< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 143 ) مسقطات خيار التأخير- الخيار الخامس ( خيار التأخير ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

الحكم الثالث:- لا يسقط خيار التأخير ببذل المشتري الثمن بعد انقضاء الأيام الثلاثة.

وقد ذكر العلامة على ما نقل الشيخ الأعظم أنه يسقط:- وقد عبر الشيخ الأعظم هكذا:- ( المصرح به في التذكرة سقوط الخيار حينئذٍ )[1] ، وإذا رجعنا إلى التذكرة وجدنا العلامة يقول:- ( وإن مضت الثلاثة ولم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد والصبر والمطالبة بالثن عند علمائنا أجمع لأن الصبر ابداً مضر بالبائع )[2] ، والمفهوم من هذه العبارة أنه إذا لم يأت المشتري بالثمن وقد ومضت الثلاثة فحينئذٍ تخيّر البائع، ولكن كلامنا هو في حالة ما لو أتى المشتري بالثمن بعد الثلاثة فكيف نستفيد ذلك من العبارة؟ إنه لايد أن نفهم ذلك من المفهوم، لأنَّ العلامة قال إذا لم يأتِ المشتري بالثمن إلى أن انقضت الثلاثة فحينئذٍ يثبت للبائع الخيار، وسوف يصير المفهوم ( هو أنه وإن مضت الثلاثة وأتى بالثمن فسوف لا يتخيّر وإنما سوف يسقط خيارة )، فالعبارة واضحة في هذا الشيء ولكن بالمفهوم.

هذا ولكن المناسب سقوط الخيار مادام قد انتهت الثلاثة وفاقاً للسيد الخوئي:- فحتى لو أتى بالثمن بعد الثلاثة ولو بخمس دقائق فهنا يثبت الخيار للبائع، والوجه في ذلك أمران:-

الأول:- اطلاق الروايات، فإنها دلت على أنَّ الثلاثة إذا انتهت ولم يأتِ المشتري بالثمن كان البائع بالخيار، ومقتضى اطلاقها أنه مادام قد مضت الثلاثة ولم يأتِ المشتري بالثمن فلا خيار حتى لو أتى به بعد الثلاثة بخمس دقائق مثلاً، إذ بالتالي يصدق أنه قد مضت الثلاثة ولم يأتِ بالثمن، فحينئذٍ يثبت الخيار للبائع، فمفهوم ذلك أنه إذا أتى بالثمن قبل أن تنتهي الثلاثة فلا خيار أما إذا مضت الثلاثة ولم يأتِ بالثمن فالخيار يثبت للبائع حتى لو فرض مجيء المشتري بالمثن بعد الثلاثة ولو بدقائق، والروايات من قبيل صحيحة زرارة المتقدمة:- ( إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له )[3] ، وبمقتضى مفهوم هذه الرواية إنه إذا مضت الثلاثة - ولو بعد دقيقة - فحينئذٍ يثبت الخيار للبائع.

الثاني:- التمسك بالاستصحاب، وذلك بأن يقال:- إنه بمجرد أن انتهت الثلاثة فقد ثبت الخيار ونشك أنه لو أتى المشتري بالثمن بعد ساعة أو ساعتين هل يسقط الخيار أو لا يسقط فنستصحب بقاء الخيار من الدقيقة الأولى بعد انتهاء الثلاثة.

فإذاً سقوط الخيار في موردنا مادام لم يأتِ بالثمن في الثلاثة وأتى به بعد الثلاثة بساعة هو مقتضى اطلاق الدليل الاجتهادي ومقتضى الدليل الفقهاهتي - أي الاستصحاب -.

نعم الاستصحاب يتم التمسك به بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، أما لو قلنا بعدم جريانه فيها وفاقاً للسيد الخوئي والشيخ النراقي للمعارضة بين استصحاب بقاء المجعول وأصالة عدم الجعل الزائد، فإنه حينما مضت الثلاثة أيام ثبت الخيار فنستصحب بقاء الخيار، ولكن هذا معارضٌ بأصالة عدم جعل الخيار في الفترة الزائدة - التي هي بعد الثلاثة - حيث نشك هل جعل الشرع الخيار فيما إذا لم يؤتَ بالثمن في الثلاثة وإنما أتي به بعد الثلاثة أو لم يجعل ذلك فالأصل عدم جعل الخيار، فدائماً في الشبهات الحكيمة استصحاب بقاء الحكم الفعلي - أي المجعول - معارض بأصالة عدم الجعل الزائد، فإذا بنينا على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية فلا يجري الاستصحاب هنا، لأنَّ الشك هنا هو شكٌّ في شبهة حكمية، فإن الشك هنا هو شك في الحكم الكلي - أي الجعل الكلي - فنحن نشك أنَّ هذا الجعل الكلي للخيار مادام المشتري لم يأتِ بالثمن في الثلاثة هو شاملٌ أيضاً لما إذا أتى به بعد الثلاثة بساعة أو لا، فهل هذا الجعل وسيعٌ بهذه الدرجة أو لا، فهذا شكٌّ في الجعل الزائد، فاستصحاب بقاء المجعول يعارض بأصالة عدم الجعل الزائد، فلا يجري الاستصحاب.

إذاً اتضح إلى الآن أنه إذا لم يأتِ المشتري بالثمن في الثلاثة يثبت الخيار للبائع وإن أتى المشتري بالثمن بعد الثلاثة فإنَّ هذا لا ينفع للتمسك بإططلاق الدليل الاجتهادي ولاستصحاب بقاء الخيار.

وقد بحث الشيخ الأعظم(قده) هذه المسألة بناءً على كون المستند هو قاعدة لا ضرر:- فإذا قلنا إنَّ المستند لخيار التأخير هو قاعدة لا ضرر فحينئذٍ هل مقتضى قاعدة لا ضرر هو سقوط الخيار لو أتى المشتري بالثمن بعد الثلاثة بدقائع أو لا تقتضي ذلك.

ونحن نقول:- لعله لا داعي إلى الولوج في هذه المسألة، فمن البداية لا يصح التمسك بقاعدة لا ضرر لاثبات خيار التأخير من خلالها كما تقدّم، وبعد فرض عدم صحة التمسك بها لاثبات خيار التأخير فحينئذٍ لا معنى للبحث في هذه المسألة بناءً على فرض صحة التمسك بها.

أما لماذا لا يمكن التمسك بقاعدة لا ضرر لاثبات خيار التأخير؟

والجواب:- وذلك:-

أولاً:- إنَّ البائع يمكن أن يدفع ضرره من دون حاجةٍ إلى ثبوت خيار التأخير، وذلك بأن يأخذ المبيع الذي عنده - والذي انتقل بالبيع إلى ملك المشتري - مقاصّةً، فدفع الضرر ليس موقوفاً على الخيار حتى نقول إنَّ قاعدة لا ضرر تقتضي ثبوت الخيار، وإنما يمكن دفع الضرر من دون الحاجة إلى ثبوت الخيار وذلك من خلال أخذ المبيع مقاصَّة، أو من خلال فسخ المعاملة.

فإذاً هناك طريقات للتخص من الضرر، ومعه لا تصل النوبة إلى ثبوت الخيار.

ثانياً:- ولو سلَّمنا أنَّ قاعدة لا ضررر تقتضي ثبوت الخيار، ولكن نقول هي لا تقتضي ثبوته لمدَّة ثلاثة أيام، فإنَّ هذا لا تدل عليه.

ثالثاً:- لو سلّمنا أنها تدل على ثبوت الخيار ولكن نقول هي لا تدل على كون ثبوته ثبوتاً حقياً، إذ لعلّه ثبوته ثبوت حكمي، ومحل كلامنا هو كون الخيار حقٌّ للبائع، وقاعدة لا ضرر لا تفي بهذه المؤونة.

الحكم الرابع:- الظاهر عدم سقوط الخيار بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة.

فلو انتهت الثلاثة وطالب البائع المشتري بالثمن فقد يقال إنَّ نفس المطالبة بالثمن تدل على اسقاط الخيار، وذهب العلامة إلى عدم سقوطه حيث قال:- ( لو مضت ثلاثة ثم طالب البائع المشتري بالثمن بعدها فوعده به لم يسقط خيار البائع بالطلب لأنه حقٌّ ثبت شرعاً فلا يسقط إلا بوجهٍ شرعي )[4] .


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص234.
[2] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج11، ص71، ط جديدة.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص21، أبواب الخيار، ب9.
[4] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج11، ص74.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo