< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الخيار السابع ( خيار العيب ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

الحكم الثاني:- إذا أحدث المشتري حدثاً في المبيع فليس له الرد وإنما له الأرش فقط.

والمستند في ذلك كما عرفنا هو معتبرة زرارة، فإنها كان لها منطوق ومفهوم، وبمنطوقها دلت على هذا الحكم وهو ثبوت الأرش لأنها قالت:- ( أيما رجل اشتر شيئاً وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبين له فأحدث فيه بعدما قبضه شيئاً ... يمضي عليه البيع ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به )، فهي دلت بمنطوقها على مطلوبنا وأنه في صورة احداث الحدث من قبل المشتري يثبت للمشتري الأرش آنذاك، وبمفهومها استفدنا منها اثبات الحكم الأول وهو جواز الرد عند عدم احداث الحدث.

هذا ولكن المشهور لم يفصّل هذا التفصيل وإنما ذهب إلى التخيير بين الأرش والرد من دون تفصيل بين ما إذا أحدث حدثاً فيتعين عليه الأرش وبين ما إذا لم يحدث حدثاً فيثبت له الرد، فالمشهور لم يتعاملوا مع الروايات كما أفدنا وإنما ذهبوا إلى التخيير وادّعوا الاجماع على ذلك، ويساعدهم عليه الفقه الرضوي لأنه كان يوجد فيه التخيير بين الردّ والأرش ولم يفصّل بين ما إذا أحدث المشتري حدثاً في المبيع فيثبت الأرش وبين ما إذا لم يحدث فيه حدثاً فيثبت الرد وإنما اطلق.

ونذكر هنا قضية جانبية:- وهي أنه من هذا نعرف وجود منهجين في الفقه، منهج تسامحي ولكنه تسامحي في دائرة ضيقة، لأننا إذا أردنا أن نمشي على وفق النصوص المعتبرة فقط ولا نعير أهمية للاجماعات المدّعاة والنصوص الضعيفة فحينئذٍ يكون الحكم هو التخيير، أما إذا أخذنا بالروايات الصحيحة فقط فهذا منهج تدقيقي وتكون نتيجته كما أفتى السيد الماتن وهي أنه إن أحدث لامشتري في المبيع حدثاً فلا ردَّ وإنما يثبت له الأرش وإن لم يحدث يه حدثاً فله الردّ دون الأرش، والمستند هو معتبرة زرارة، وأما التخيير فمستنده الفقه الرضوي والاجماعات المدّعاة.

فإذاً هناك منهجان في الفقه منهج تسامحي في حدودٍ معينة، يعني هو يقبل مثل الاجماعات المدّعاة وروايات الفقه الرضوي وما شاكل ذلك، ومنهجٌ تدقيقي إذ لابد وأن تكون الرواية معتبرة وكون الاجماع ثابتاً بضرسٍ قاطع ولا نعرف له مستنداً حتى يؤخذ به، والشيخ الأعظم(قده) في المكاسب عملاً هو من رواد المنهج التسامحي، فإنه يعتمد على الشهرة والاجماعات المدّعاة وبعض النصوص الضعيفة كالفقه الرضوي، فإنه قال:- ( وأما الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدل على التخيير بينه وبين الرد بل ما دل على الأرش يختص بصورة التصرف المانع من الردّ ... والجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الاجماع على التخيير بين الردّ والأرش )، وهذا معناه أنه ترك الاعتماد على ظاهر النصوص وأخذ بالاجماعات المدّعاة في هذا المجال.

ونحن لسنا بصدد كون منهج الشيخ الأعظم(قده) هو الصحيح أو لا وإنما أردنا لفت النظر إلى وجود هذين المنهجين في الفقه، ولعل المنهج التسامحي هو المشهور، أما المنهج التدقيقي فمن وراده السيد الخوئي(قده)، ولذلك تراه فصّل في متن المنهاج وقال إنَّ الأرش يثبت في حالة احداث الحدث في المبيع من قبل المشتري وأما في حالة عدم احداثه الحدث فيه فيثبت الرد، بينما المشهور حكموا بالتخيير بشكلٍ مطلق.

ولكن هذا لا يعني أنا لا نعير أهميةً للاجماعات والشهرات، وإنما نعطيها شيئاً من الأهمية، وهي أننا نحتاط في الموارد التي يمكن فيها الاحتياط، أما موردنا فلا معنى لأن نقول بالاحيتاط بالتخيير بين الردّ والأرش، وإنما في الموارد التي يمكن أن نحتاط فيها وفقاً للاجماعات المدّعاة أو الشهرة فحينئذٍ نحتاط، وهذا نوعٌ من اعطاء جزءٍ من القيمة للاجماعات أو الشهرات ولكن على مستوى الاحتياط لا على مستوى الفتوى.

الحكم الثالث:- ما ذكرناه في المثمن يأتي في الثمن أيضاً.

فمثلاً قلنا في المبيع أنه إذا ظهر فيه عيب ولم يحصل تصرف فالثابت هو الردّ ولا يجوز للبائع إلزام المشتري بالأرش، وإذا فرض أنَّ المشتري قد أحدث حدثاً في المبيع فالثاببت هو الأرش دون الردّ والمستند هو معتبرة زرارة حيث فصّلت هذا التفصيل، وهنا نقول إنَّ هذا التفصل يمكن نقله إلى الثمن كما ذهب إليه المشهور، فنقول إذا فرض أنَّ الثمن ظهر فيه عيبٌ فمع عدم احداث الحدث فيه من قبل البائع فللبائع الردّ، وأما إذا فرض أنه أحدث فيه حدثاً فينتقل إلى الأرش، فنحن نعمّم الحكم بالتخيير إلى الثمن والحال أنه لا توجد رواية تدل على التعميم، وعليه فكيف نتعدّى إلى هذا وكيف تعدى السيد الماتن إليه؟ الجواب:- صحيحٌ أنَّ معتبرة زرارة موردها حيمنا قالت:- ( إن لم يحدث حدثاً وظهر العيب فالرد وإن أحدث فالأرش ) هو المبيع ولكن مع ذلك نتعدّى إلى الثمن لالغاء الخصوصية عرفاً، فإنَّ العرف لا يرى خصوصيةً للمبيع وأنه إذا لم يحدث فيه المشتري حدثاً وظهر فيه عيب فالحكم هو الرد، وعليه فحينئذٍ يوجد استظهار عرفي فنتمكن أن نقول لا خصوصية للمثمن من هذه الناحية فيعم الحكم الثمن أيضاً، فنحكم في الثمن أنه إذا ظهر فيه عيب مع احداث الحدث أنه يثبت فيه الرد أما مع احداث الحدث فيثبت الأرش.

فإذاً ما ذكره المشهور في هذا المجال رغم أنه لا توجد رواية تدل عليه ولكن مع ذلك يتعدّى إلى الثمن، ونفس التفصيل الذي ذكر في المثمن ينقل إلى الثمن من ناحية عدم احتمال الخصوصية للمبيع، فيتعدى إلى الثمن للجزم بعدم الخصوصية، وأما إذا لم يجزم فقيه بإلغاء الخصوصية فيقصتر في هذا الحكم على المثمن، نعم إذا ظهر عيب في الثمن يجوز ردّ هذا الثمن ويطلب تبديله بثمنٍ آخر، ولماذا؟ ذلك للشرط الضمني، فإنَّ الشرط الضمني ليس ثابتاً فقط في صالح البائع وأنه إذا ظهر في المبيع عيب إذا كان المبيع عيناً شخصية فله الرد وإنما هو ثابت أيضاً في جانب الثمن إذا كان الثمن عيناً شخصية فإذا ظهر فيه عيب فهناك شرط ضمني وأنه يجوز للبائع الفسخ، وهذا شيء مقبول، أما الأرش فلا يثبت، لأنَّ الشرط الضمني ليس موجوداً في الأرش ولا في المبيع وإنما ثبت الأرش فقط في المبيع إذا ظهر فيه عيبٌ مع احداث الحدث وأما من دونه فيثبت الرد، فعلى هذا الأساس نتعدّى من المبيع إلى الثمن ونحكم بأنه مع ظهور العيب يثبت الرد في صالح البائع، وأما بالنسبة إلى الأرش فقد يقال نحن نحتمل الخصوصية له، أما إذا فرض أنَّ الأرش لا خصوصية له بلحاظ المبيع فهذا شيء وجيه أيضاً فنتعدى به إلى الثمن أيضاً، ولكن هناك شيء لا يمكن التعدّي به إلى الثمن إذا ظهر به عيب، وهو التخيير بين الرد والأرش، والوجه في ذلك هو أنَّ التخيير يستند إلى رواية الفقه الرضوي والمفروض أنها خاصة بالمبيع فالتخيير بين الرد والأرش يشكل تسريته إلى الثمن.

فإذاً يبقى التخيير إن قبلناه لأجل رواية الفقه الرضوي فنحن نقبله فقط وفقط فيما إذا ظهر العيب في المبيع، لأن رواية الفقه الرضوي مختصه به، وأما في الثمن فلا نقول فيه بالتخيير، نعم نقول بالردّ في الثمن إذا ظهر فيه عيب لفكرة الاشتراط الضمني لأنها ليست خاصة بالمبيع، ونقول أيضاً بالأرش لمعتبرة زرارة فإنها وإن كانت واردة في المبيع ولكن يوجد مجالٌ لالغاء خصوصية المبيع، وأما التخيير لو قلنا به في حالة ظهور العيب في المبيع استناداً إلى رواية الفقه الرضوي فذلك خاصٌّ بالمبيع لأنَّ رواية الفقه الرضوي خاصة بالمبيع، فالتعدّي إلى التخيير بلحاظ الثمن مشكل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo