< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار السادس ( خيار الرؤية ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

وهل يوجد دليل آخر لاثبات خيار الرؤية غير الأدلة الثلاثة التي أشار إليها الشيخ الأعظم؟

والجواب:- ذكر صاحب الحدائق(قده) روايةً حاول أن يستفيد منها شرعية خيار الرؤية، وهي صحيحة زيد الشحّام، وحيث يوجد فيها شيء من الاجمال والغموض حاول أن يتمسك بروايةٍ أخرى وهي رواية منهال القصّاب ليتضح من خلالها مضمون صحيحة زيد الشحّام كي يتمسك بها بعد ضمّ التوضيح إليها.

فصاحب الحدائق(قده) ذكر رواية جميل السابقة ولكن اضافةً إليها ذكر صحيحة زيد الشحام، ونص صحيحة زيد الشحام أنه قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم، فقال:- لا تشتر شيئاً حتى تعلم أين يخرج السهم فإن اشترى شيئاً فهو بالخيار إذا خرج )[1] ، وهي كما ترى فإنه يوجد غموضٌ في المقصود منها ولذلك هو تمسك برواية منهال القصّاب كي يتضح من خلالها المقصود من صحيحة زيد الشحام، قال:- ( وتوضيح معنى هذا الخبر ما رواه الشيخان[2] المذكوران في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصّاب قال:- " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم تدخل داراً ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحداً واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة ثم يخرج السهم، قال:- لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عدّلت القسمة " )[3] ، ومنهال القصاب لا يوجد في حقه توثيق ولكن هذا ليس بمهم لأننا نريد من هذه الرواية توضيح المراد من صحيحة زيد الشحّام، والمقصود من هذه الرواية أنه يظهر منها أنَّ القصابين كانوا يشترون مجموعة من الغنم كخمسين رأساً مثلاً فتوضع في مخزنٍ ثم يقف شخص عند باب هذا المخزن ويأمر باخراج خمسة من هذه الشياه مثلاً ثم ينادي أحد هؤلاء القصّابين ويقول له هذا سهمك، وهنا قد تظهر الغنم كباراً أو صغاراً أو صغاراً وكباراً معاً، والظاهر أنَّ هذه طريقة كانت مألوفة بينهم، فهنا قال الامام عليه السلام ( لا يصلح هذا إنما تصلح السهام إذا عُدّلت القسمة ) يعني أن يأتي عارف يعدّل السهام بحيث تصير متساوية لا أنَّ حصةً منها كلّها صغيرة والحصّة الأخرى كلها كبيرة وإنما لابد وأن يُعدِّل القسمة ثم بعد تعديلها يوزّع السهام عليهم.

وصاحب الحدائق استشهد على توضيح معنى الرواية الأولى وبالتالي تمسك برواية زيد الشحّام بعد أن فسّرها برواية منهال القصّاب فجعل رواية زيد الشحام من الروايات الدالة على خيار الرؤية.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى ما ذكرناه في المكاسب بصورةٍ مختصرة وأشكل على صاحب الحدائق وقال:- تارةً يفترض أنَّ السهم يخرج على الحصة المشاعة غير المعينة، وأخرى يفترض أنه يخرج على السهم الذي هو في الواقع من دون تعيّنٍ له في الخارج، فإن كان الأول فيمكن أن يقال إنَّ خيار الرؤية لا يقع على المشاع، وإن كان الثاني فهذا باطلٌ في حدّ نفسه لأنه ليس بمعيّن وكيف يمكن الاعتماد على شيء غير معيّن[4] ؟!!

وفي مقام التعليق على كلامي الشيخ الأعظم وصاحب الحدائق نقول:- من قال إنَّ صحيحة زيد الشحّام ناظرة إلى خيار الرؤية؟!! فإنه لا توجد إشارة إلى ذلك من قربٍ ولا من بعد حتى تحمل على خيار الرؤية، ولا أقل من الشك في ذلك، نعم يحتمل ذلك ولكن هذا لا ينفع، فالرواية إذاً مجملة من ناحية خيار الرؤية، بل هي تدل على أنَّ المشتري بالخيار بين أن يقبل وبين أن يرفض أما بأيّ خيارٍ فهذا ليس مبيّناً في الصحيحة، وعليه فلا يمكن التمسك بها.

فإذاً كان من المناسب لصاحب الحدائق أن يبيّن كيفية دلالتها على خيار الرؤية، هذا أوّلاً.

وثانياً:- كما أنه يرد على الشيخ الأعظم أنَّ قولك بأنَّ المشاع لا يقع عليه خيار الرؤية هو أنه مجرّد دعوى لا مثبت لها.

فإذاً الاشكال على صاحب الحدائق من جهةٍ واحدةٍ وهو من ناحية أنه لا مثبت لكون المقصود في الصحيحة هو خيار الرؤية، أما الشيخ الأعظم فالاشكال عليه من جهتين، من جهة أنه لا مثبت لما ادّعاه، ومن جهة أنه ادّعى أنَّ خيار الرؤية لا يقع على الحصَّة المشاعة وهذا يحتاج إلى اثبات، نعم على غير المعين كأنه من بديهيات الفقه أنَّ البيع لا يقع عليه وأنه باطل، أما أنَّ خيار الرؤية لا يقع على المشاع فهذا أوّل الكلام وأنه يحتاج إلى اثبات.

ومن خلال كل ما ذكرنا اتضح أنه لم يسلم لدينا حتى الآن دليل على ثبوت خيار الرؤية لا الاجماع لاحتمال مدركيته، ولا قاعدة لا ضرر بما أشكلنا به عليها، ولا لما أشار إليه من الرواية لمناقشتنا فيها، كما أنَّ صحيحة زيد الشحّام لا تصلح دليلاً أيضاً.

والأجدر التمسك بفكرة الشرط الضمني وذلك بان يقال:- إنَّ مورد خيار الرؤية على ما تقدم هو إما شراء شيءٍ موصوفاً ثم يتبيّن بعد الرؤية أنه على خلاف الوصف، أو يفترض أنَّ المشتري يرى قسماً من شيءٍ ويقيس الباقي منه عليه، فإن اشتري الشيء موصوفاً فهناك شرط ضمني لا يذكر لوضوحه وهو أني اشتري منك هذا الشيء إذا كانت هذه الشروط صادقة وإلا فلي الخيار في الفسخ، فيوجد اشتراط ضمني على لزوم توفر هذه الشروط وإذا لم تكن موجودة فلي الخيار، وأما إذا اشتري الشيء من خلال رؤية نصفه وقياس النصف الآخر على النصف المرئي فهنا يوجد اشتراط ضمني وهو أني اشتري منك المجموع شريطة أن يكون القسم الثاني مشابها للقسم الذي رأيته وإلا فلي الخيار.

فإذاً من خلال فكرة الشرط الضمني نصل إلى خيار الرؤية من دون حاجة إلى الطرق التي ذكرت والتي كانت قابلة للمناقشة، نعم حينما نتمسك بفكرة الشرط الضمني نحتاج إلى ضم كبرى ونحن قد نغفل عنها لوضوحها وهي قاعدة ( المؤمنون عند شورطهم ).


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج18، ص29، أبواب الخيار، ب15، ح2، ط آل البيت، .
[2] الكليني والطوسي.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص356، ابواب عقد البيع وشروطه، ب12، ح8، ط آل البيت.
[4] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص246.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo