< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار الخامس ( خيار التأخير )، مسألة ( 138 ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

ذكرنا أنَّ المتن الذي كنا فيه يتعرض إلى خيار التأخير كان ذيله يشتمل على فقرة:- ( ولو تلفت السلعة كان من مال البائع سواء أكان التلف في الثلاثة أم بعدها حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه )، وقلنا إنَّ هذه الفقرة تشتمل على حكمين:-

الحكم الأول:- لو تلفت السلعة عند البائع سواء كان التلف خلال الأيام الثلاثة أو بعدها يكون من مال البائع.

الحكم الثاني:- لا فرق بين أن يكون التلف حال ثبوت الخيار أو حال سقوطه وعدم ثبوته.

أما بالنسبة إلى الحكم الأول فذلك لوجهين:-

الوجه الأول:- التمسك بقاعدة ( تلف المبيع قبل قبضه هو مال بائعه )، وستأتي الاشارة إلى هذه القاعدة في مسألة ( 179 ) في الفصل السابع الذي يتعرض إلى أحكام التسليم والقبض، فبعد التسليم بهذه القاعدة يتمسك بها في المقام ويقال إنَّ المبيع حيث إنه تلف قبل أن قبضه من قبل المشتري فهو من مال البائع.

الوجه الثاني:- إنه قد يستفاد من بعض روايات المسألة أنَّ التلف من مال البائع، كمعتبرة علي بن يقطين حيث ورد فيها:- ( سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال:- فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما )، والشاهد هو قوله عليه السلام:- ( فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بيع بينهما )، يعني إن قبض المشتري المبيع وإلا إذا لم يتحقق القبض من البداية كما هو مفروض كلامنا فلا بيع بينهما، يعني أنَّ البيع باطل من البداية، وعلى هذا الأساس يكون التلف من مال البائع بمقتضى هذه الرواية، لأنه مادام قد حصل تلف قبل القبض فالبيع منتفٍ من البداية، فإنَّ عدم القبض يكشف عن عدم البيع من البداية، وإذا فرض عدم تحقق البيع فالتلف يكون من مال البائع، لأنه لا بيع بينهما مادام لم يتحقق القبض.

بيد أنَّ هذا يتم فيما إذا قلنا بأنَّ المقصود من قوله عليه السلام:- ( وإلا فلا بيع بينهما ) هو نفي الحقيقة ونفي جنس البيع وأنه لا بيع، والحال أننا فيما سبق أبدينا احتمالاً آخر، وهو أن يكون المقصود هو نفي اللزوم لا نفي حقيقة البيع، فالمقصود هو أنه لا بيع بينهما بنحوٍ لازم، فلو فرض أنَّه بني على هذا الاحتمال فسوف لا يمكن التمسك بهذا الوجه الثاني، لأنَّ هذا الوجه إنما يمكن التمسك به فيما إذا قلنا إن كلمة ( لا ) هنا نافية للجنس والمقصود أنها نافية لحقيقة البيع، يعني لا بيع موجودٌ، أما إذا ذهبنا إلى الاحتمال الثاني أو احتملناه فسوف يشكل التمسك بالرواية من هذه الناحية وينحصر الأمر بالوجه الأول وهو التمسك بقاعدة ( تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه ).

أما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فإنَّ عبارة المتن أكدت وقالت:- ( حال ثبوت الخيار وبعد سقوطه )، فما هي الحاجة إلى هذا التأكيد[1] ؟

قد يقال:- إنَّ الداعي إلى هذا التأكيد هو أنه إذا حصل التلف من زمان الخيار فالمناسب آنذاك أن يكون التلف ممّن لا خيار له وهو المشتري، أي نطبق قاعدة ( تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له ) وعلى هذا الأساس يصير التلف من المشتري، والحال أننا نريد أن نؤكد على أنَّ التلف يصير من البائع وليس من المشتري، فلكي لا تأتي شبهة كون التلف من المشتري يلزم أن نفترض أنه لا خيار للبائع حتى يكون التلف منه، ولا تأتي في حالة ثبوت الخيار له، فإنَّ التلف لا يكون منه إذا كان في فترة الخيار للبائع طبقاً لقاعدة ( تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له ) حيث يكون الخيار فيما بعد الثلاثة أيام للبائع، فالتلف يكون ممن لا خيار له وهو المشتري، فالسيد الماتن يريد أن يدفع هذه الشبهة، وبيان دفعها أن يقال:- إنَّ قاعدة ( تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له ) وإن كانت تامة ولكنها ليست تامة على اطلاقها وبعرضها العريض، وإنما هي تامة في بعض الخيارات، وخيار التأخير ليس منها، وعليه فهذه القاعدة لا يمكن تطبيقها في المقام، ومعه لا يفرق الحال بين أن يكون خيار التأخير ثابتاً للبائع أو يكون ساقطاً، فإننا على كلا التقديرين نتمسك بقاعدة ( تلف المبيع قبل قبضة هو من مال بائعه )، فإنَّ هذه القاعدة تبقى سيّالة وجارية حتى في فرض سقوط الخيار أو ثبوته فإنه هذا لا يؤثر شيئاً، لأنَّ قاعدة ( تلف المبيع في زمان الخيار ممن لا خيار له ) خاصة بغير خيار التأخير، ففي موردنا القاعدة الثابتة والجارية هي قاعدة ( تلف المبيع قبل قبضه من بائعه ) فقط، وتكون النتيجة هي أنَّ التلف يكون من مال البائع سواء كان الخيار ثابتاً للبائع أو لم يكن ثابتاً له.

هذا مضافاً إلى أنَّ المستفاد من الروايات - على ما ذكرنا سابقاً - أنَّ القبض مادام لم يتحقق فالتلف يكون من البائع، ومادام يوجد عندنا هذا الظهور فنحن في غنىً عن قاعدة ( تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه )، ومن تلك الروايات قوله عليه السلام:- ( إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له )، وقوله عليه السلام:- ( فلا بيع بينهما )، فهذا معناه أنَّ التلف يكون من البائع، لأنَّ البيع ليس بموجودٍ وهو بحكم العدم، أو أنه إفترضنا أن المعنى هو نفي اللزوم فإنه على كلا التقديرين يفهم من هذه الروايات أنه لا ضمان على المشتري، فإذاً لا فرق من هذه الناحية إذا قلنا بأنَّ هذا يستفاد من الروايات، ولكن هذا يتم بناءً على استفادة نفي حقيقة البيع فإنَّ لازمه أن يكون الضمان على البائع لو حصل التلف.

 

مسألة ( 138 ):- الظاهر أن قبض بعض الثمن كلا قبض. وكذا قبض بعض المبي

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على فرعين:-

الفرع الأول:- إن قبض بعض الثمن كلا قبض، ولازمه أن الخيار بعد الثلاثة يكون ثباتاً للبائع ويعد المورد من قبيل عدم قبض شيء من الثمن فكما أن الخيار ثابت للبائع في حالة عدم قبض شيء من الثمن كذلك الحال هو ثابت إذا قبض بعض الثمن.

الفرع الثاني:- يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى المبيع.

أما بالنسبة إلى الفرع الأول:- فيلزم أن نرجع إلى الروايات لنرى ماذا يفهم منها، وقد قلنا إنها أربعة، والثلاثة الأول منها لم تتعرض إلى حالة قبض بعض الثمن، ولكن الرواية الرابعة - وهي رواية أبو بكر بن عياش- وارد في حالة قبض بعض الثمن، فأنها قالت:- ( اشتريت محملاً فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ثم احتبست أياماً ثم جئت إلى بائع المحمل .... قال:- فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر:- بقول من تريد أن أقضي بينهكما أبقول صاحبك أو بقول غيره؟ قلت:- بقول صاحبي، قال:- سمعته يقول من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له )، فهنا طبقت هذه القاعدة في فرض أنَّ بعض الثمن قد تم تسليمة، فيدل ذلك على أنَّ المدار في سقوط خيار التأخير هو اقباض تمام الثمن لا بعضه، فإذاً هذه الرواية واردة في موردنا وتكون حينئذٍ دالة على المطلوب وأنَّ دفع بعض الثمن لا يمنع من إعمال خيار التأخير.

والرد على هذا واضح حيث يقال:- إنَّ التطبيق في المورد هو صادر من أبي بكر بن عياش وهو ليس بحجة.

إن قلت:- إنَّ عبد الرحمن بن الحجاج سكت عن ذلك.

قلت:- إنَّ سكوته لا ينفع فإنه ليس معصوماً، مضافاً إلى أنَّ المفروض أنهما قد تراضيا بما يحكم به ابن عيّاش، وهو قد حكم بثبوت الخيار في الثلاثة وإلا فبعد الثلاثة لا بيع له - فحَكَم بعدم ثبوت الخيار- فبالتالي لا يتمكن عبد الرحمن أن يقول:- ( إني دفعت بعض الثمن فيلزم أن يثبت لي الخيار وهذه الرواية خاصة بحالة تسليم تمام الثمن ) لأنهما قد تراضيا من البداية عليه.

فإذاً سكوت عبد الرحمن بن الحجاج لا يكون نافعاً من جهتين، الأولى أنه ليس بمعصومٍ حتى ينفع سكوته، والثانية أنهما اتفقا على أنَّهما يمضيا كل ما يقوله ابن عياش والمفروض أنه قد أثبت الحق للبائع في ثبوت الخيار.


[1] ونذكر قضية جابية: - وهي أنه هل المناسب أن نقول في التعبير ( بعد سقوطه ) أو نقول ( قبل ثبوته )؟، لأنه عندنا في الثلاثة هو بعد ثبوته، أما بعد الثلاثة فسوف يثبت الخيار، فما معنى السقوط هنا؟، إنه لابد أن نفترض أنَّ البائع أسقط الخيار، ولكن هذا لا داعي إليه، وإنما الأفضل أن نأتي إلى الثلاثة ونقول:- ( حال ثبوت الخيار ) وهو بعد الثلاثة، ( وحال عدم الثبوت ) وهو في الثلاثة - ).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo