< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 138 ) - الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

الحكم الثاني:- إنَّ قبض بعض المبيع كلا قبض.

يعني انَّ البيع قد تم ولم يستلم البائع الثمن ولكن المشتري أخذ نصف المبيع وبقي نصفه الآخر عند البائع، فهنا هل يثبت خيار التأخير للبائع إذا لم يأت المشتري بالثمن أو لا؟

إذا رجعنا إلى الروايات وجدناها مجملة، فهي ليست واضحة في أنه يلزم بقاء جميع المبيع عند البائع، كما أنها ليست واضحة في كفاية بقاء البعض، فلاحظ معتبرة علي بن يقطين فإنه ورد فيها:- ( سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال:- فإنَّ الأجل بينهما ثلاثة ايام فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما )، والشاهد هو قوله عليه السلام ( فإن قبض بيعه ) أي قبض مبيعه، فهذه العبارة مجملة من حيث قبض جميع المبيع أو بعضه، وعلى هذا الأساس ماذا يراد من هذه الرواية؟ إنه يوجد احمالان، الأول أن يكون المقصود هو سلب العموم، والثاني إن يكون المقصود هو عموم السلب، والمقصود من سلب العموم هو سلب تحقق المجموع من حيث المجموع، وهو يتلاءم مع تحقق البعض، كأن أقول ( لم يأتِ جميع الضيوف )، ففي هذه الجملة يوجد احتمالان - ولا يهمنا أيهما الأظهر- فيحتمل أن يكون المقصود هو سلب العموم، يعني أنَّ المائة بما هم مائة لم يأتوا ولكنه قد يتلاءم مع مجيء قسمٍ منهم، أما إذا كان المقصود من ( لم يجئ الضيوف ) أنه لم يأت ولا واحدٍ منهم فهذه سالبة كلية وهذا نتيجته أنَّه لم يأت الجميع، يعني يوجد سلبٌ بعدد الضيوف وهذا ما يعبّر عنه بعموم السلب، فإذا اتضح الفرق بين سلب العموم وعموم السلب فالرواية حينما قالت ( فإن قبض بيعه وإلا ... ) - يعني وإن لم يقبض مبيعه - هل نفهم منها سلب العموم الذي يتلاءم مع أخذ بعض المبيع وبقاء بعضه أو نفهم منها عموم السلب يعني لم يأخذ كل المبيع ولا جزءه؟ الظاهر أنه يوجد إجمال من هذه الناحية، فإنه إذا بقينا نحن وهذا التعبير نشعر بوجود الإجمال فيه، فتكون عبارة الرواية مجملة، ولعل هذا هو السبب حينما ذكر الشيخ الأعظم(قده) هذه المسألة ذكر ثلاثة احتمالات من دون أن يرجّح بعضها على بعض حيث قال:- ( وفي كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الأخبار أو كالقبض لدعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض شيء منه أو تبعيض الخيارب النسبة إلى المقبوض وغيره .... وجوه )[1] ، نعم هو قال:- ( في كون قبض بعض المبيع كلا قبض )، ولكن قوله بعد ذلك ( وجوهٌ ) يعني أنه يعيش حالة التردد.

والذي نريد التنبيه عليه:- هو أنّ المناسب للفيقه أن يذكر ما يبني عليه لا أنه يذكر الوجوه فقط من دون بيان رأيه، كما نلفت النظر إلى أنَّ الاحتياط هنا غير بممكن.

وأما بالنسبة إلى السيد الخوئي(قده)[2] فقد ذكر ما حاصله:- إنَّ البيع يتعدد بلحاظ المنشأ، يعني إنَّ الانشاء وإن كان واحداً ونقول بأنَّ البيع واحدٌ من ناحية الانشاء ولكنه متعدد من ناحية الـمُنشَأ، فلو فرض أنَّ شخصاً باع عشرة كيلوات من السكّر للمشتري ففي عالم الانشاء قد صدر منه إنشاءٌ واحدٌ للبيع بيد أن الـمُنشَأ - وهو البيع - متعدد، فهناك بيوعٌ متعددةٌ بعدد الكيلوات، فبلحاظ كل كيلو يوجد بيع، فإنه قد أنشئت عشرة بيوعٍ غايته أنها أنشئت بإنشاءٍ واحد، وسوف تكون النتجية هي أنه يصدق بلحاظ هذا البيع القبض وبلحاظ ذلك البيع عدم القبض مادام نصف المبيع قد بقي عند البائع والنصف الآخر قبضه المشتري، فإذاً نتمكن أن نقول بلحاظ نصف المبيع الذي قبضه المشتري يوجد بيع وقد قبض المشتري المبيع فالروايات لا تشمل هذا، نعم هي تشمل النصف الثاني الذي بقي عند البائع، فإنه باع النصف الثاني ولم يتحقق قبض الثمن ولا المثمن، قال:- ( إنَّ البيع وإن كان امراً واحداً بحسب الانشاء إلا أنه منحل إلى أمورٍ متعددة بحسب مقام المنشأ ... فهناك بيوع متعددة ... وعليه فإذا فرضنا أنَّ بعض اجزاء المبيع مما أقبضه البائع فالبيع الواقع عليه يتصف بالصحة لتمامية شرطه أو أنه محكوم بعدم الخيار لارتفاع شرط الخيا فيه وهو عدم اقباضه إلى ثلاثة أيام ).

وفي مقام العليق نقول:- إنَّ الفقيه يحتاج إلى الدقة إلى جنب النظرة والفهم العرفي، فلا ينبغي أن تكون الدقة سبباً لاهمال النظرة العرفية، فالأخذ بالدقة لوحدها مع إلغاء النظرة العرفية والفهم العرفي ليس بصحيح، كما أنَّ الأخذ بالنظرة العرفية والفهم العرفي فقط من دون دقةٍ ليس بصحيح أيضاً، وبناءً على هذا نقول:- إنَّ السيد الخوئي(قده) في هذا الموضع أعمل الدقة، فأنا إذا اشتريت مائة كيلو سكّر فهل يقال يوجد بيع قد صدر من البائع وصدر مني مائة شراء ؟!! إنَّ هذا الشيء منصرفٌ عنه واقعاً وهو مرفوضٌ أشدَّ الرفض، فما ذكره هو إعمال للدقة العقلية من دون أن يضم إليها نظرةً عرفية، نعم إذا فرض أني اشتريت سكّراً وشاياً ورماناً وتفاحاً وغير ذلك في صفقةٍ واحدة فهنا يمكن أن يقال توجد بيوع متعددة لا أنه بيع واحد، بخلافه في الحالة الأولى فإنه لا توجد بيوع متعددة، وهذا نفهمه من الدمج بين النظرة الدقّية والنظرة العرفية، فإنه إذا كانت الأجناس متعددة فليس من البعيد أن يدّعي أحدٌ أنَّ هذه بيوع متعددة ويكون هذا مقبولاً، أما إذا كان المبيع من جنسٍ واحدٍ كالسكّر مثلاً فيمكن أن يقال إنَّ البيع واحدٌ وليس متعدداً. فما ذكره قابل للمناقشة من هذه الناحية.

ونلفت النظر إلى أنَّ ما ذكره السيد الماتن في المنهاج يخالف ما ذكره في التنقيح حيث النتيجة، فإنه في التنقيح قال إنها تصير بيوعاً متعددة، يعني يكفي قبض البعض، أما في المنهاج فقال إنَّ قبض جزء المبيع كلا قبض.

والماسب أن يقال:- إنَّ قبض بعض المبيع كلا قبض، يعني أنَّ الخيار بعد الثلاثة ثابت للبائع في كلّ المبيع، فيتمكن أن يفسخ، والوجه في ذلك هو أنَّ روايات خيار التأخير جاءت للارفاق بالبائع، لأنَّ البائع يبقى لم يحصل لا على الثمن ولا على المثمن، فحينما قالت الرواية ( لا بيع له ) يعني أنها جاءت ارفاقاً به، ولو لم ترد مورد الارفاق بالبائع لقالت ( يبقى البيع ثابتاً إلى أن يأتي المشتري بالثمن )، فهي حينما جعلته إلى ثلاثة أرادت بذلك الارفاق بالبائع، ومن المعلوم أنَّ البائع حينما قبض منه نصف المبيع والمفروض أنه لا يتمكن من التصرف في الباقي لأنه ملك المشتري والثمن لم يحصل عليه - يعني لا العوض ولا المعوّض - فجاءت الروايات ارفاقاً به وقالت إذا مضت ثلاثة أيام فلا بيع ففي مثل هذه الحالة المناسب أن يثبت له الخيار، فكما لو كان جيمع المبيع موجوداً عند البائع والروايات هنا حكمت له بثبوت الخيار المناسب أيضاً إذا كان نصف المبيع قد أخذه المشتري الارفاق به وأن يكون له خيار الفسخ، بل لعل الافاق به هنا أنسب، لأنه في حالة عدم قبض شيءٍ من المبيع يكون تمام المبيع عنده ويكون مطمئناً أما إذا فرض أنه قد سلّم نصف المبيع فحينئذٍ إذا لم يجز له إعمال الخيار فسوف لا يستفيد شيئاً لا بنصف المبيع الذي سلّمه للمشتري ولا بنصفه الآخر الذي بقي عنده والمفروض أنَّ الثمن لم يسلّمه المشتري إليه، فإذاً هذه الحالة إن لم نقل بأنها أولى بالارفاق من حالة عدم اقباض شيءٍ من المبيع فلا أقل هي مساوية لها.

فإذاً نكتة الارفاق التي نستفيدها ثابتة في هذه الحالة أيضاً، والمناسب هو ثبوت الخيار للبائع، ومما يؤكد ذلك ويدعم اطمئنان الفقيه هو فهم الأعلام، فإنهم حكموا بأنَّ قبض بعض المبيع كلا قبض، فإنَّ هذا يدعم ما انتهينا إليه، غاية الأمر أنهم لم يعللوا بالنكتة التي أشرنا إليها ونحن عللنا بها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo