< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 149 ) مسقطات خيار الرؤية - الخيار السادس ( خيار الرؤية ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

 

وأما المسقط الأول من مسقطات خيار الرؤية:- وهو اسقاطه بعد الرؤية ففي مثل هذه الحالة لا إشكال في سقوط الخيار بذلك، وإنما الكلام في التوجيه الفني له،.

ويمكن الاستدلال له بمقدمتين:-

المقدمة الأولى:- إن خيار الرؤية هو حق للمشتري.

المقدمة الثانية:- كلّ حقَّ ٍ هو قابل للاسقاط.

أما المقدمة الثانية:- وهي أن كل حق قابل للاسقاط فذلك باعتبار أنَّ القابلية للاسقاط هي لازم ذاتي للحق، لأنَّ الفرق بين الحق والحكم هو أنَّ الحق هو ما يقبل الاسقاط، والحكم لا يقبل الاسقاط.

وأما المقدمة الثانية:- وهي أنَّ خيار الرؤية حق، فقد يتمسك له بصحيحة جميل المتقدمة حيث ورد فيها تعبير ( لكان له في ذلك خيار الرؤية ) فنتمسك بكلمة ( له )، فإنَّ اللام في كلمة ( له ) يستفاد منها الحقّية، فإنه في موارد الحق يعبّر باللام فيقال ( لك أن تجلس في هذا المكان ) يعني من حقك أن تجلس فيه ومن حقك أن لا تجلس فيه، أو يقال ( لك أن تأخذ من هذا المال ) يعني يحق لك أن تأخذ منه أو لا تأخذ، فهنا الامام عليه السلام حينما قال ( له في ذلك خيار الرؤية ) يستفاد منه الحقّية.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ الاعتماد على هذا بضرسٍ قاطع لا يخلو من تأمل، فحتى إذا لم يكن الخيار حقاً فقد يعبّر هنا باللام، لأنَّ الرواية ليست بصدد كون هذا حقاً أو حكماً شرعيا ًوإنما تريد أن تقول إنَّ هذا ثابت له بغض النظر عن كونه حقاً أو حكماً، فالجزم بدلالة اللام على الحقّية شيء مشكل وتحميلٌ للألفاظ فوق طاقتها.

والأجدر التمسك لاثبات الحقّية بما أشرنا إليه في مستند خيار الرؤية:- حيث قلنا حينما يصف البائع المبيع للمشتري فيشتريه المشتري على أساس ذلك الوصف فهنا يوجد شرط ضمني بينهما لا يصرَّح به لوضوحه ولكنه ثابت ارتكازاً، فالمشتري بانٍ على أنه يشتري هذا الشيء ولكن إذا لم يكن مطابقاً للأوصاف فله الخيار في ذلك وذلك بأن يُعمِله أو لا يُعمِله، فالاشتراط متعلّق بثبوت الخيار في الفسخ بنحو الحقّية، بمعنى أنه يتمكن من اعماله ومن عدم اعماله ومن اسقاطه، وهذا كلّه داخل تحت الاشتراط الضمني، وهذا الأمر الارتكازي موجودٌ وواقع الحال هو كذلك، فكون خيار الرؤية حقاً هو أمرٌ ثابتٌ بنفس مدرك خيار الرؤية، ولكن هذا يتم بناءً على ما ذهبنا إليه من كون مدرك خيار الرؤرية هو الاشتراط الضمني.

وأما المسقط الثاني له وهو اسقاطه قبل الرؤية:- فتوجد مشكلة في هذا المسقط، وهي أنه كيف يمكن اسقاط ما لم يجب - أي ما لم يثبت -؟، وهذه المشكلة لا تأتي في المسقط الأول، لأنَّ الاسقاط فيه يكون بعد الرؤية فالخيار ثبات بعد الرؤية، أما في هذا المسقط فالاسقاط فيه يكون قبل الرؤية، وكيف يمكن اسقاط الشيء قبل ثبوته؟!!، هذه شبهة تحتاج إلى دفع.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى ذلك وربط المسألة بقضية الكاشفية والسببية:- يعني قلنا إنَّ رؤية المبيع على الخلاف هي سبب لثبوت الخيار - يعني يثبت الخيار من حين الرؤية على الخلاف - فحينئذٍ يشكل اسقاط الخيار قبل الرؤية لأنَّ ذلك يكون اسقاطاً قبل ثبوته، وأما إذا قلنا هي كاشف عن ثبوت الخيار من البداية وليس من حين الرؤية فهذا معناه أنَّ الخيار ثبات من حين العقد غاية الأمر أنَّ الرؤية على الخلاف تكشف عن شيءٍ ثابتٍ، فبناء على ذلك يمكن اسقاط الخيار قبل الرؤية، لأنَّ الخيار ثابت والرؤية كاشفة عنه، قال:- ( وفي جواز اسقاطه قبل الرؤية مبنيان على أن الرؤية سببٌ أو كاشف ... )[1] .

وفي هذا المجال نقول:- لابد من ملاحظة مستند خيار الرؤية، فتارةً نبني على أنه وليد فكرة الشرط الضمني، وأخرى نبني على أنه وليد صحيحة جميل، وثالثة نبني على أنه وليد قاعدة لا ضرر.

أما بناءً على فكرة الشرط الضمني:- فلا محذور في اسقاطه الخيار، وباسقاطه للخيار قبل الرؤية يفهم أنه قد تنازل عن الشرط الضمني ورفع يده عنه ويعود العقد من دون شرط ضمني، وهذا شيء معقول وصحيح ولا محذور فيه.

وأما بناءً على كون المدرك لخيار الرؤية هو صحيحة جميل حيث قال عليه السلام ( لكان له في ذلك خيار الرؤية ) فهنا رب قائل يقول:- إنَّ مقتضى اطلاق كلام الامام عليه السلام أنَّ الأمر بعد الرؤية إذا لم يكن موافقاً لما وصف به فله خيار الرؤية ومقتضى الاطلاق أنه أسقطه أو لم يسقطه، وتصير النتيجة هي أنه مادام المدرك هو صحيحة جميل فالخيار يبقى حتى لو اسقطه قبل الرؤرية، نعم بعد الرؤية قلنا يسقط لأنَّ ذاك من باب كونه حقاً والحق هنا ثابت فيسقطه ولا مشكلة حينئذٍ، أما قبل الرؤية فالحق ليس بموجود فكيف يصير اسقاطاً؟!!، فبناءً على كون المدرك هو صحيحة جميل يتمسك بالاطلاق، فكيف الجواب؟

والجواب:- إنَّ هذا الاطلاق مندفعٌ من خلال المقدمة التي أضفناها في باب الاطلاق إلى مقدمات الحكمة، وهي ( إنما ينعقد الاطلاق فيما إذا استهجن الاطلاق على تقدير ارادة المقيد واقعاً وأما إذا لم يستهجن ارادة المقيد واقعاً حين اطلاق الكلام فلا ينعقد الاطلاق )، وهذه المقدمة يمكن الاستفادة منها في موارد متعددة منها ما ذكرناه في باب رؤية الهلال وأنه هل تكفي الرؤية بالعين المسلحة أو لا؟، وقد تمسك جماعة من رواد كفاية الرؤية بالعين المسلحة حيث تمسكوا بالاطلاق حيث قالوا إنَّ الروايات قالت ( صم للرؤية وافطر للرؤية ) وفإذا رؤيي الهلال بالعين المسلحة صدق أنَّ الصوم للرؤية أو الافطار للرؤية، ونحن هناك علقنا وقلنا إنَّ الاطلاق لا يمكن التمسك به بل لا ينعقد أصلاً، لأنه في ذلك الزمان لم تكن فيه الرؤية بالعين المسلحة متعارفة أو كانت موجودةً ولكن بشكلٍ نادر، فإذا فرض أنَّ الرؤية بالعين المسلحة لم تكن معهودة فالامام عليه السلام لو اطلق كلامه وقال ( صم للرؤية وافطر للرؤية ) وكان يقصد العين المجرّدة لم يستهجن منه ذلك ولا يقال له لماذا لم تقيد، بل إذا قيَّدَ فسوف يكون ذلك مستهجناً لأنَّ العين المسلحة ليست متعارفة، فإذا قبلنا بهذه الكبرى نأتي إلى مقامنا ونقول إنه بناءً على هذه المقدّمة في مقامنا سوف لا ينعقد الاطلاق فيما إذا فرض أنَّ المشتري اسقط الخيار قبل الرؤية على الخلاف، ففي مثل هذه الحالة هل يكون هذا الاطلاق من الامام عليه السلام مستهجناً إذا كان المقصود أنَّ له الخيار حالة عدم الاسقاط وأما حالة الاسقاط قبل الرؤية فلا يثبت فيها هذا الحكم؟ يمكن أن يقال إنَّ هذا الاطلاق ليس بمستهجناً، فإذا لم يكن مستهجناً بعد فرض أنه قد أسقط الشرط فحينئذٍ هذا الاطلاق سوف لا ينعقد حتى نتمسك به، والذي نريد أن نقوله:- هو أنه بناءً على اضافة هذه المقدّمة لا يوجد اطلاقٌ من الأساس، إذ لا يستهجن عرفاً من المتكلّم مثل هذا الاطلاق إذا أسقط المشتري الخيار عن نفسه قبل الرؤية، فهذا الاطلاق لا محذور فيه، فإذاً لا يوجد اطلاق في الصحيحة حتى نتمسّك به ونقول إنَّ مقتضاه ثبوت الخيار حتى لو اسقطه المشتري قبل الرؤية.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، تسلسل5، ص258.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo