< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شروط جواز النظر للمرأة التي يراد التزويج به - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

المورد الثاني لجواز النظر: نساء أهل الذمة والمتبذلات اللواتي لا ينتهين إذا نهين.

والكلام هنا بالنسبة على ما زاد على الوجه والكفين كالشعر وغيره.

وقبل ذكر الروايات الواردة في المقام نلفت النظر إلى أنَّ صاحب الحدائق(قده) قد نسب إلى المشهور جواز النظر إلى نساء أهل الذمة والمبتذلات، وعليه فالمسألة مشهورة وليست اجماعية.

وخالف في ذلك ابن إدريس حيث بعدم جواز النظر إليهن.

ولعل النكتة في قوله هذا أنه لا يعمل بخبر الآحاد، فإنَّ الروايات في المقام ثلاثة وهي لا تشكل توتراً، فلعله لأجل هذا لم يعير أهمية للروايات، قال:- ( الذي يقوى في نفسي ترك هذه الرواية والعدول عنها والتمسك بقوله تعالى" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم "، وقوله تعالى" ولا تمدَّنّ عينيك إلى متعنا به أزواجاً منهم " )[1] .

وأما الروايات: - فهي ثلاثة:

الرواية الأولى:- ما رواه محمد بن يعقوب علن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن أيديهن )[2] .

ودلالتها على جواز النظر إليهن صريحة وواضحة.

وأما سندها: - فيوجد فيه السكوني وهو عامي، ولكن نقل شيخ الطائفة في العدَّة عمل الطائفة برواياته، وهذا نحو توثيقٍ له، قال: - ( ولأجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث .... والسكوني )[3] ، وعليه فيمكن أن نقبل روايته، وهذه قضية وجدانية وليست برهانية فقد يقبلها البعض ويرفضها الآخر، ونحن نقول:- مادامت الطائفة قد عملت برواياته فهذا يكفي في حصول الاطمئنان بوثاقته.

وأما النوفلي فهو عامي أيضاً، وهو الحسين بن يزيد، وهنا نقول إنَّ عمل الطائفة بروايات السكوني بعد كون الراوي عن السكوني في الغالب هو النوفلي فعملهم بروايات السكوني يدل على عضّ النظر عن السكوني وعن النوفلي معاً بعدما كان الطابع العام في روايات السكوني أنها بواسطة النوفلي، وهذه قضية وجدانية أيضاً، وعليه فيمكن قبول هذه الرواية والعمل بها.

الرواية الثانية:- ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن عباد بن صهيب قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- لا بأس بالنظر إلى رؤوس اهل تهامة والاعراب وأهل السواد والعلوج[4] لأنهم إذا نهوا لا ينتهون )[5] ، حيث علل الامام عليه السلام بأنهم إذا نهوا لا ينتهون فنتمسك بهذا التعليل لاثبات جواز النظر إلى نساء أهل الذمة والمبتذلات لأنهن لا ينتهين إذا نهين.

وسند الرواية معتبر ولا موجب للتوقف فيه، فإنَّ رجاله كلهم ثقاة حتى عبّاد بن صهيب حيث وثقه النجاشي.

وأما دلالتها على المطلوب فواضحة.

الرواية الثالثة: - ما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: - ( لا بأس بالنظر إلى الرؤوس نساء أهل الذمة )[6] .

أما سندها: - فعبد الله بن جعفر من أجلة اصحابنا، والسندي بن محمد فهو أبان بن محمد البجلي ثقة أيضاً حيث قال قال عنه النجاشي: - ( كان ثقةً وجهاً في أصحابنا الكوفيين )، لكن المشكلة في أبو البختري فإنه ضعيف حيث قال الشيخ في حقه:- ( وهب بن وهب أبو البختري عامي المذهب ضعيف )[7] ، مضافاً إلى أنه قد رود في حقه أنه أكذب أهل البرية، وعليه فتكون هذه الرواية ضعيفة السند ولا تصلح إلا على مستوى التأييد للروايتين السابقتين.

وهنا نذكر بعض الأمور الجانبية: -

الأمر الأول: - إنَّ جواز النظر مشروطٌ بعدم قصد التلذّذ وبعدم حصول التلذذ، فإذا كان قاصداً للتلذّذ من البداية فلا يجوز النظر حينئذٍ، ولكن إذا لم يكن قاصداً للتلذذ ولكنه حصل اثناء النظر فعلية أن يقطع النظر آنذاك.

وهذا القيد ليس مذكوراً في الروايات ولكن نحن نضيفه، والمستند في ذلك هو أننا لا نحتمل تجويز الشريعة المقدسة النظر بتلذذ إلى غير الزوجة وما بحكمها من الاجنبيات بل وحتى المحارم، وهذه من القواعد الوجدانية البديهية، فالدليل على هذا الشرط ليس آية أو رواية بل هو الجزم من الخارج، فنحن لا نحتمل تجويز الشريعة المقدسة لمثل هذا النظر حتى للمحارم.

الأمر الثاني: - جواز النظر كما هو مشروط بعدم قصد التلذذ هو مشروط أيضاً بعدم العلم بحصول التلذّذ عند النظر، وأما إذا لم يكن قاصداً للتلذذ ولكن يعلم أنه سوف يحصل التلذّذ بعد ذلك فهذا لا يجوز أيضاً لما أشرنا إليه من أنَّ هذه قضية وجدانية شرعية ومرتكز متشرعي وأنَّ الانسان لا يحق له أن يتلذّذ إلا مع الزوجة أو الأمة.

الأمر الثالث:- قد علل صاحب الشرائع(قده) هذا الحكم بأنهن بمنزلة الإماء حيث قال:- (يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة وشعورهن لأنهن بمنزلة الاماء ) ، كما صار إلى ذلك صاحب الجواهر(قده) وأخذ بتوجيه ما ذهب إليه المحقق حيث قال:- ( إنما رصن بمنزلة الاماء باعتبار كونهن فيئاً للمسلمين وإن حرمن بالعارض باعتبار أنهن ذوات ازواج )[8] ، وهو لم يذكر الروايات أيضاً وكان المناسب له أن يذكرها ثم يضعّفها وإنما اكتفى بذكر هذا التعليل، وهذا غريبٌ منه أيضاً.

وعلى أيَّ حال حتى لو صح مثل هذا التعليل ولكن نحن لا نرتضي ترك الرواية والاقتصار على مثل هذه التعليلات، بل لا أقل يقال: - إنه مضافاً إلى وجود الروايات يمكن أن يقال بأنهن بمنزلة الإماء باعتبار كونهن فيئاً للمسلمين.


[4] العلج:- هو الشخص الضخم والجمع علوج.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo