< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 143 ) مسقطات خيار التأخير- الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

مسألة ( 143 ):- يسقط هذا الخيار باسقاطه بعد الثلاثة. وفي سقوطه باسقاطه قبلها وباشتراط سقوطه في ضمن العقد اشكال والأظهر السقوط. والظاهر عدم سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة قبل فسخ البائع ولا بمطالبة البائع للمشتري بالثمن. نعم الظاهر سقوطه بأخذه الثمن منه بعنوان الجري على المعاملة لا بعنوان العارية أو الوديعة. ويكفي ظهور الفعل في ذلك ولو بواسطة القرائن.

..........................................................................................................

قبل بيان الأحكام الستة التي تشتمل عليها هذه المسألة نلفت النظر إلى قضيتين جانبيتين:-

القضية الأولى:- ذكرنا أنَّ المقصود في هذه المسألة هو خيار التأخير والكلام فيها هو عن خيار التأخير، ولكن وربّ قائلٍ يقول:- لماذا لا نحتمل أنَّ مقصود السيد الماتن من الخيار هنا ليس خيار التأخير وإنما خيار ما يفسده المبيت، فإنه قبل هذه المسألة وتحت عنوان خيار التأخير ذكر هذا الخيار - وهو خيار ما يفسده المبيت كالخضروات وما شاكلها -، فحينئذٍ الخيار ثابتٌ والبائع لا يتمكن أن يفسخ في مثل هذا المورد إلى الليل، فله حق الفسخ قبيل الليل، وهذا ما عبّر عنه بخيار ما يفسده المبيت، وهنا قد تسأل وتقول:- لماذا لا نقول إنَّ مقصود السيد الماتن من الخيار في هذه المسألة هو الخيار الأقرب وهو خيار ما يفسده المبيت، فتكون هذه الأحكام الستّة راجعة إلى خيار ما يفسده المبيت وليست راجعة إلى خيار التأخير الذي مدّته ثلاثة أيام؟

قلت:- إنَّ الجواب واضح، وهو أنه توجد قرينة واضحة تدل على كون المقصود في هذه المسألة هو خيار التأخير دون خيار ما يفسده المبيت، حيث عبّر السيد الماتن بتعبير ( ثلاثة ) حيث قال:- (يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد الثلاثة)، والثلاثة موجودة في خيار التأخير دون خيار ما يفسده المبيت، لأنَّ خيار ما يفسده المبيت يكون إلى الليل وليس إلى ثلاثة أيام.

القضية الثانية:- نحن في خيار التأخير ذكرنا قضيةً وقلنا إنه يمكن أن يقال إنَّ خيار التأخير هو تشريعٌ ثابت في زماننا أيضاً ولكن من دون مصداق، لأنَّ من يشتري الآن شيئاً ولا يدفع الثمن ولا يستلم المثمن ليس من البعيد أنه يوجد شرط ضمني بين البائع والمشتري هو أنه إذا لم تأتِ أيها المشتري بالثمن إلى يوم أو يومين فلي أنا البائع حق الفسخ لأني لم أقبض الثمن والمبيع معطَّل.

فإذاً ليس من البعيد وجود هكذا اشتراط ضمني بين المتعاقدين، وبناءً عليه فسوف لا يأتي الحديث في هذه المسألة.

وقد تعرض الشيخ الأعظم إلى هذه المسألة بأحكامها الستةفي مكاسبه[1] .

وأما الأحكام الستة التي ذكرت في المسألة فهي:-

الحكم الأول:- وحاصله إنه من حق البائع بعد انتهاء الأيام الثلاثة اسقاط خيار التأخير. وقد تعرض إليه الشيخ الأعظم إلى هذا الحكم بعبارة مختصرة حيث قال:- ( بلا إشكال ولا خلاف )[2] ، ولم يبيّن الدليل عليه.

والتوجيه الفني لإمكان سقوط خيار التأخير باسقاطه من قبل البائع واضح:- وذلك باعتبار أنه حقٌ للبائع ثبت من قبل الشرع وليس حكماً شرعياً، ولازم الحقيّة جواز الاسقاط وإلا لم يكن حقاً، ونذكر وجهين لاثبات كونه حقاً وليس حكماً شرعياً:-

الوجه الأول:- إنَّ ذلك هو المستفاد من دليل خيار التأخير، فإنه حينما أثبت الخيار للبائع بعد الثلاثة أيام جاء ذلك كإرفاقٍ من قبل الشارع للبائع فجوّز له اسقاط خيار التأخير، ومادام هو من باب الارفاق فيكون حقاً حينئذٍ فإنَّ الارفاق يتحقق بأن يثبت الخيار ولو بنحوٍ قابلٍ للاسقاط، ولعل الارفاق يكون أشد بما إذا كان مع حق الاسقاط.

فإذاً لازم الارفاق المستفاد من النص في حكمة تشريع أصل خيار التأخير هو أنه حقٌّ للبائع وليس حكماً شرعياً لازماً لا ينفك عنه.

الوجه الثاني:- الارتكاز المتشرعي، فإنَّ المرتكز في أذهان المتشرعة أنَّ خيار التأخير هو أنه حقٌّ قابلٌ للاسقاط من دون إشكال، وحيث إنَّ هذا الارتكاز لابد له من منشأ فلابد وأن يفترض أنه وصل يداً بيد من الشارع المقدَّس، فإذاً نفس هذا الارتكاز المتوارث يكشف عن وصوله من الشارع المقدس وبذلك يثبت أنه حقٌّ وليس حكماً.

إن قلت:- إذا فرض أنَّ البائع قال أسقطت خيار التأخير فهل يمكنه التراجع بعد ذلك؟

قلت:- المناسب عدم جواز الرجوع، وذلك لوجهين:-

الأول:- الارتكاز المتوارث الذي ذكرناه، فإنه كما يثبت أصل الخيار هو حقٌّ لا حكماً كذلك يثبت أنه إذا أُسقِط لا يعود بالتراجع، وهذا معناه أنه وصل إلينا يداً بيد من قبل الشارع.

الثاني:- لو شكّكنا في هذا الارتكاز وقلنا صحيح أنَّ أصل كون خيار التأخير هو حقٌ وثابت بالارتكاز ولكن لا يوجد ارتكازٌ ثابتٌ أيضاً على كونه حقاً بنحوٍ لو أُسقِط فسوف لا يعود، ولكن نقول:- إنه يمكن التمسك آنذاك بالاستصحاب، وذلك بأن نقول إنَّ خيار التأخير قد سقط بإسقاطه من قبل البائع، فلو تراجع البائع عن ذلك فيشك هل يبقى الخيار ساقطاً أو يعود من جديد فنستصحب حالة السقوط السابقة.

الحكم الثاني:- هل يسقط خيار التأخير بإسقاطه في الثلاثة - لا بعدها -، وهل يسقط باشتراط سقوطه في متن العقد أو لا يسقط؟

الجواب:- إنه قد يشكّك في قابليته للسقوط بذلك.


[1] كتاب المكاسب، الانصاري، ج5، ص233.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص233.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo