< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 151 ) مسقطات خيار العيب - الخيار السابع ( خيار العيب ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

مسألة ( 151 ):- يسقط هذا الخيار بالالتزام بالعقد بمعنى اختيار عدم الفسخ، ومنه التصرف في المعيب تصرفاً يدل على اختيار عدم الفسخ.

..........................................................................................................

تشتمل المسأل على حكمين:-

الحكم الأول:- يسقط خيار العيب باسقاطه والتنازل عنه.

الحكم الثاني:- يسقط خيار العيب أيضاً بالتصرف في المبيع إذا فرض كون التصرف دالاً على الرضا بالبيع اسقاط الخيار.

وقبل الخوض في الحكمين نذكر قضية لفظية:- وهي أنا نرى وجود تطويلٍ في المسألة، وكان يمكن أن يختصرها السيد الماتن فيقول:- ( يسقط هذا الخيار باسقاطه )، فإن هذه العبارة تكفي من دون حاجة إلى ذكر عبارة:- ( بالالتزام بالعقد بمعنى اختيار عدم الفسخ )، هذا بالنسبة إلى الحكم الأول.

وكذلك الحكم الثاني، حيث يمكن أن نختصر العبارة فنقول:- ( ومنه التصرف الدال على اسقاطه )، ولا حاجة إلى ذكر عبارة:- ( منه التصرف في المعيب تصرفاً يدل على اختيار عدم الفسخ ).

وقد يتصور ويقال:- إنه بالتصرف في المبيع يسقط خيار الفسخ ويتعين بذلك الأرش، فالتعبير الوارد في المتن قد يوحي بأنَّ المشتري بالخيار بين الأمرين الفسخ والأرش ولكن إذا تصرف فسوف يسقط الفسخ ويتعين الأرش، والحال أنَّ هذا مبني على رأي بعضٍ وهو أنه في باب خيار العيب يكون المشتري مخيراً بين الفسخ والأرش، والحال أنه قد تقدّم منّا أنَّ مورد الفسخ يغاير مورد الأرش، فإنَّ الفسخ ثابتٌ فيما إذا لم يكن هناك تصرف في المبيع فإنَّ هذا مورد للفسخ فقط دون الأرش، وأما إذا حصل التصرف فثبت الأرش ولا مجال للفسخ حيث دلت معتبرة زرارة على ذلك، فإنَّ الوارد فيها:- ( أيما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار فأحدث فيه بعدما قبضه شيئاً ثم علم بذلك العوار أنه يمضي عليه البيع ويردّ عليه بقدر ما نقص ).

فإذاً مورد الفسخ يغاير مورد الأرش، لا أنَّ البائع أو المشتري مخيّر بين الأمرين ولكن بالتصرف يتعين الثاني - وهو الأرش - بل من البداية مجال الأرش يكون فيما إذا فرض التصرف في المبيع، ومجال الفسخ هو فيما إذا فرض عدم حصول تصرفٍ في المبيع، فينبغي الالتفات إلى هذا، وهذه قضية فنية.

فالسيد الماتن حينما قال:- ( يسقط هذا الخيار بالالتزام ... ) ليس المقصود أنه يوجد تخيير بين الفسخ والأرش، وإنما المقصود هو أنَّ مجال الفسخ هو في حالة عدم التصرّف وأما مجال الأرش فهو في حالة حصول التصرف، ولكن قد تكون بعض التعابير موهمة ولكنها على رأي القدماء أو على رأي البعض، أما على رأي السيد الماتن فلكل واحدٍ منهما في مجاله الخاص وليس من باب ثبوت التخيير أولاً ثم يتعين أحد الفردين بالتصرف. هذا تصحيح ما يمكن أن يقع فيه الاشتباه.

والقضية المهمة:- هي أنَّ السيد الماتن قال:- ( يسقط هذا الخيار بالالتزام ... )، والسؤال:- ما هو الدليل على أنَّ الخيار المذكور يسقط باسقاطه؟

قد يجاب عن ذلك ويقال:- ذلك لأنه حقٌّ، ولازم الحقّية السقوط بالاسقاط وإلا لم يكن حقاً بل كان حكماً فيلزم خلف الفرض.

ولكن نقول:- إنَّ هذا استبدالٌ بنفس المتنازع فيه، فإنه لم يثبت بَعدُ كون خيار العيب هو حقٌّ، فإنه لا يوجد دليل على ذلك من آيةٍ أو رواية.

ولكن يمكن أن يقال في اثبات كونه حقاً:- إنَّ المرتكز في أذهان الفقهاء هو كونه حقاً قابلاً للاسقاط وليس حكماً شرعياً، والظاهر أنَّ هذا لا يشكك فيه أحد ، فإذا سلّمنا بأن هذا هو المرتكز في أذهان الفقهاء فنقول من أين جاء هذا الارتكاز فإنَّ حدوث المعلول من دون علّة شيء باطل، وهذا الارتكاز ليس شيئاً جديداً حدث في زماننا وإنما هو موجود سابقاً ولم يذكر فقيه تشكيكاً في ذلك، فإذاً هذا الارتكاز متوارث بين الفقهاء وهم قد تلقوا أجواءً واضحةً في هذا المجال، ومادام هو ارتكاز متواث فيثبت أنه قد حصل من أجواء واضحة في زمن المعصوم عليه السلام والفقهاء قد تلقوا هذا الوضوح من جوّ المعصوم عليه السلام. وهذا طريق لاثبات بعض الأمور التي هي واضحة في أذهان الفقهاء.

وحيث إنَّ هذا الارتكاز ليس شيئاً جديداً في عصرنا بل هو ثابت على مر الزمن السابق والسابق على السابق ... وهكذا فيثبت أنه متوارث يداً بيد إلى عصر المعصوم عليه السلام، وذلك الارتكاز في عصر المعصوم لابد وأنه تلقي من المعصوم عليه السلام بشكلٍ واضح، فإنَّ بعض الأمور الواضحة لا تذكر في الكتابة وإنما هي واضحة ونحن نتلقاها بشكلٍ واضح، فإذا ثبت أنَّ خيار العيب هو حقٌّ بهذا الطريق فلازم الحقّية جواز الاسقاط.

وقد يشكل باشكال على سقوط الخيار وتعيّن الأرش فيقال:- إنَّ للشيخ الأعظم(قده) عبارة في المكاسب قال فيها:- ( يسقط الردّ خاصةً بأمور أحدها التصريح بالتزام العقد واسقاط الردّ واختيار الأرش )[1] ، فهو ذكر أنَّ الفسخ يسقط بالاسقاط وبذلك يتعين الأرش.

وأشكل الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) عليه وقال:- إنَّ هذا يتم فيما إذا قلنا بوجود حقيّن في باب خيار العيب حقٌ في الفسخ وحقٌّ في الأرش، فإذا بنينا على هذا فبإسقاط حق الفسخ يتعين حق الأرش، بيد أنَّ احتمال وجود حقين باطل، فإنَّ لازمه جواز اعمالهما معاً بنحو الجمع وهذا لا يلتزم به فقيه، بل إما أن يثبت الردّ أو يثبت الأرش أما ثبوت الاثنين معاً فلا، وإذا قلنا إنَّ الثابت هو حقٌّ واحد لا حقان فيمكن أن يقال إنَّ هذا باطل أيضاً، وذلك لأنّ لازم هذا الاحتمال أنه لو أسقط أحدهما يلزم سقوط الثاني، لأنَّ الحق واحدٌ فإما أن يبقى وإما أن يزول، فإذا كان الحق واحداً وأسقطت الفسخ فيلزم أن يسقط الأرش أيضاً لأنَّ الحق واحد - المنشأ واحد - فعلى هذا الأساس باسقاط أحدهما يلزم سقوط الآخر، وهذا لا يلتزم به فقيهٌ أيضاً.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص279.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo