< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

44/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 172 ) حكم تلف المبيع في زمان الخيار – الفصل الخامس (احكام الخيار) - الخيارات.

وقد يقول قائل:- كيف نثبت صحة ما نقله الشيخ الطوسي والحال أنه ليس بموجود في نقل الشيخ الكليني، وعليه فسوف يصير المورد من باب التعارض؟

والجواب واضح:- إذ يمكن أن نفترض أنَّ الشيخ الكليني لم يعثر في المصدر الذي كان يشتمل على الزيادة التي نقلها الشيخ الطوسي، بينما الشيخ الطوسي عثر عليها في المصدر الذي عنده، وفي مثل هذه الحالة العقلاء يبنون على أنَّ ما ذكر كزيادةٍ من قبل الشخص الثاني هو ليس زيادة وإنما هو جزءٌ من الرواية فيكون معتبراً، وهذا المورد هو من أحد موارد اصالة عدم الزيادة، نعم إذا فرض أنَّ الشيخ الكليني صرَّح وقال لا يوجد في كل مصادر الرواية إلا هذا المقدار الذي انقله فهنا ليس من البعيد أن تصير معارضةٌ بين النقلين، ولكنه لم يقل ذلك.

وعلى أي حال من الاصول العقلائية الممضية شرعاً - بسبب عدم الردع - هو اصالة عدم الزيادة ولعل السيرة أيضاً كذلك، فلو اراد شخصان أن ينقلا كلام شخصٍ ثالث فنقل الأول مقطعاً من كلامه ونقل الثاني نفس المقطع مع اضافة كلمتين مثلاً فنحن نأخذ بنقل الثاني الذي يشتمل على الكلمتين والسيرة العقلائية جارية على ذلك، إذ لعل الناقل الاول لم يسمع هاتين الكلمتين فلم ينقلهما، فتكون هذه الزيادة قد وقعت في محلها أي أنها ليست زائدة، وهذا ما يعبر عنه بأصالة وقوع الكلمة أو الجملة في موقعها المناسب، فالمقصود من اصالة عدم الزيادة هو هذا المعنى.

وعلى هذا الاساس سوف يثبت الحكم الثاني المذكور في المسألة وهو أنَّه لو تلف الحيوان في فترة خيار الشرط من دون تفريطٍ فهو من مال البائع أيضاً لأجل نقل الشيخ الطوسي.

هذا وقد يتمسك لذلك أيضاً بمعتبرة عبد الرحمن، وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن حُمَيد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحدٍ عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ اشترى أمةً بشرطٍ من رجل يوماً أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون الضمان؟ فقال:- ليس عل الذي اشترى ضمانٌ حتى يمضي شرطه )[1] ، فهي قد دلت على أنه مادم التلف في فترة الخيار الذي اشترطه المشتري فالتلف يكون من البائع.

هذا وقد يشكل على التمسك بها:- بأنها قالت:- ( حتى يمضي شرطه ) فالمقصود من الشرط هنا هو الخيار ولكن يحتمل - ويكفينا الاحتمال - أنَّ يكون المقصود من الخيار هنا هو خيار الحيوان لا خيار الشرط الذي افترضنا فترته مدة شهرٍ مثلاً - يعني اكثر من ثلاثة - ونحن نريد أن نثبت أنَّ تلف الحيوان في خيار الشرط يكون من مال البائع وليس في خيار الحيوان الذي هو ثلاثة أيام، فتصير الرواية مجملة وعليه يكون التتمسك بها مشكل.

ولكن يمكن أن يرد ذلك ويقال:- هناك قرينة على كون المقصود هو خيار الشرط حيث عبرت الرواية وقالت:- ( عن رجلٍ اشترى أمةً بشرط )، ومعلومٌ أنَّ خيار الحيوان لا ينسب إلى الشراء، فلا يقال اشترى بخيار الحيوان وإنما خيار الحيوان مجعولٌ من قبل الشرع، بل يقال اشترى بخيار الشرط - أي اشترى بجعل خيار الشرط - وهذه قرينة على كون المقصود من الشرط هنا ليس خيار الحيوان وإنما هو خيار الشرط.

هذا مضافاً إلى وجود قرينةٍ أخرى، وهي قوله ( يوماً أو يومين )، ومعلومٌ أنَّ خيار الحيوان ليس يوماً أو يومين وإنما هو ثلاثة أيام، فهذا التعبير قرينة على كون المقصود هو خيار الشرط.

وعليه فتكون دلالة هذه الرواية لا بأس بها فتنضم إلى صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة بنقل الشيخ الطوسي ويثبت من خلالهما الحكم الثاني في المسألة.

وأما سندها:- فإنَّ محمد بن يعقوب الكليني نقلها عن حميد بن زياد، وحميد بن زياد قد روى عنه الشيخ الكليني في موارد ليست بالقليلة، وكثرة النقل قد تجعل قرينة على وثاقته عند الكليني وإلا فالنقل عنه بكميةٍ معتدٍ بها يكون لغوا إن لم يكن ثقةً عنده، ولكن لا نحتاج إلى هذا الطريق فإنه قد وثّق حيث قيل عنه أنه من أهالي نينوى وهو ثقة، وأما الحسن بن محمد بن سماعة فقد وثقه النجاشي، وأما تعبير ( غير واحد ) فعادةً تقال للاكثر من اثنين وليس من البعيد أنهم أكثر من ثلاثة، وهذه الكثرة قد تولد الاطمئنان بعدم تواطئهم على الكذب وهذه قضية وجدانية، وأما أبان بن عثمان فقد قال الكشي في تسمية الفقهاء من اصحاب أبي عبد الله عليه السلام:- ( أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون ... وأبان بن عثمان) ، فيكون ثقة.

وقد يقول قائل:- إذا كان أبان ثقة حقاً فلماذا لم يذكره النجاشي أو الطوسي بتوثيق؟

والجواب:- إنَّ هذا ليس بلازم بعد وجود الاجماع على الاخذ بروايته.

وأما عبد الرحمن بن أبي عبد الله فهو البصري وقد وثق.

وعليه فتكون الرواية معتبرة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo