< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 230 ) يجوز تحويل ما في الذمة من النقد إلى نقدٍ غيره - بيع الصرف.

 

مسألة ( 230 ):- إذا كان له دراهم في ذمة غيره فقال له حولها دنانير في ذمتك فقبل المديون صح ذلك وتحول ما في الذمة إلى دنانير وإن لم يتقابضا. وكذا لو كان له دنانير في ذمته فقال له حولها دراهم وقبل المديون فإنه يصح وتتحول الدنانير إلى دراهم. وكذلك الحكم في الأوراق النقدية إذا كانت في الذمة فيجوز تحويها من جنسٍ إلى آخر.

 

تشتمل المسألة على حكمين - أو ثلاثة -:-

الحكم الاول:- لو كان لشخصٍ دراهم فضية في ذمة غيره فقال له حولها في ذمتك إلى دنانير بسعر اليوم فقبل المديون بذلك فهنا يتحقق التحويل من حين القبول وإن لم يتقابضا، والتقابض ليس بلازم.

الحكم الثاني:- أن يكون الامر بالعكس، بأن كان له في ذمة غيره دنانير فقال له حوّلها لي إلى دراهم وقبل الآخر بذلك فسوف تتحول الدنانير إلى دراهم من دون حاجةٍ إلى التقابض.

ووجه التردد في عدد الاحكام التي اشتملت عليها هذه المسألة هو أنه لعله يقال إنَّ هذان الحكمان لهما نفس الروح فيكونان حكماً واحداً وليسا حكمين.

الحكم الثالث:- لو كان لشخص عملةٍ حديثةٍ - كالدنانير عراقية - في ذمة غيره فقال له حولها إلى عملةٍ أخرى - كالدولار - فقبل الآخر صح التحويل كالسابق.

ويجدر الالتفات إلى أنَّ الأحكام الثلاثة التي ذكرت المسألة مخالفةٌ للقاعدة إلا الروايات قد دلت عليها، وعليه فسوف نأخذ بها وإن كانت مخالفةً للقاعدة، وهي مخالفة للقاعدة باعتبار أنَّ تبدّل ما في الذمَّة من شيءٍ إلى آخر يحتاج إلى سبب، ومجرد طلب احدهما التحويل إلى عملةٍ ثانية وقبول الآخر يحتاج إلى دليل يثبت أنَّ هذا سببٌ لتحوّل ما في الذمة إلى شيءٍ ثانٍ، فإن دلَّ الدليل على ذلك أخذنا به وإلا فالذمة مشغولة بالعملة الأولى وأما اشتغالها بالعملة ثانية فيحتاج إلى معاملةٍ جديدةٍ ومجرد الطلب لا يكفي في ذلك، فمقتضى القاعدة هو عدم صحة هذا الحكم إلا أنَّ الروايات قد دلت عليه.

ومن الغريب أنَّ بعض الاعلام عبَّر بلفظ الشراء ولم يعبر بالتحويل رغم ورود كلمة التحويل في الرواية، قال:- ( إذا اشترى منه بالدراهم دنانير أو اشترى بالدنانير دراهم)، كما أنه لم يشر إلى الرواية، وهذا اشكال يسجل عليه، فمادام توجد رواية في المورد ويوجد فيها لفظ التحويل فلابد أن يقتصر على التحويل، ولا أقل أن يقول:- ( إذا طلب تحويلها من دراهم إلى دنانير تحولت ) ثم يقول بعد ذلك ( وهل يجوز التعبير بالشراء بدل التحويل؟ الظاهر الجواز - أو فيه تردد واشكال - )، إلا أنه لم يشر إلى ذلك.

وأما الروايات:- فهي:-

الرواية الاولى:- معتبرة اسحاق بن عمار المتقدمة في مسألة ( 227 )، وهي ما رواه محمد بن يععقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن اسحاق بن عمار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام تكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني فيقول كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول له:-كذا وكذا، فيقول:- أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضحاً، فأقول:- بلى، فيقول لي:- حولها دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك، فما ترى في هذا؟ فقال لي:- إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذِ فلا بأس بذلك، فقلت:- إني لم اوازنه ولم اناقده إنما كان كلام مني ومنه؟ فقال:- اليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك؟ قلت:- بلى، قال:- لا بأس بذلك )[1] ، وقد رواها المحمدون الثلاثة، وسندها تام.

الرواية الثانية:- محمد بن يحيى عن محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن اسماعيل عن منصور بن يونس عن اسحاق بن عمار عن عبيد بن زرارة قال:- ( سألت أبا عبد الله عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه واقول حولها دنانير من غير أن اقبض شيئاً قال لا بأس قلت يكوتن لي عنده دنانير فآتيه فاقول حولها دراهم واثبتها عندك ولم اقبض منه شيئاً قال لا بأس )[2] ، وروها بسندٍ معتبرٍ أيضاً محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن اسحاق بن عمار.

وقد ذكر المحقق في الشرائع هذا الحكم ولكنه عبّر بالشراء ولم يعبّر بالتحويل، كما عبّر في مقام تعليل الجواز وقال:- ( لأنَّ النقدين من واحدٍ ).

وكان المناسب أن يعبر بالتحويل ثم بعد ذلك يقول:- ( وهل يجوز التعبير بالشراء بدل التحويل؟ )، كما أنه لا معنى للتعليل الذي ذكره بعد وجود الرواية في المورد وهي تجوّز ذلك، فالتعليل بغير ما موجود في الرواية ليس بصحيح، نعم إذا كان يريد أن يذكر تعليلاً ثانياً فهذا لا بأس به ولكن عليه أن يقول:- ( إنَّ هذا الحكم ثابت لدلالة الرواية عليه، وربما يمكن تعليله بأنَّ النقدين من واحد )، لا أنه يترك الرواية رأساً ويأتي بهذا التعليلفإن هذا غير صحيح، قال ما نصه:- (ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير صح وإن لم يتقابضا وكذا لو كان له دنانير فاشترى بها دراهم لأن النقدين من واحد)[3] .

واغرب منه ما ذكره ابن ادريس:- حيث قال لا يجوز التحويل، وادعى عدم الخلاف فيه، كما أنه لم يذكر الرواية، قال ما نصه:- ( وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته:- وإذا كان لانسان على صيرفي دراهم أو دنانير فيقول له حلول الدنانير إلى الدراهم أو الدراهم إلى دنانير وساعره على ذلك كان ذلك جائزاً )، ثم علَّق عليه وقال:- ( قال محمد بن ادريس مصنف هذا الكتاب:- إن أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض من المجلس فلا يصح ذلك ولا يجوز بغير خلاف لأنَّ الصرف لا يصح أن يفترقا من المجلس إلا بعد التقابض فإن افترقا قبل أن يتقابضا بطل البيع والصرف )[4] .

وأما الحكم الثالث:- فالدليل على الجواز امران:-

الأول:- الغاء خصوصية مورد الروايتين، فإنهما وإن وردتا في الدرهم الفضي والدينار الذهبي إلا أنه لا يحتمل الخصوصية لهما، ولكن يبقى إلغاء الخصوصية قضية وجدانية وليست برهانية، فمن جزم بالغاء الخصوصية - وهو ليس ببعيد – فسوف يتعدى إلى سائر العملات وإلا فلا.

الثاني:- قد يقال يمكن التمسك لذلك بعمومات الصحة كـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ والصلح خير﴾، والتحويل من عملة إلى اخرى هو نحو عقدٍ أو مصالحةٍ، وحينئذٍ يصح ذلك تمسكاً باطلاق هذه الادلة.

وعليه فمن خلال ما تقدم اتضح أنَّ هذا الحكم يمكن المصير إليه من دون حاجةٍ إلى هاتين الروايتين، غاية الأمر أنَّ هاتين الروايتين تدعمان رأي الفقيه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo