< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

43/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- موارد جواز طلب الأرش - الخيار السابع ( خيار العيب ) – الفصل الرابع ( الخيارات).

ذكرنا أنَّ السيد الحكيم(قده) ذكر مورداً من موارد جواز طلب الأرش إذا اسقط المشتري خيار العيب، ولكن السيد الخوئي(قده) حذف هذا المسقط ولم يعدّه من المسقطات، وقلنا:- لماذا حذف السيد الخوئي هذا المسقط؟

والجواب:- إنَّ السيد الحكيم(قده) يبني على أنَّ الخيار والأرش ثابتان في عرضٍ واحدٍ كما دلت عليه عبارة الفقه الرضوي، وحينما قال بثبوتهما في عرضٍ واحدٍ فسوف تكون النتيجة هي أنه إذا أسقط المشتري أحدهما - وهو الخيار - انحصر الأمر بالثاني، فيثبت له جواز الأرش بل يكون متعيناً في حقه، ولكن السيد الخوئي(قده) حذف هذا المورد لأنه لا يرى العرضية بينهما ولا يقبل بالفقه الرضوي وإنما استند إلى معتبرة زرارة التي رواها موسى بن بكر الواسطي حيث دلت على أنَّ المشتري إذا أحدث حدثاً في المبيع فآنذاك يثبت الأرش، فمرتبة الأرش هي في طول مرتبة الرد ولا يجتمعان في رتبةٍ واحدة. فإذاً ذكر هذا المورد أو حذفه هو من باب الاختلاف في المبنى.

ومما يتضح شيء:- وهو أنَّ السيد الخوئي(قده) في المسألة ( 151 ) ذكر ما يوحي بأنه لو أسقط المشتري الخيار فسوف يثبت الأرش حيث قال:- ( يسقط هذا الخيار بالالتزام بالعقد بمعنى اختيار عدم الفسخ ومنه التصرف في المعيب تصرفاً يدل على اختيار عدم الفسخ )، وهذا نفس ما ذكره السيد الحكيم(قده) في المورد الأول وحذفه السيد الخوئي(قده) فكيف الجواب عنه؟

والجواب:- إنَّ مسألة ( 151 ) ناظرة إلى سقوط الخيار بالفسخ وليست في صدد ثبوت الأرش، ففي تلك المسألة تقول إنَّ خيار الفسخ يسقط بالاسقاط أما إذا أسقطه بالاسقاط فهل يثبت الأرشأولا؟، إنه لم يقل يثبت الأرش، وعليه فلا يمكن أن نلزم السيد الخوئي(قده) بأنك قلت يسقط الخيار فإذاً يلزم أن يثبت الأرش فإنَّ هذا الشيء لم يقله، وبناءً على هذا سوف يكون الايهام مندفعاً وباطلاً.

عودٌ إلى صلب الموضوع:-

ذكر السيد الخوئي(قده) خمسة موارد لثبوت الأرش:-

المورد الأول:- تلف العين، حيث قال:- ( لا يجوز فسخ العقد بالعيب في موارد وإنما يتعين جواز المطالبة بالأرش فيها تلف العين )، فإذا تلفت العين المشتراة فسوف يسقط الخيار ويثبت الأرش، وهذا الحكم طبق مبناه، وهو أنه إذا أمكن الفسخ كما لو لم يحدث حدثاً في المبيع فحقه الفسخ، أما تلفت العين فسوف ينقل الأمر إلى الأرش.

والسؤال:- ما هو التخريج الفني لذلك، فلماذا يثبت الأرش في مورد تلف العين؟

ذكر الشيخ الأعظم(قده) ما حاصله[1] :- إنَّ مرسلة جميل أناطت الردّ بقيام العين أما إذا لم تكن العين موجودة بأن تفلت فلا يمكن حينئذٍ الرد، حيث قالت المرسلة:- ( إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن )، فهو تمسك بمرسلة جميل لأنها أخذت عنوان قيام العين ومع تلفها لا يصدق أنَّ العين قائمة فينتقل إلى الأرش لهذه المرسلة.

وفي مقام التعليق نقول:- نسلّم أنه مع تلف العين لا نسلّم بأنها قائمة ولكن نقول إنَّ هذه الرواية مرسلة، وكان المناسب له التمسك بمعتبرة زرارة، ولكنه لم يذكرها من قربٍ ولا من بعد في مقام الاستدلال هنا، وكان عليه أن يذكرها وإذا كان لم يقبلها فعليه أن يردّها، أما إذا قبلها فيأخذ بها، فنحن نقول له لماذا ذكرت مرسلة جميل وتركت مرسلة زرارة؟!!، ونصّ معتبرة زرارة هو :- ( أيما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبين له فأحدث فيه بعدما قبضه شيئاً ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء أنه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء )، فهذه المعتبرة قالت إذا فرض أنَّ المشتري أحدث حدثاً في المبيع فسوف ينتقل الأمر إلى الأرش، وكان من المناسب للشيخ الأعظم أن يذكرها دون المرسلة.

وقد يقول قائل:- يمكن للشيخ الأعظم(قده) أن يجيب بأنه لا يمكن التمسك بهذه الصحيحة لأمرين:-

الأول:- إذا احدث المشتري حدثاً في العين المبيعة وهي باقية، فالرواية حينئذٍ لا تشمل صورة التلف وإنما تشمل صورة بقاء العين ولكن المشتري أحدث فيها حدثاً.

الثاني:- إنَّ كلمة ( أحدث ) ظاهرة في العمد، كما لو كسر المشتري المبيع عمداً فهنا يصدق أنه أحدث فيه حدثاً، أما إذا تلف المبيع من دون أن يتسبب المشتري بذلك كما لو اشترى حيواناً وكان الحيوان معيباً فوجده ميتاً في الصباح فهنا لا يصدق أنه أحدث وإنما يصدق ( أحدث ) فيما إذا فرض أنَّ العين كانت موجودة لا أنها تلفت، وثانياً يفترض وجود عمدٍ، ولعل الشيخ الأعظم(قده) لم يستند إلى معتبرة زرارة لهذين المطلبين.

وفي الجواب نقول:-

أولاً:- كان من المناسب للشيخ أن يذكر سبب عدم استناده إلى معتبرة زرارة ويبين ما ذكرناه ويردّه.

ثانياً:- نقول إنَّ هذه الدقة في تعابير النص هي دقة غير مقبولة، حيث نقول إنه هنا حينما يقال ( أحدث حدثاً ) فحالة التعمّد وإن كانت مأخوذة في هيأة ( أحدث ) ولكن هذا ليس مقصوداً، فليس مقصود الامام عليه السلام أنَّ المشتري قد أحدث الحدث في المبيع عن عمدٍ وإنما المقصود هو ما إذا حصل تغير في المبيع سواء أحدثه المشتري أو هو حدث في المبيع من دون أن يحدثه المشتري فيه.

وأما بالنسبة إلى ما ذكره من أنه يفترض وجود العين أما إذا انعدمت العين فلا يصدق ( أحدث ) حينئذٍ.

فجوابه:- إنَّ هذه دقة غير مقبولة أيضاً، فإنَّ العين إذا انعدمت فذلك أولى عرفاً لسقوط الخيار، فهنا نحن بعرفيتنا نفهم أنه إذا تلفت العين فبالأولى يسقط الخيار.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج5، ص289.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo