< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/10/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار السادس ( خيار الرؤية ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

قال السيد الماتن:- ( السادس:- خيار الرؤرية، ويتحقق فيما لو رأى شيئاً ثم اشتراه فوجده على خلاف ما رآه أو اشترى موصوفاً غير مشاهدٍ فوجده على خلاف الوصف فإن للمشتري الخيار بين الفسخ والامضاء).

..........................................................................................................

تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى خيار الررؤية أيضاً[1] ولكنه بيّنه بشكلٍ آخر حيث قال:- ( والمراد به الخيار المسبَّب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان ).

ولكن نقول:- إنَّ هذا ليس خيار الرؤية وإنما هو خيار تخلّف الشرط، فليس هذا هو التحديد الصحيح لخيار الرؤية بل لابد وأن نحدده بشكلٍ آخر.

وقبل أن نحدد ذلك الشكلٍ الآخر نسأل ونقول:- ماذا ينبغي أن يتوفر في تعريفنا لخيار الرؤية وما هي الأركان المعتبرة التي يلزم بيانها في تعريفه؟ والجواب:- يلزم في خيار الرؤية أمران وعلى ضوئهما ينبغي تحديد خيار الرؤية، الأمر الأول أن تؤخذ الرؤية بعين الاعتبار، والأمر الثاني أن لا يكون المأخوذ في التعريف شيئاً يرتبط بسائر الخيارات وإلا عاد التعريف إلى سائر الخيارات، وبعد أخذ هذين الأمرين سوف يأتي ما ذكره السيد الماتن من تعريف وهو أنَّ خيار الرؤية عبارة عن رؤية المبيع على خلاف ما شاهده أو رؤية المبيع على خلاف ما وصف، كما لو رأيت الدار قبل شرائها ولكن بعد شرائها رأيتها على خلاف ما رأيتها أولاً، وهذا ما أشار إليه السيد الماتن بقوله:- ( ويتحق فيما لو رأى شيئاً ثم اشتراه فوجده عل خلاف ما رآه )، أو أنَّ البائع وصفه لي كما لو وصف لي الدار فاشتريتها ولكن ظهرت خلاف الوصف فهنا يثبت خيار الرؤية، وهذا ما أشار إليه السيد الماتن بقوله:- ( أو اشترى موصوفاً غير مشاهدٍ فوجده على خلاف الوصف).

ولكن نقول:- إنَّ ما ذكره مقبولٌ ولكن لا ينبغي حصر مورد خيار الرؤية بذلك فإنَّ المدار هو على الركنين اللذين ذكرناهما، وعلى أساسهما ربما نحصل على مصاديق أخرى، من قبيل ما إذا فرض أني اشتريت أرضاً شاهدت نصفها ولكن بعد الشراء تبيّن لي أنَّ نصفها الآخر ليس كالنصف الأول، فهذا أيضاً مصداقٌ آخر من مصاديق خيار الرؤية والحال أنه ليس من أحد الاثنين اللذين ذكرهما السيد الماتن، ولعله توجد مصاديق أخرى أيضاً.

وما هي الأدلة على شرعية خيار الرؤية؟

والجواب:- ذكر الشيخ الأعظم(قده) ثلاثة وجوه[2] :-

الأول:- الاجماع.

الثاني:- قاعدة لا ضرر.

الثالث:- الروايات.

أما الاجماع فنقول:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) علّمنا صناعةً ذات وجهين، ففي بحثه الأصولي قال أنَّ الاجماع إنما يكون حجّة فيما إذا لم يكن مدركياً أو محتمل المدرك وإلا عادت القيمة إلى المدرك دون الاجماع، ولكنه في بحثه الفقهي عمل على خلاف ذلك حيث تمسك بالاجماع إلى جانب الأدلة الأخرى من القواعد والروايات، وفي موردنا تمسك بالاجماع إلى جنب قاعدة لا ضرر والروايات، والحال أنه إذا كانت توجد قاعدة لا ضرر أو الروايات فالاجماع هنا سوف يعود محتمل المدرك فلا تكون له قيمة، وهذه قضية فنّية ينبغي الالتفات إليها، نعم يمكن أن يذكر الاجماع إلى جنب الأدلة الصناعية الأخرى من باب المقوّي والداعم لها لا أن يجعله دليلاً برأسه، وعليه فالاجماع هنا لا يمكن التمسك به.

وأما قاعدة لا ضرر:- فإذا أردنا التمسك بها فلابد وأن نتسمك بها لا على رأي شيخ الشريعة الأصفهاني ولا على رأي الفاضل التوني، حيث اختار شيخ الشرعية في رسالته لا ضرر أنَّ لا ضرر هي بمعنى لا تضر حيث فسَّر النفي بالنهي وقد حصل قيل وقال في ذلك ونحن لسانا بصدد ذلك الآن، ولو فسَّرنا لا ضرر بالنهي فسوف لا نستفيد منها في مقامنا لاثبات خيار الرؤية، أما الفاضل التوني فقد فسّر لا ضرر بنفي الضرر غير المتدراك، فلا ضرر يعني لا ضرر غير متدراك في الاسلام، فنحن نستفيد أنَّ كل ضرر لابد وأن يكون متدارك، ونحن لا يهمنا أنَّ هذا التفسير صحيح أو لا ولكن نقول إنه على هذا التفسير أيضاً لا يمكن أن نستفيد من لا ضرر في موردنا، كما نقول إنَّ الاستفادة من لا ضرر في الفقه بناءً على هذين التفسيرين سوف يكون ضعيفاً، وإنما النافع هو التفسير الذي ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) وجماعة، وهو أن يكون المقصود هو الحكم الضرري، فإنَّ شأن الشارع هو نفي الأحكام لا نفي الموضوعات، فهو ينفي الحكم في حالة الضرر، وبناءً على هذا يمكن أن نستفيد من قاعدة لا ضرر في المقام.

إن قلت:- نحن لا يمكن أن نستفيد ذلك منها لأنَّ حديث لا ضرر هو حديث نفي لا حديث اثبات، فإذا أردنا استفادة ثبوت الخيار منها فحيث إنه شيءٌ مُثبتٌ فيلزم من أن نستفيد من لا ضرر ثبوت الخيار، وقد قلنا إنَّ لسان لا ضرر هو لسان نفيٍ لا لسان إثبات، فهي لا تثبت الخيار إذاً، نعم إذا أردت أن تنفي بها الخيار فهذا يصح، وعليه فلا يمكن التمسك بها لاثبات خيار الرؤية.

والجواب:- نحن لا نريد اثبات الخيار وإنما نريد أن ننفي لزوم المعاملة، نعم قد نعبّر في الفقه عن نفي اللزوم بالخيار ولكن واقع الحال هو أننا ننفي لزوم هذه المعالة التي فرض فيها أن المبيع تبين على خلاف رؤيته أو وصفه، فإذا كانت المعاملة لازمة فحينئذٍ يلزم الضرر، فنحن ننفي اللزوم بقاعدة لا ضرر ولكننا نسمّي نفي الزوم بالخيار، وعليه فهذا الاشكال لا يتسجَّل على التمسك بقاعدة لا ضرر.

نعم يرد إشكالان آخران[3] :-

الاشكال الأول:- إنَّ نفي الضرر لا يتوقف على نفي اللزوم، بل يوجد طريق آخر وهو اثبات الأرش، وحينئذٍ لا يمكن أن نستفيد من قاعدة لا ضرر ثبوت الخيار بل لعلَّ المقصود منها ثبوت الأرش فإنَّ نفي الضرر يتحقق بثبوت الأرش أيضاً؟!

الاشكال الثاني:- سلَّمنا أنَّ لا ضرر تنفي اللزوم - أي تثبت الخيار - ولكن نحن نريد الخيار الثابت بنحو كونه حقاً للمشتري الذي لازمه صحة الاسقاط، والحال أنَّ لا ضرر تلتئم مع اثبات الخيار بنحو كونه حكماً شرعياً وليس حقاً، فإذا كان حكماً شرعياً فحينئذٍ يكون ثابتاً ولا يسقط بالاسقاط؟!


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص245.
[2] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص245.
[3] ولعله بالتأمل توجد إشكالات أخرى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo