< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 141 ) هل يثبت خيار التأخير في المبيع الشخصي أو يعم المبيع الكلي؟ - الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

مسألة ( 141 ):- لا إشكال في ثبوت الحكم المذكور فيما لو كان المبيع شخصياً. وفي ثبوته إذا كان كلياً في الذمة قولان فالأحوط وجوباً عدم الفسخ بعد الثلاثة إلا برضا الطرفين.

..........................................................................................................

وقبل الدخول في المسألة نذكر بعض الملاحظات على عبارة المتن:- فإن الموجود فيها ( لا إشكال في الحكم المذكور )، ولكن في المنهاج القديم للسيد الحكيم(قده) توجد كلمة ( خيار ) بدل كلمة ( حكم )، أي ( لا إشكال في ثبوت الخيار المذكور )، ولكن السيد الخوئي(قده) أبدل هذه الكملة بكلمة ( حكم ) والحال أنَّ ذكر كلمة ( خيار ) أفضل، ثم قال السيد الماتن بعد ذلك:- ( وفي ثبوته إذا كان كلياً في الذمة قولان فالأحوط وجوباً )، فإنَّ الفاء في قوله ( فالأحوط ) لا داعي إليها، بل الأفضل أن يقول ( والأحوط ).

أما المسألة:- فقد وقع الكلام في كون خيار التأخير هل يعم حالة ما إذا كان المبيع كلياً بعد الاتفاق على ثبوته حالة كونه جزئياً خارجياً - كما لو اشتريت منك هذا الكتاب المعين أو هذا الكيس المعين من الرز ولم أدفع الثمن ولم أستلم المثمن ثم أذهبت ويصير خيار التأخير - وحالة كونه كلياً في الذمة -كما لو اشتريت منك كتاب نهج البلاغة الكلي بثمنٍ ولم يحصل استلام للثمن ولا للمثمن – أو أنه يختص بأحدهما؟ اتفقت الكلمة على أنه لو كان المبيع جزئياً فسوف يثبت خيار التأخير، أما إذا كان كلياً فهناك قولان في المسألة.

وذهب الشيخ الأعظم(قده) إلى أنه يختص بما إذا كان المبيع جزئياً ولا يعم حالة كونه كلياً، بينما الرأي الآخر ذهب إلى أنه يعم حالة كونه كلياً، ومنشأ الاختلاف هو الروايات الأربع المتقدمة وأنه ما هو المفهوم منها، فإنه قد اختلف في مفادها بأنه يختص بما إذا كان المبيع جزئياً أو يعم حالة ما إذا كان كلياً أيضاً، ومال الشيخ الأعظم(قده) إلى كونه يختص بحالة كونه جزئياً، بينما السيد الماتن(قده) وجماعة ذهبوا إلى أنها تعم حالة كونه كلياً.

أما الشيخ الأعظم(قده) فقال:- توجد عندنأ أربع روايات:-

أما روايتي اسحاق بن عمار وعلي بن يقطين:- فقد ورد في صحيحة علي بن يقطين تعبير:- ( عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال:- فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما ) ومورد الشاهد هو قوله عليه السلام ( فإن قبض بيعه ) وكلمة ( بيعه ) يعني مبيعه، فإن كلمة البيع هنا أريد منها المبيع جزمناً، لأنَّ القبض يكون للمبيع أما قبض البيع فلا معنى له، وبعدما كان المقوصد من البيع هنا المبيع فماذا يستفاد منه، فهل يستفاد منه الشمول للكلي والجزئي معاً أو أنَّ المراد أحدهما؟!، وأما وراية اسحاق بن عمار فقد ورد فيها:- ( من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيام ولم يجئ فلا بيع له )، فإنَّ كلمة البيع هنا تعني المبيع، والمبيع يطلق عرفاً على الجزئي أو الكلي في المعيّن - بأن يقول المشتري اشتري كليو من هذا الرز المعين - ولا يطلق على الكلي.

ولماذا يطلق البيع على المبيع والحال أنَّ المبيع قبل البيع هو ليس بمبيع؟ أجاب وقال:- باعتبار أنه في معرض البيع، فبهذا الاعتبار يقال له مبيع والحال أنه بَعدُ ليس بمبيع ولكن يطلق عليه ذلك باعتبار المعرضية، قال:- ( فروايتاه[1] مشتملتان على لفظ البيع المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع على العين المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع على العين المعرّضة[2] للبيع )، وهذا التعبير يحتاج إلى تكلمة حتى يصير هذا شاهداً على الاختصاص بكون المبيع جزئياً وهي أن يقال:- ( ومن المعلوم إنَّ الشيء الذي يعرض للبيع هو الجزئي دون الكلي ).

وأما رواية زرارة:- فأمرها واضح في الاختصاص بالجزئي، لأنَّ الوارد فيها ( الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده )، فهنا توجد قرينتان في هذا التعبير على الاختصاص بالجزئي الأولى هي كلمة المتاع فإنه لا يطلق إلا على الجزئين، والثانية تعبير ( ثم يدعه عنده ) فإنَّ الايداع عنده يصدق في حق الجزئي أما الكلي فلا يصدق عليه أنه يدعه عنده.

وأما رواية عبد الرحمن بن الحجاج:- فقد ورد فيها ( من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له ) والشاهد قو قوله ( من اشترى شيئاً )، والشيء يختص بالأمور الجزئية، قال:- ( الظاهر من لفظ الشيء الموجود الخارجي كما في قول القائل اشتريت شيئاً والكلي المبيع ليس موجوداً خارجياً )، فالمقصود أنَّ كلمة شيء تختص بالموجودات الخارجية، والكلي ليس من الموجودات الخارجية.

فإذاً يوجد قصور في المقتضي فإنَّ الروايات لا ظهور لها في السعة، وإنما القدر المتيقن منها هو ما إذا كان المبيع موجوداً جزئياً خارجياً، أما الكلي فيشك في شمول الروايات له، ويكفينا الشك.

وأما القائلين بالعموم:- فقد ذكر السيد الخوئي(قده)[3] إنه يكن أن يقال بعموم الروايات للكلي أيضاً، والوجه في ذلك هو أنه أما رواية ساحاق بن عمّار وعلي بن يقطين فالوارد فيهما كلمة ( البيع ) والمراد منها المبيع ولكن اطلاق كلمة المبيع على الجزئي ليس باعتبار كونه في معرضية البيع حتى يقال إنَّ العرض للبيع يختص بالجزئي كما أفاد الشيخ الأعظم(قده)، وإنما اطلق على الشي أنه المبيع - والحال أنه قبل بيعه ليس مبيعصاً - بعلاقة الأول والمشارفة، أي من باب أنه سيؤول إلى كونه مبيعاً، أو أنه أشرف على أن يكون مبيعاً، وإذا كان الاطلاق بهذه العلاقة فهذه العلاقة تصدق على الكلي أيضاً، فإنَّ الكلي سيؤول أمره إلى كونه مبيعاً بعد تعلّق البيع به، فيصدق عليه حينئذٍ عنوان المبيع.

فإذاً مادامت النكتة في استعمال كلمة المبيع في الشيء قبل بيعه هي أنه استعمال مجازي نقول إنه ليس باعتبار المعرضية كما أفاد الشيخ الأعظم(قده) وإنما باعتبار أنه سيؤول إلى كونه مبيعاً.

إن قلت:- إنه بناءً على علاقة الأول والمشارفة سوف يصير الاستعمال مجازياً والأصل في الاستعمال هو الحقيقة، والحمل على ارادة المعنى المجازي يحتاج إلى دليل، وعليه يكون الحق مع الشيخ الأعظ(قده).

قلت:- إنَّ الاستعمال على التقديرين هو مجازي، ولكن المجازية تحتاج إلى علاقة، وتارةً تكون العلاقة هي علاقة المعرضية أي أنه سيكون بعد قليلٍ معروضاً للبيع، وأخرى تكون هي علاقة الأول والمشارفة، فالاستعمال مجازي على كلا التقديرين.

وأما رواية زرارة التي ورد فيها تعبيري ( المتاع ) و ( يدعه عنده ) فقال:- أما المتاع فهو كلفظ الماء يطلق على الشخصي والكلي ولا يختص بالجزئي، وأما بالنسبة إلى تعبير ( يدع ) فمعانها هو الترك - أي يتركه - والترك يصدق بلحاظ الجزئي وبلحاظ الكلي معاً، فإنَّ عدم أخذ المبيع الكلّي هو نحوُ تركٍ للمبيع عند البائع.

وأما وراية ابن الحجاج التي ورد فيها كلمة ( شيء ) فقال:- إنَّ الشيء في استعمال الفلاسفة واصطلاحهم تختص بالموجود الموجود الخارجي حيث قالوا ( الشيئية تساوق الوجود ) ولكن لغةً وعرفاً هو يعم الموجود والمعدوم.


[1] أي رواية اسحاق بن عمار وعلي بن يقطين.
[2] أي المعروضة للبيع.
[3] التنقيح في شرح المكاسب، الخوئي، تسلسل39، ص25- 27.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo