< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأمر الثالث ( جواز النظر إلى النساء التي تتردد في الاسواق )، الأمر الرابع ( يجوز النظر إلى المسلمات الاتي لا ينتهين إذا نهين ) - شروط جواز النظر للمرأة التي يراد التزويج به - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

الأمر الثالث: - يظهر من صاحب الجواهر(قده) أنَّ المراد من هذا الاستثناء هو أنَّ الرجال يجوز لهم التردد في الأسواق ولا يجب عليهم غض النظر عن النساء الموجودات في الأسواق للعسر والحرج بعد عدم انتهائهن، قال: - ( يمكن أن يراد المراد منه عدم وجوب الغض وعدم حرمة التردد في الأسواق والزقاق من هذه الجهة لما فيه من العسر والحرج بعد فرض عدم الانتهاء بالنهي فهو حينئذ امر خارج عما نحن فيه )[1] .

وفي التعليق نقول: - إنَّه ربط المسألة بفكرة العسر والحرج والحال أنَّ الروايات لم تعلل بذلك وإنما عللت بأنهن لا ينتهين إذا نهين فيلزم الاقتصار على ما ذكرته الروايات، ثم إنه يلزم على ما ذكره أنه لو فرض وجود موردٍ لا يلزم فيه العسر والحرج عدم جواز النظر لأنه لا يوجد عسر وحرج!! إلا أن يقول إنَّ المقصود من العسر والحرج هو العسر والحرج النوعي لا الشخصي.

ويترتب على ما ذكرته الروايات من تعليل ثمرة، وهي كما لو كان المكلف أسيراً مثلاً وكانت هناك نساء موجودات في الطرف المقابل فهنا يجوز النظر إليهن وإن كان لا يوجد عسر وحرج لأنهن لا ينتهين إذا نهين، فالعلة في الحكم هي هذه لا مسألة العسر والحرج، وعليه فالمناسب عدم التعليل بما أشار إليه صاحب الجواهر(قده) بل بما أشارت إليه النصوص وهو أنهن لا ينتهين إذا انتهين سواء لزم العسر والحرج من النظر أم لم يلزم منه ذلك.

الأمر الرابع: - إنه بناءً على التعليل المذكور في النصوص يجوز النظر حتى الى المسلمات أيضاً من دون تخصيصه بفئةٍ خاصةٍ، فإنَّ النص قال: - (لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج لأنهم إذا نهوا لا ينتهون)، وهذه العلَّة وإن كانت خاصة بجماعة مخصوصين - وهم الذين ذكرتهم الرواية الشريفة - ولكن يمكن أن يقال أنَّ العلة عامَّة، فيجوز النظر حتى لغير هذه العناوين المذكورة لأنهم لا ينتهون إذا نهوا، ولكن الجواز مشروط بأن لا يكون بتلذذٍ وشهوة.

الاستثناء الثالث: - المحارم اللاتي يحرم نكاحهن مؤبداً لنسبٍ أو رضاعٍ أو مصاهرة، كالأم وأم الزوجة والاخت وما شاكل ذلك.

والظاهر أنَّ هذا الحكم لا خلاف فيه، وإنما الكلام في التخريج الفني له.

ونحن نذكر عدّة أمور لتخريجه: -

الأمور الأول:- قوله تعالى:- ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[2] .

وتقريب الدلالة أن يقال: - إنَّ الآية الكريمة قالت ( ولا يبدين زينتهن إلا لفلانٍ وفلان ) ولم تقل ( يجوز لفلان وفلان النظر إليهن ) فكيف تكون هذه الآية الكريمة دالة على جواز نظر الرجل إلى مثل هذه النساء؟

وفي الجواب نقول: - إننا نحتاج في اثبات ذلك إلى مقدمتين: -

الأولى: - إنَّ جواز إبراز الزينة لا يراد منه إبرازها بما هي زينة بل ابراز مواضع الزينة مع الزينة، فمثلاً اليد أو الرجل إذا كانت فيها زينة كالأسورة فجواز ابداء الزينة يلازم جواز ابداء مواضعها، وإلا فجواز ابداء الزينة وحدها من دون جواز ابداء مواضعها غير يحتمل.

الثانية: - إذا ثبت أنَّ المقصود هو جواز ابراز مواضع الزينة لا الزينة بما هي زينة فهذا يلازم جواز النظر إلى تلك المواضع وإلا يلزم إذا ابرزت احدى المحارم زينتها وجب غض النظر عنها وهذا لا يلتزم به أحد، وعليه فجواز ابداء مواضع الزينة من جهة المرأة يلازم جواز النظر إلى تلك المواضع بما معها من زينة من جهة الرجل، وبذلك يثبت المطلوب وهو أنَّ مواضع الزينة كاليد والرجل والعنق والرأس كلها يجوز النظر إليها بمقتضى هذه الآية الكريمة.

الدليل الثاني: - السيرة القطعية المستمرة، يعني أنَّ السيرة في زماننا جارية على ذلك، فالأخت لا تتحجب عند زيارة اخيها أو أبيها إليها، وكذلك العمة والخالة وباقي المحارم، وهذا لا يختص بزماننا بل هو موجود في الزمن السالف وما قبله إلى عصر النبوة والرسالة، ولا يحتمل أنَّ هذه السيرة قد تجددت بحيث كانت الأم والعمة تخفي مواضع اليد والرجل عن محارمها ثم صار تبدل بعد ذلك في السيرة، إذ لو كان هذا التبدل حاصلاً لاستحق النقل، فعدم النقل يدل على عدم حصول هذه الظاهرة.

الدليل الثالث: - الارتكاز المتوارث؛ إذ يوجد ارتكاز متوارث جيلاً بعد جيل وخلف عن سلف على أنَّ الأخت والعمة والخالة وما شاكلهن يجوز لمحارمهن من الرجال النظر إلى وجوههن ورؤوسهن وما شاكل ذلك.

والفرق بين هذا الوجه وسابقه أنَّ هذا الوجه هو ارتكاز فقط وليس سيرة عملية، أما السابق فهو سيرة عملية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo