< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/08/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 142 ) هل يثبت خيار التأخير فيما يفسده المبيت؟ - الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

وقد يقال:- هناك رواية أخرى بلسان:- ( العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل )، وقد ذكرها صاحب الوسائل في نفس الباب الذي ذكر فيه الرواية المتقدّمة، وهذه الرواية الثانية فيها مشكلتان من حيث السند بقطع النظر عن الدلالة، لأنه قد يكون هناك شيء من الخفاء في دلالتها.

أما من حيث السند:- فهو هكذا:- ( محمد بن علي بن الحسين بإسناده إلى ابن فضال عن ابن رباط عن زرارة )، ومحمد بن علي بن الحسين فهو الشيخ الصدوق، والطريق إلى ابن فضال لا مشكلة فيه، وكذلك ابن فضال وابن رباط لا مشكلة فيهما، وإذا كان السند هكذا فلا مشكلة فيه، ولكن لو رجعنا إلى المصدر الذي نقل عنه صاحب الوسائل وهو كتاب الفقه للصدوق وجدناه يقول:- ( وفي رواية أخرى عن ابن فضّال عن الحسن بن علي بن رباط عمّن رواه عن أبي عبد الله )[1] ، وعليه يكون في السند ارسال، وهذا إن دل على شيءٍ فإنما يدل على أنَّ نسخ الرواية مختلفة، فيوجد بعض النسخ تعبير ( عن زوارة ) وفي بعضها الآخر يوجد تعبير ( عمّن رواه ) وإلا فصاحب الوسائل من أين ذكر زرارة في السند؟!!، فإذا كانت النسخ متعددة كفانا ذلك لسقوط السند المذكور عن الاعتبار لاحتمال أنَّ الصحيح هو الارسال، هذه جهة تأمل أولى.

وهناك جهة تأمل ثانية:- وهي أنه يمكن أن يقال يحتمل إنَّ هذه ليست رواية عن الامام عليه السلام وإن ذكرها الشيخ الصدوق وإنما ذكرها منه، فإنه أحياناً حينما يذكر روايةً يذكر إلى جانبها بعض الأمور من قبله، وهذه ظاهرة موجودة عنده في الجملة، خلافاً للكافي والتهذيب والاستبصار فإنها ليست موجودة، والمثبت لكون عبارة ( والعهدة ... ) من قبل الشيخ الصدوق أو يحتمل أنها صدرت منه هو أننا إذا رجعنا إلى الفقيه وجدناه يقول:- ( وفي رواية أخرى عن ابن فضّال عن الحسن بن علي بن رباط عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع. ومن اشترى جارية وقال للبائع أجيئك بالثمن فإن جاء فيما بينه وبين شهرٍ وإلا فلا بيع له. والعهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل )[2] ، فهو ذكر ثلاث جمل ويحتمل أنَّ الجملة الأولى فقط هي من الرواية عن الامام عليه السلام، ولكن صاحب الوسائل بنى على أنَّ الجمل الثلاث هي صادرة بالسند الأول من الامام عليه السلام، فإنَّ السند الأول الذي ذكره هو سندٌ للجمل الثلاث، ولذلك هو نقل السند وقال:- ( والعهدة فيما يفسد في يومه ... ) لأنَّ هذه الفقرة هي التي ترتبط بمحل الكلام - أي ما يفسد في يومه -، وهنا يقال إنَّ هذه الجملة ليست من الامام عليه السلام وإنما هي من الشيخ الصدوق، لأنَّ الشيخ الطوسي(قده) في التهذيب اقتصر عند نقل هذه الرواية على الفقرة الأولى، وهذا يولد احتمال كون الفقرة الأولى فقط هي الصادرة من الامام عليه السلام وإلا لنقلها بكاملها فإن عادته هي نقل كامل الراوية وليس من عادته التقطيع، فاقتصاره على الفقرة الأولى يولّد احتمال كون ما بعدها من الفقرات هو صادر من الشيخ الصدوق وليس من الامام عليه السلام، وعليه سوف تسقط هذه الفقرة عن الاعتبار ولا يمكن اسنادها إلى الامام عليه السلام، قال الشيخ:- ( عنه[3] عن الحسن بن علي بن فضّال عن الحسن بن علي بن رباط عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع)[4] ، والسند الموجود في الفقيه هو نفس السند الموجود في التهذيب ولكن الشيخ الطوةسي ذكر الفقرة الأولى فقط والشيخ الصدوق ذكر ثلاث فقرات، ومن هنا يتولد احتمال أنّ الفقرتين الأخيرتين هما من كلام الشيخ الصدوق وليس من كلام الامام عليه السلام، ويكفينا الاحتمال لسقوط النقل المذكور عن الاعتبار، وهذه ملاحظة تُسجّل على صاحب الوسائل، ولعل أول من تنبّه إلى هذه القضية صاحب الحدائق(قده)[5] .

فإذاً هذه الرواية التي نقلها صاحب الوسائل من قوله ( والعهدة ) إلى نهاية الرواية لم يثبت أنها رواية، بل يحتمل أنها من كلام الشيخ الصدوق للقرينة التي أشرنا إليها، هذا مضافاً إلى ضعف سندها لاحتمال الارسال.

إن قلت:- إنه بناءً على هذا سوف يسقط كل كتاب الفقيه عن الاعتبار لأن يحتمل دائماً أنَّ الشيخ الصدوق أضاف شيئاً من عنده؟

قلت:- يمكن أن يجاب عن هذا بجوابين:-

الأول:- إنَّ هذا لا يتم إذا نقل فقرةً واحدً وإنما يتم فيما إذا نقل أكثر من فقرة، فإّا نقل أكثر من فقرة فحينئذٍ نحتمل أنَّ الفقرة الثانية هي تبرع منه وليست صادرة من الامام عليه السلام، أما إذا نقل فقرةً واحدً فسوف لا يأتي هذا الاحتمال.

الثاني:- إنه لو نقل ثلاث فقرات أو أكثر فنحن نأخذ بها ونقول هي من الرواية وليست اضافةً من قبل الشيخ الصدوق، لأننا حينما نبرز احتمالاً فلابد وأن يكون له مستند، ومسنتدها لهذا الاحتمال هو نقل الشيخ الطوسي حيث اقتصر في نقله على الفقرة الأولى من الرواية مع أنَّ المصدر لهما واحد، وهذا يولد احتمال كون الباقي من الفقرات ليس من الرواية وإنما هو من الشيخ الصدوق، أما في سائر الموارد الأخرى فمنشأ هذا الاحتمال ليس بموجود، وعليه فنبني على أنَّ جميع النقل هو للامام عليه السلام.

والخلاصة التي انتهينا إليها لحد الآن:- إنَّ ما يفسده المبيت المدرك لثبوت الخيار فيه هو إما الرواية أو قاعدة لا ضرر على ما ذكر الشيخ الأعظم(قده) ونحن ذكرنا أن المستند ليس هذان المستندين وإنما هو فكرة الشرط الضمني.

ونريد التنبيه على شيء:- وهو أنه لو فرض أنَّ المستند كان هو الرواية فهل نقتصر على موردها - يعني على خصوص ما يفسده المبيت - ونقول إنَّ هذا المورد قد وردت في الرواية أما ما كان تفسده الظهيرة أو كان يفسده الضحى فهل يثبت الخيار هنا أيضاً رغم عدم ورود رواية فيه أو لا يثب؟

والجواب:- نعم يثبت الخيار هنا أيضاً، فإننا نفهم من الرواية عدم الخصوصية للمبيت وإنما هو من باب المورد الغالب، وإلا فلا يحتمل كونها قضية تعبّدية بحته، فإذاً إذا كان يفسده البقاء إلى الظهيرة أو الضحى أيضاً يثبت فيه الخيار.


[1] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص127.
[2] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص127.
[3] اي عن الحسين بن سعيد.
[4] تهذيب الأحكام، الطوسي، ج7، ص67.
[5] الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج19، ص53.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo