< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط جواز النظر للمرأة التي يراد التزويج به - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

ويجدر الالتفات إلى أن جواز النظر إلى من يراد التزويج بها مشروط بشروط لكن السيد الماتن(قده) لم يشر إليها ونحن نذكر بعضها: -

الشرط الأول: - أن لا يكون النظر إلى المراءة التي يراد التزويج بها عن شهوة، نعم لا يضر حصول الشهوة المسبَّبة عن النظر.

فهناك نحوان من الشهوة، شهوة سابقة على النظر، وشهوة متأخرة عنه، ويمكن أن يقال أنَّ الشهوة إذا كانت سابقة على النظر فلا يجوز النظر حينئذٍ، والوجه في ذلك انصراف الروايات عن مثل هذه الحالة، فإنَّ المفهوم منها أنه إذا أراد الرجل الزواج من امرأة جاز النظر لأجل ذلك، وأما إذا كان هناك سبب آخر للنظر - وهو الشهوة - فيمكن أن يدعى انصراف الروايات المجوزة للنظر عن مثل هذه الحالة، وأما ما يحصل من الشهوة بعد النظر فهو لا يضر فإنَّ النظر عادةً يسبب الشهوة للشاب عادةً - لا دائماً - خصوصاً حينما ينظر إلى المرأة ولو بقصد الزواج منها ولكن هذا لا يضر إذا كان حاصلاً بسبب النظر، والوجه في ذلك أمران:-

الأول: - التمسك بالاطلاق الروايات، فإنها مطلقة من هذه الناحية ولم تقيد بلزوم قطع النظر إليها إذا حصلت الشهوة، الثاني: - بل لعل الروايات تدل على العكس، فإنَّ بعضها ورد بلهجة تجويز النظر حتى مع حصول الشهوة اثناء النظر، كمعتبرة غياث بن إبراهيم حيث ورد فيها: - ( في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها، قال:- لا بأس، إنما هو مستامٌ فإن يقض أمر ... )، فهذا التعبير يساعد ويشجّع على النظر.

وعليه فالشهوة التي تحصل بعد النظر لا مشكلة من ناحيتها حيث يمكن التمسك لجوازها بإطلاق الروايات، وأما الشهوة الحاصلة قبل النظر فلا تجوز لانصراف الروايات عنها، والانصراف قضية وجدانية قد يقبله بعض ويرفضه آخر وهي من أحد أسباب اختلاف الفقهاء.

الشرط الثاني: - أن لا تكون المرأة واجدة لبعض الموانع من الزواج، كما لو كانت في عدّة الطلاق الرجعي فإنَّ النظر إليها يكون محرماً، والروايات ناظرة إلى من يريد الزواج منها بعدما فرض أنَّ النظر وافق ما يريد فمثل هذا جوزت له الروايات النظر، وأما الذي لا يوجد مجوز له للزواج - كما فرضنا - فالروايات لا تكون شاملة له ومنصرفة عنه كما هو واضح، أجل نستثني من ذلك حالة ما لو فرض أنَّ المدَّة المتبقية من العدَّة قليلة جداً كربع ساعة أو بضع دقائق فهنا يمكن أن يقال بشمول إطلاق الروايات لمثلها.

الشرط الثالث:- أن يفترض أنَّ إجابة المرأة للزواج من الشخص الذي يريد النظر إليها - حتى أنها إذا وافق نظره ما يريد أن يتزوج بها - محتملة لا أنه يقطع بعدم رضاها فهنا يجوز النظر إليها، وما إذا كان يقطع بعدم قبولها الزواج وكان يجزم برفضها لأيَّ شخصٍ يتقدم إليها - إما لمانع عقلائي عندها أو لمانع غير عقلائي - فهنا يكون النظر إليها عبثياً بعد العلم بكونها لا تتزوج، والروايات لا تشمل مثل هذه الحالة فإنَّ النظر مأخوذ بنحو الطريقية إلى الزواج، فإذا وافق نظره ما يريد فسوف يتقدم إليها وأما إذا كان يعلم بأنها ترفض الزواج فالنظر لها يكون عبثيا ولا وجه له والروايات منصرفة عن مثل هذه الحالة.

الشرط الرابع: - أن يفترض أنَّ الرجل لا يعرف حالها، أما إذا كان يعرفها ويعرف شكلها وحالها فحينئذٍ لا داعي ولا موجب إلى النظر إليها، والتوجيه الفني لعدم شمول الروايات لمثل هذه الحالة هو انصراف الروايات بأخذ النظر بنحو الطريقية إلى الزواج، فإذا فرض أنَّ هذه الطريقية كانت محفوظة من البداية فالنظر الجديد لا يزيد الرجل شيئاً وهذه قضية وجدانية.

الشرط الخامس - وهذا ليس شرطاً وإنما نذكره بعنوانٍ مخالفٍ للشرائط المتقدمة -: - وهو أنه يجوز النظر إلى المرأة التي يراد الزواج منها حتى لو أمكن الاطلاع عليها من خلال أمورٍ أخرى - غير النظر - كرؤية صورتها، فوجود الصورة لا يمنع من جواز النظر بل يبقى النظر إليها جائزاً، والوجه في ذلك واضح، فإنَّ الروايات لم تقيد بما إذا لم يمكن الاستعانة بالتعرف عليها من غير النظر بالصورة أو ببقل الأوصاف أو غير ذلك فيتمسك بإطلاقها.

هذا مضافاً إلى أنَّ العين قد ينكشف لها أكثر مما ينكشف من خلال الصورة أو نقل الاوصاف، فإنَّ لرؤية بالعين معرفة خاصة.

الشرط السادس: - يجوز النظر إلى المرأة التي يراد الزواج بها حتى لو لم ترض بالنظر إليها، فإنَّ المناسب أن يقال إنَّ جواز النظر ليس مشروطاً بإجازتها فإنَّ الروايات مطلقة من هذه الناحية، بل نقول أكثر، فإنه حتى لو فرض أنه لا يراد الزواج بها كما لو مرَّت امرأة فأراد شاب النظر إلى قرص وجهها وهي لا ترضى فجواز النظر هنا ليس مشروطاً برضاها بل يجوز ذلك ولو لم ترض به، أما حالة الزواج فيجوز ايضاً بل يجوز النظر إلى أكثر من وجهها وكفيها فإن لروايات مطلقة من هذه الناحية.

وهل يحتص جواز النظر عند إرادة التزويج بالوجه والكفين فقط أو يشمل ما زاد عليهما؟

والجواب: - ذهب المحقق(قده) في الشرائع إلى اختصاصه بهما، حيث قال:- ( يجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها ويختص الجواز بوجهها وكفيها )[1] .

أقول: - ما ذكره غريب، فإنَّ النظر إلى الوجه والكفين جائز في حدّ نفسه من دون حاجةٍ إلى إرادة التزويج.

وذهب صاحب الجواهر(قده) إلى العكس:- حيث جوز النظر إلى أكثر من الوجه والكفين تمسكاً بالاطلاق، حيث قال ما نصه:- ( فلا محيص للفقيه الذي كشف الله عن بصيرته عن القول بجواز النظر إلى جميع جسدها بعد تعاضد تلك النصوص وكثرتها )[2] .

أقول: - إنَّ ما ذكره صاحب الجواهر(قده) شيء فني، فإنَّ الذي يرى الاطلاق في الروايات يحكم بذلك، فمثلاً الرواية الأولى قالت: - ( عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال:- نعم، إنما يشتريها بأغلى الثمن )، فالإمام عليه السلام لم يقيد جواز النظر بوجهها وكفيها، وعليه فيتمكن الفقيه أن يقول إنَّ عدم التفصيل هو دليل العموم.

وكذلك الرواية الأخرى حيث ورد فيها: - ( في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها قال لا بأس إنما هو مستام فإن يقض أمر يكون )، ومحاسن المرأة ليس هي الوجه والكفين فقط وإنما يشمل ما زاد على ذلك.

وعلى أيَّ حال المناسب هو جواز النظر كما أفاد صاحب الجواهر(قده) ولكن يبقى الاحتياط في محله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo