< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار السادس ( خيار الرؤية ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

وأما الروايات:- فالمهم منها الرواية الأولى:-

الرواية الأولى:- ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها [ فتّشها ][1] ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يُقِلْهُ، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- إنه لو قلّب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم [ لن ] يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية )[2] ، وسندها معتبر، وطريق الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب معتبر أيضاً وقد ذكره الشيخ في المشيخة، كما رواها الشيخ الصدوق عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج، وهذا الطريق الثاني معتبر أيضاً، كما أن طريق الصدوق الذي ذكره في المشيخة إلى ابن أبي عمير معتبر أيضاً، وهو:- ( أبوه ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما عن سعد بن عبد الله والحميري جميعاً عن أيوب بن نوح وإبراهيم بن هشام ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عبد الجبار جميعاً عن محمد بن أبي عمير، وجل هؤلاء ثقاة، ومع غضّ النظر عن وثاقتهم نقول إنَّ احتمال اجتماع أربعة على الكذب ضعيف بحساب الاحتمال.، وعليه فكلا الطريقين معتبر.

وقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) هذه الرواية وتمسك بها لاثبات خيار الرؤية من دون أن يتعرض إليها بإشكال، نعم كان له استدراكٌ عليها حيث قال:- لابد وأن نفترض لتصحيح البيع والشراء أنَّ القطعة التي لم يرها من الضيعة حينما اشتراها أنه قاسها على مثيلاتها من القطع الأخرى من الضيعة أو وصفها له البائع، فلابد أن نحملها على أحد هذين الاحتمالين حتى تصح المعاملة، والامام عليه السلام أثبت خيار الرؤية إذا دخل إليها المشتري ورأى أنها على خلاف الوصف، وإذا كان كذلك فحينئذٍ يثبت له خيار الرؤرية، والدلالة حينئذٍ تكون واضحة وليس فيها إشكال، قال:- ( لابد من حملها على صورةٍ يصح معها بيع الضيعة إما بوصف القطعة غير المرئية أو بدلالة ما رآه منها على ما لم يره )[3] ، فالشيخ تمم دلالتها على خيار الرؤية ولم يكن لديه إشكال من هذه الناحية.

ولكن قد يقال :- إنه يوجد احتمالان آخران في المقصود من هذه الرواية، ومعه تعود مجملة لا يصح التمسك بها:-

الاحتمال الأول:- ما يظهر من الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)، حيث ذكر أنه يمكن أن نقول إنَّ هذه القطعة حينما اشتريت لم توصف للمشتري ولم يَقِسْها على مثيلاتها حيث لم يذكر في الصحيحة أنه صنع ذلك، وعلى هذا الأساس يكون بيع هذه القطعة باطلاً. فإن قلت:- كيف يكون باطلاً والحال أنَّ الامام عليه السلام حكم له بخيار الرؤية وثبوت خيار الرؤية وأيّ خيارٍ آخر فرع صحة المعاملة؟ قلت:- إنَّ هذا الخيار ليس بالمعنى المصطلح - يعني بمعنى أنَّ له حق فسخ المعاملة أو عدم فسخها - حتى يكون ذلك دالاً على صحتها، وإنما المقصود الخيار بمعنىً آخر، وذلك بأن يكون المقصود هو أنه بعد بطلان هذه المعاملة فالمشتري بالخيار بين امضائها فتصير صحيحة بالامضاء الآن وبين أن يرفضها، فالمقصود أنَّ له الخيار بهذا المعنى، كما هو الحال في باب الفضولي أو المكره حيث يقال إنه بعد بطلان المعاملة فالمالك بالخيار وهذا معناه أنه إما أن يجيز المعاملة أو لا أنه يجيزها، والمعاملة سوف تصير صحيحةً بالاجارة لا أنها تكون صحيحة من البداية، بل معاملة الفضولي والمكره باطلة من البداية ولكنها تصير صحيحة بالاجازة، فإذاً المكره وهكذا الفضولي له الخيار في تصحيح المعاملة ولكن بهذا المعنى، والمقصود في هذه الرواية هو هذا المعنى، فنحن نحمل الخيار فيها على هذا المعنى، أي أنه مختارٌ بين تصحيحها بإمضائها واجازتها وبين العدم.

ونحن نستدك له حتى نتمم ما أراده فنقول:- إنَّ الذي اشتراها ولم يرها لابد وأن نفترض أنه حينما يريد أن يجيز البيع أنه قد رآها قبل الاجازة أو يقيسها على مثيلاتها حتى يقع البيع صحيحاً وإلا عادت المشكلة، لأنَّ البيع سوف يصير مجهولاً، وبيع المجهول باطلاً وإمضاء المجهول لا ينفع شيئاً. ولعله لم يذكر ذلك لوضوحه.

الاحتمال الثاني:- أن يقال إنَّ الامام عليه السلام حينما قال:- ( ثم بقي منها قطعة لم يرها ) فالمقصود ليس أنه لم يفحص عنها، وإنما المقصود أنه حينما استلم الضيعة فكلّما فحص فيها لم يعثر على تلك القطعة منها وكانت مفقودة، فـتعبير ( لم يرها ) بمعنى أنها لا وجود لها، فيثبت له خيار تبعّض الصفقة الثابت عند الرؤية، فالمشتري حينما فحص الضيعة ولم يرَ تلك القطعة منها كان له خيار تبعّض الصفقة الثابت بسبب عدم الرؤية، فمعنى خيار الرؤية هنا يعني تبعّض الصفقة الثابت بسبب عدم العثور على تلك القطعة، وبناءً على هذا تكون الرواية أجنبية عن المقام أيضاً.

وكان المناسب للشيخ الأعظم(قده) التعرض إلى هذه الاحتمالات الأخرى.

وعلى أيّ حال مادامت هذه الاحتمالات موجودة فسوف يصير التمسك بهذه الصحيحة لاثبات خيار الرؤية بالمعنى الفقهي المصطلح مشكلاً.


[1] هذا ما ورد في الفقيه.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص28، أبواب الخيار، ب15، ح1، ط آل البيت.
[3] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص245.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo