ بائعاً لا يتضرر بعد مضي أيام وإنما يتضرر بعد أربعة أيام أو أكثر، أو أنه لا يتضرر أبداً، فيلزم أن لا يثبت له الخيار.

الجواب الثاني:- إنه حتى لو سلَّمنا أنَّ قاعدة لا ضرر تثبت الخيار بعد الثلاثة أيام ولكنها لا تثبته بنحو الحقّية، بل ذلك يتلاءم مع كونه حكماً لا حقاً، وللتوضيح نقول:- إنَّ الخيار الثابت في المقام - ولعله في أكثر موارد الخيار - هو ثابت بنحو الحقّية، يعني هو حقٌّ للطرف فيتمكن أن يسقطه، ومقامنا من هذا القبيل فإنَّ خيار التأخير الثابت للبائع هو ثابتٌ له بنحو الحقّية فيتمكن أن يسقطه بعد الأيام الثلاثة لا أنه حكمٌ شرعيٌ كي يقال هو لا يقبل الاسقاط، فإذاً ثبوت الخيار بعد ثلاثة أيام هو حقٌّ وليس حكماً، وهذا من المسلّمات، وحديث لا ضرر لو سلّمنا أنه يثبت الخيار فهو يثبته بالجملة أما بنحو كونه حقاً بحيث يقبل الاسقاط فهو لا يثبته فإنَّ قاعدة لا ضرر لا تفي بذلك، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر من هذه الجهة.

الجواب الثالث:- نقول إنَّ الضرر يمكن أن يندفع بوسائل أخرى في المقام غير الخيار كأخذ المبيع من باب المقاصَّة، فالبائع يأخذ المبيع - الذي صار ملكاً للمشتري بالبيع - بنحو المقاصَّة، وهذا طريق للتخلّص من الضرر، أو الحكم ببطلان البيع، فإنه طريقٌ آخر للخلاص من الضرر أيضاً، وقاعدة لا ضرر تريد أن تنفي الضرر ونفي الضرر له وسائل متعددة، فيمكن أن ينتفي الضرر من خلال الخيار - الذي هو المطلوب اثباته -، ويمكن أن يرتفع الضرر من خلال أخذ المبيع مقاصّةً، ويمكن أن يندفع الضرر من خلال الحكم ببطلان البيع فنقول البيع باطل بمقتضى قاعدة لا ضرر، فقاعدة لا ضرر تلتئم مع كل هذه الاحتمالات، فهي إذاً حيادية من هذه الناحية ولا تثبت هذا الاحتمال في مقابل ذاك الاحتمال، وإنما الكل يلتئم مع نفي الضرر، وعليه لا يمكن أن تثبت الخيار بخصوصه بعد وجود وسائل أخرى يمكن أن ينتفي من خلالها الضرر.

والخلاصة من كل ما ذكرناه:- إنَّ خيار التأخير ثلاثة أيام ثابت بالروايات لا أنه ثابت بالاجماع أو قاعدة لا ضرر.

وقبل أن ننهي المسألة نلاحظ عبارة المتن فقد ورد فيه:- ( ويختص البيع بخيارٍ وهو المسمى بخيار التأخير ويتحقق فيما غذا باع سلعة ولم يقبض الثمن ولم يسلم المبيع حتى يجيء المشتري بالثمن فإنه يلزم البيع ثلاثة أيام فإن جاء الشمتري بالثمن فهو احق بالسلعة وإلا فللبائع فسخ البيع، ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع سواءً أكان التلف في الثلاثة أم بعدها، حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه )، وعبارة ( ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع سواءً أكان التلف في الثلاثة أم بعدها ) تشتمل على حكمين، الحكم الأول لو تلتفت السلعة - أي المبيع الموجود عند البائع - فهي من مال البائع سواء كان التلف في الأيام الثلاتة أو بعدها، والحكم الثاني هو ما ذكره في عبارة ( حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه )، ولكن نقول:- أولست هذه العبارة تكراراً لما سبق، فإنه قال:- ( سواء كان التلف في الثلاثة ) والتي فيها ثبوت الخيار، ( أم بعدها ) أي بعد سقوط الخيار، فهل عبارة ( حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه ) هي تكرارٌ لما سبق أو أنَّ المقصود منها شيء آخر؟

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo