< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 138 ) - الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

أما الحكم الأول:- فالكلام تارةً يقع بلحاظ القاعدة الأولية، وأخرى بما تقتضيه الروايات، وثالثةً بلحاظ ما تقتضيه القاعدة الثانوية إن صح التعبير.

أما بالنسبة إلى قمتضى القاعدة الأولية بقطع النظر عمّا نستفيده من الروايات:- فإذا لاحظنا القاعدة فهي تقتضي عدم ثبوت خيار التأخير للبائع، والقدر المتيقن من ثبوت الخيار هو ما إذا فرض أنه لم يتم تسليم كل الثمن ولا بعضه، فإنَّ هذا قدر متيقن لاتفاق الروايات عليه، وأما إذا فرض أنَّ المشتري دفع قسماً من الثمن للبائع فهنا نشك في ثبوت خيار التأخير للبائع، ومقتضى قاعدة اللزوم في باب البيع هو ثبوت اللزوم وعدم ثبوت الخيار.

وأما النسبة إلى مقتضى الأخبار:- فالأخبار أربعة كما عرفنا، ومرّةً نلاحظ الروايات الثلاث منها غير رواية عبد الرحمن بن الحجاج في قضاء ابي بكر بن عياش، ومرةً نلاحظ رواية ابن عياش.

أما الروايات الثلاث:- فالقدر المتيقن منها ثبوت الخيار للبائع حالة عدم تسليم كل الثمن ولا جزءه، أما إذا تم تسليم بعض الثمن دون كل الثمن فالروايات مجملة من هذه الناحية ولا ظهور فيها حتى يمكن تحكيمه، فيكون المرجع هو القاعدة الأولية - وهي أصالة اللزوم - وهي تقتضي عدم ثبوت خيار التأخير.

وأما رواية ابن عياش:- فالكلام فيها أنَّه هل ما نقله ابن عياش مقبولٌ أو لا؟

والمناسب أن يقال:- إنَّ نقله مرفوضٌ من ناحيتين، الأولى:- إنه لم تثبت وثاقته حتى يكون نقله حجة، فأصل النقل لا دليل على اعتباره بعد عدم ثبوت وثاقة ابن عياش، والثانية:- إنَّ فهم ابن عياش ليس حجة علينا.

إن قلت:- إنَّ عبد الرحمن بن الحجاج قد رضي بنقله وعبد الرحمان من أكابر رواتنا.

قلت:- إنَّ هذا لا يدل على توثيقه للنقل، وإنما أراد عبد الرحمن أن يحل النزاع بشكلٍ وآخر فرضي بحَكَمِيَّة ابن عيّاش ولكن هذا لا يعني أنه يصدّقه في نقله.

ومن خلال هذا يتضح التأمل في كلام العلامة وصاحب الجواهر:- فإنهما لم يخدشا بنقل ابن عياش، وإنما يظهر منهما القبول، وهذه غريب، قال صاحب:- ( وعلى كل حال فلو انتفى القبض كمنهما ولو للبعض فالخيار باقٍ في الكل بلا خلاف وفي خبر ابن الحجاج دلالة عليه )[1] ، يعني أنَّ في خبر بن الحجاج دلالة على أنَّ الخيار باقٍ، يعني أنَّ المدار على دفع كل الثمن لا على دفع بعضه فإن دفع بعضه لا ينفع، فيظهر منه الاعتماد على نقل ابن عياش، وقال العلامة:- ( ولو قبض البائع بعض الثمن لم يبطل الخيار لأنه يصدق عليه حينئذٍ أنه لم يقبض الثمن ولما رواه عبد الرحمن بن الحاج)[2] ، وهذا معناه أنه تصديق لابن عياش في نقله.

إذاً اتضح أولاً أنَّ نقل ابن عياش لم يثبت سنداً لأنَّ ابن عياش لم تثبت وثاقته، وثانياً إنَّ فهم ابن عياش ليس حجة علينا، حيث يظهر من الرواية أنه فهم أنه لو تحقق قبض بعض الثمن فخيار التأخير باقٍ وهو قد استفاد هذا المعنى من الرواية التي نقلها، وهذا الفهم من قبله لا يكون حجة.

فإذاً روايته مرفوضة من ناحيتي السند والدلالة - وهو فهم ابن عياش -.

وأشكل الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[3] على التمسك برواية ابن عيّاش بقوله:- ( لم يتعين عندي فهم أبي بكر بن عيّاش وأنه أي شيء فهم من كلام الامام عليه السلام فإنه لم يزد في مقام القضاء على أن نقل الرواية ولم يعلم أنه لمن حكم من المتخاصمين وعلى من حكم منهما ).

وهو غريب:- فإنَّ المفروض أنَّ عبد الرحمن كما ذكر في بداية الرواية قد سلّم جزءاً من الثمن ولكن رغم ذلك ابن عياش نقل له هذه الرواية عن الامام عليه السلام وعبد الرحمن سكت، وسكوته يدل على أنَّ ابن عيّاش فهم من قول الامام عليه السلام أنَّ المدار في سقوط الخيار على عدم قبض شيءٍ من الثمن - لا كل الثمن ولا جزءه - ولذلك رضخ عبد الرحمن الذي فرض أنه قد دفع جزءاً من الثمن، فإذاً ابن عياش فهم أنَّ المدار في سقوط الخيار على دفع تمام الثمن وأما إذا لم يدفع المشتري تمام الثمن ودفع بعضه فالخيار بَعدُ باقٍ، فبالتالي قضاء ابن عيّاش هو ضد عبد الرحمن فإنَّ الرواية واضحة في ذلك.

فإذاً فهم ابن عياش متعينٌ، حيث فهم في أنَّ المدار في سقوط الخيار هو أن يدفع المشتري كامل الثمن أما أنه يدفع بعضه ففي مثل هذه الحالة لا يكفي ذلك في سقوط الخيار.

والنتيجة من كل هذا:- إننا نشك في شمول الروايات التي أثبتت خيار التأخير لحالة دفع بعض الثمن فنرجع إلى مقتضى القاعدة وعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ وهو يقتضي اللزوم.

هذا ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ خيار التأخير ثابت للبائع في حالة تسليم المشتري لبعض الثمن وإنما يسيقط فيما إذا تم تسليم تمام الثمن، وذلك بأن يقال:- إنَّ المستفاد من روايات خيار التأخير أنها جاءت للارفاق بالبائع، حيث إنه لا يصح له التصرف في المبيع إذ قد باعه وانتقل إلى ملك المشتري،كما لا يمكنه التصرف في الثمن لأنه لم يستلمه، فإرفاقاً به اثبت له خيار التأخير بعد الثلاثة، وحيثية الارفاق المفهومة من الروايات كما هي ثابتة في حالة عدم تسليم المشتري شيئاً من الثمن ثابتة أيضاً في حالة تسليم قسمٍ منه، فإنه في مثل هذه الحالة يكون البائع متضرراً أيضاً باعبتار أنه لا يتمكن من الاستفادة من المبيع والمفروض أنه لم يصل إليه كامل البدل، فيبقى حينئذٍ متضرراً والمفروض أنَّ الروايات جاءت لأجل الارفاق به وهي ظاهرة في ذلك، فالمناسب حينئذٍ أن يقال بثبوت الخيار له وفاقاً للسيد الماتن ولكن لنكتة الارفاق.

إن قلت:- إنَّ حكمة الحكم لا يمكن الاطلاع عليها، ولا يمكن التمسك بها، فإن الذي يمكن التمسك به هو العلّة وليس الحكمة؟

قلت:- إنَّ المفهوم من الروايات هو أنَّ تمام النكتة هو حيثية الارفاق بالبائع، وهذا ظهورٌ قد يختلف فيه الفقهاء، فإذا استظهرنا حيثية الارفاق بالبائع فهذه الحيثية تكون موجودةً في مقامناً وجارية، فإنه بعد عدم جواز تصرف البائع في المبيع وعدم وصول كامل الثمن إليه فالمناسب هو ثبوت خيار التأخير له وفاقاً للسيد الماتن.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo