< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 140 ) - الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

مسألة ( 140 ):- يشترط في ثبوت الخيار المذكور عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين وإلا فلا خيار.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكم واحد:- وهو أنَّ خيار التأخير يثبت فيما إذا لم يشترط المشتري أو البائع أو الاثنين معاً تسليم الثمن أو المثمن أو الاثنين معاً وإلا فلا خيار، يعني لا يثبت خيار التأخير عند انتهاء ثلاثة أيام بل يبقى الحق في التأخير من دون خيارٍ لأنهما اشترطا التأخير.

وقد يقول قائل:- إنَّ هذا وجيه من جهةٍ حيث أنهما قد اشترطا التأخير، بيد أنَّ الروابات الدالة على ثبوت خيار التأخير عند مضي ثلاثة أيام مطلقة من هذه الناحية، فيحصل التعارض بين هذه الروايات وبين اشتراط تأخير الثمن أو المثمن، وعليه فلا يمكن أن نقول بانتفاء خيار التأخير بعد فرض المعارضة، فإنَّ ترجيح الاشتراط على روايات خيار التأخير من دون مرجح.

والخلاصة:- إنَّ روايات خيار التأخير مطلقة من ناحية اشتراط التأخير في تسليم العوضين وعدم الاشتراط، فلماذا لا يتمسك بإطلاقها، وبالتالي يثبت خيار التأخير حتى مع اشتراط تأخير أحد العوضين أو كليهما.

قلت:- هناك جوابان:-

الأول:- لو رجعنا إلى روايات خيار التأخير لم نجد فيها اطلاقاً وهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية، وإنما هي بصدد من اشترى ولم يسلّم الثمن ولم يستلم المثمن فللبائع الخيار بعد الثلاثة، ومعه يكون دليل ( المؤمنون عند شروطهم ) هو المقدَّم ولا يمكن الأخذ بروايات خيار التأخير، فمثلاً صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قالت:- ( قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاعه ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه، قال:- إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع )، فالصحيحة ليست في مقام البيان من ناحية وجود اشتراط التأخير وعدمه، وإنما هذا حكم أولي يبيّن أنَّ التأخير في دفع الثمن والمثمن يوجب الخيار بعد ثلاثة أيام، فهذه الروايات ليس فيها اطلاق، وعليه سوف نتمسك باطلاق ( المؤمنون عند شروطهم ) لاثبات صحة هذا الاشتراط، وبالتالي عدم ثبوت خيار التأخير.

ثانياً:- هناك حكمٌ شرعيُ مسلَّمٌ بين الفقهاء وقد دلت عليه روايات، وهو أنه يجوز اشتراط تأخير الثمن إلى أجلٍ معين في بيع النسيئة، وتوجد في المقابل روايات تجوّز اشتراط تأخير المبيع إلى أجلٍ معين في بيع السلف، وكلا الحكمين ثابتان، وإذا قبلنا بهذا فمقتضى الجمع بين الروايات الدالة على هذين الموردين وبين روايات خيار التأخير في موردنا - وأنه بعد ثلاثة أيام يثبت للبائع الخيار في فسخ العقد - هو أنه لابد من حمل روايات المقام على حالة عدم اشتراط تأخير الثمن وعدم اشتراط تأخير المثمن وإلا يدخل المورد في أحد الموردين السابقين، فجمعاً بين روايات المسألتين وبين روايات المقام لابد من تقييد روايات المقام بحالة عدم اشتراط تأخير الثمن أو المثمثن وإلا دخل المورد في أحد ذينك البابين، وعلى هذا الأساس لا منافاة بين الموردين بعد الجمع بهذا الشكل.

والفارق بين الجواب الأول والجواب الثاني:- هو أنَّ الجواب الأول ناظر إلى فكرة القصور في المقتضي - إن صحَّ التعبير - يعني لا اطلاق في روايات خيار التأخير وهي ليست في مقام البيان من ناحية اشتراط تأخير الثمن أو المثمن، وإنما هي ناظرة إلى حكمٍ أوّلي بقطع النظر عن الاشتراط، فإنَّ من اشترى شيئاً ولم يستلمه ولم يسلّم الثمن يثبت الخيار للبائع بعد الثلاثة أيام أما أنه يوجد اشتراط في تأخير الثمن أو المثمن فهي ليست ناظرة إليه، وأما الجواب الثاني فنقول فيه:- لو سلّمنا وجود اطلاق في الروايات ولكن سوف يحصل تنافٍ بينها وبين روايات باب النسيئة وباب السلف، وجمعاً بينهما يكون المناسب هو أنه مع اشتراط التأخير في أحدهما يدخل المورد في باب النسيئة أو باب السلف، ومع عدم الاشتراط يثبت خيار التأخير.

وبهذا انتهت هذه المسألة.

قضية يجدر الالتفات إليها:- اتضح من خلال ما سبق أنَّ خيار التأخير يثبت إذا لم يشترط المشتري تأخير تسليم الثمن أو لم يشترط البائع تأخير تسليم الثمن - فإذاً الخيار يثبت في حالة عدم الاشتراط - وأما إذا اشترط التأخير فلا خيار، ونضيف الآن ونقول:- وهكذا الحال إذا اشترط التقديم، بأن يفترض أنه يتم التسلّم والتسليم عند العقد أو بعد ساعة منه كما هو المتعارف، فعادةً نحن حينما نريد أن نشتري حاجةً فهنا يوجد اشتراط ضمني في الكثير من بيوعنا على أنَّ التسليم والتسلّم يتم عند العقد أو بعيده من دون مضي فترةٍ طويلة، ففي مثل هذه الحالة إذا فرض أنّه لم يحصل التعجيل في تسليم الثمن فمن حق البائع أن يفسخ البيع قبل مضي ثلاثة أيام، يعني بعد مضي نصف يوم مثلاً لا أنه ينتظر إلى ثلاثة أيام، فعادةً يوجد في بيوعنا هذا الشرط الضمني وهذا غير قابل للانكار، نعم توجد بعض البيوع لعله يوجد فيها اشتراط ضمني على العكس - أي على اشتراط التأخير - كما في الأمور العظيمة كشراء دارٍ فخمة، فهنا ليس المتعارف التسليم والقبض والاقباض فوراً وإنما يكون ذلك بعد فترةٍ، ولكن في البيوع الأخرى التي ليست من هذا القبيل فيوجد فيها شرط ضمني على لزوم تسليم الثمن والمثمن فوراً أو بعيد العقد، وبناءً على هذا يلزم أن تكون مساحة خيار التأخير ضيقة جداً، لأنه يوجد هذا الاشتراط غالباً - وهو اشتراط الفورية - ومع اشتراط الفورية فحينئذٍ من حق البائع أن يفسخ العقد بمجرد مخالفة الشرط الضمني، يعني بعد مضي يومٍ أو نصف يوم إذا لم يسلّم المشتري الثمن لوجود هذا الاشتراط الضمني، وبذلك إن بقيت مساحة لخيار التأخير فهي مساحة ضيقة، ووجود هذا الاشتراط الضمني على فورية التسلّم والتسليم فإن لم يتم التسليم والتسلّم فللبائع حق الفسخ لا يمكن إنكاره، والمفروض في المسألتنا أنَّ السيد الماتن قال إذا كان يوجد اشتراط فحينئذٍ المتّبع هو الاشتراط، غاية الأمر أنَّ المسألة نظرت إلى أنه إذا كان يوجد اشتراط بالتأخير أكثر، ولكن نقول إنَّ نفس الكلام يأتي فيما إذا كان هناك اشتراط في التقديم لعدم الفرق بينهما، كما هو الحال في بيوع زماننا فإنَّ الغالب فيها وجود اشتراط ضمني بالتقديم وفورية الستليم وإذا لم تسلّمني فوراً فلي حق الخيار، فبناءً على هذا سوف تتضيق أو تزول دائرة خيار التأخير بعد وجود هذا الاشتراط الضمني في زماننا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo