< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الحكم الثامن ( تسقط ولاية الاب إذا منع ابنته من التزويج بالكفؤ )- الفصل الأول – كتاب النكاح.

الحكم الثامن:- تسقط ولاية الأب إذا منع ابنته من الزواج بالكفؤ.

وقد يصعب تحصيل رواية ناظرة إلى هذا الموضوع، ولكن يمكن أن نذكر ثلاثة توجيهات لهذا الحكم:-

التوجيه الاول:- إنَّ الولاية التي اثبتها الشرع المقدس للأب بلحاظ زواج انبته هو قد اثبتها من باب رعاية مصلحتها لا إيذائها، فجعل الولاية من البدائة هو ضيق - أي لأجل المصلحة ومنحصر بدائرة المصلحة - فإذا فرض أنه لم تكن هناك مصلحة في منعها من الزواج بالكفؤ وإنما كان ذلك سبباً لايذائها وظلمها فلا تثبت حينئذٍ ولايته.

التوجيه الثاني:- إنَّ منع الأب من تزويج بنته من الكفؤ هو ظلمٌ وجورٌ عليها، والاحكام الشرعية لم يثبت تشريعها في حالة ما إذا صارت سبباً للايذاء، وحينئذٍ تكون ولاية الأب مرتفعة.

والفارق بين التوجيهين هو أنه في التوجيه الأول نظرنا إلى نكتة جعل الولاية وأن دائرتها ضيقة وتختص بحالة وجود المصلحة للبنت، وأما إذا لم تكن هناك مصلحة فلا تثبت الولاية للأب، فيوجد قصورٌ في دليل الولاية، وأما التوجيه الثاني فهو لم ينظر إلى قصور دليل الولاية وإنما يقول إنَّ الولاية بعد أن اثبتها الشارع للاب لا يحتمل أنه جعلها حتى في حالة استيجابها الظلم للبنت وإيذائها.

التوجيه الثالث:- ما ورد في بعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة، حيث ورد في الروايات أنَّ المرأة إذا طلقت على غير السنَّة جاز الزواج بها وعلل النص ذلك بنه تارة:- ( ألزموهم من ذلك ما الزموه أنفسهم )، وهذا ما يعبر عنه بقاعدة الالزام، فمادام المخالفون قد ألزموا أنفسهم بذلك فحينئذٍ نلزمهم بصحة هذا الطلاق - الذي هو على غير السنَّة - من باب أنهم ألزموا أنفسهم بذلك، وتارةً عللت بأنه:- ( لا تترك المرأة بغير زوج)[1] )، فإذا طلقت المرأة بطلاقهم فيكون هذا الطلاق نافذاً لأجل هذا التعليل.

ونحن نتمسك بالقاعدة الثانية - وهي ( لا تترك المرأة بغير زوج ) - فلو جاء خاطب كفؤ للبنت فامتنع الأب وهكذا جاء كفؤ ثانٍ فامتنع الأب أيضاً ... وهكذا فحينئذٍ يقال إنَّ هذه القاعدة تدل بالالتزام على سقوط ولايته.

هذا وقد يتمسك بوجهين آخرين:-

الوجه الاول:- التمسك بقوله تعالى:- ﴿ ولا تعضلوهن أن ينكحن ازواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ﴾[2] الدالة على منع الاعضال، وقوله تعالى:- ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾[3] الدالة على نفي الحرج.

ولكن يرد عليه:-

أما الآية الاولى:- فيرد عليها أمران:-

أولاً:- إنها تنهى الآباء عن عضل بناتهن، يعني عليه أن لا يممنعها من الزواج إذا جاءها الكفؤ ولا يتوقف في ذلك، ولكن لا يستفاد منها أنه لو زوجت البنت نفسها من دون رعاية أمر الأب فسوف يقع الزواج صحيحاً، بل اقصى ما يستفاد منها هو حرمة العضل - أي المنع من الزواج -، وحرمة المنع من الزواج لا تلازم صحة الزواج إذا وقع من قبل البنت من دون إذن وليها، فلا توجد دلالة التزامية ولا مطابقية في الآية الكريمة على ذلك.

ثانياً:- يحتمل - ويكفينا الاحتمال – أن يكون المقصود من الآية الكريمة أنه لو حصل نزاع بين الزوج والزوجة فذهبت الرزوجة إلى بيت ابيها ثم بعد ذلك ندمت وأرادت الرجوع إلى زوجها فلا ينبغي للأب أن يمنعها من الرجوع إلى بيت زوجها بحجة أنه لابد وأن يأتي الزوج مع جماعةٍ لأجل المراضاة ثم أخذها بعد ذلك، فلعل الآية الكريمة ناظرة إلى هذه الحالة وليست ناظرة إلى حالة الزواج الابتدائي للبنت وأنَّ الأب لا يجوز له عضلها.

وأما الآية الثانية فيرد عليها:- إنَّ قاعدة نفي الحرج هي قاعدة نفي لا اثبات، فهي تنفي الحكم لا أنها تثبته، يعني كل حكم إذا كان استمراره وثبوته موجباً للحرج فسوف يرتفع، فهي ترفع الاحكام لا أنها تجعل حكماً إذا لزم من عدم جعله حرجاً، فلسانها لسان النفي، فالحكم الثابت مثل وجوب الوضوء وكان المكلف مريضاً وعليه حرج في الوضوء فهنا يمكن التمسك بالاية الكريمة لنفي وجوب الوضوء في حقه، أما أنه يراد اثبات الولاية للبنت ويقال إذا كان الأب صعباً في أمر تزويجها فسوف تثبت الولاية لها في تزويج نفسها فإذا خطبها شخص ورضيت به كفى ذلك فالآية الكريمة لا دلالة فيها على هذا.

هذا ولكن قد يقرّب التمسك بقاعدة نفي الحرج بالبيان التالي:- وهو مركب من مقدمات:-

الأولى:- أن يقال إنَّ مقتضى الأدلة الأولية هو أنَّ البنت لها الحق في الزواج من دون حاجةٍ إلى إذن وليها غايته جاءت نصوصٌ أخرى دلت على اعتبار إذن الأب وقيدت بولايته واعتبرت إذنه في صحة زواج البنت.

الثانية:- وحيث إنَّ الحكم الثاني - وهو ثبوت الولاية للأب - يلزم منه الحرج على البنت فيكون مرتفعاً بقاعدة نفي الحرج، وعليه فنتمسك باطلاق الدليل الأول لاثبات الولاية لنفسها في التزوج، فإنَّ كل شخصٍ له الحق في الزواج وقد دلت على ذلك آيات كريمة وروايات شريفة.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج22، ص73، كتاب الطلاق، أبواب مقدماته وشروطه، ب30، ح4، 5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo