< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأمر الثاني- الحكم الخامس ( حكم النظر إلى وجه وكفي المرأة الاجنبية ) - شروط جواز النظر للمرأة التي يراد التزويج به - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

الأمر الثاني:- معتبرة الفضلاء، وهي ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وحفص بن البختري كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا بأس بان ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها )[1] وسندها معتبر.

وتقريب دلالتها على عدم جواز النظر إلى الوجه والكفين في الحالات العادية أن يقال:- إنَّها قيدت جواز النظر إلى وجه المرأة ومعاصمها[2] ونفت عنه البأس في حالة إرادة الزواج، وهذا يدل على عدم جواز ذلك عند عدم إرادة الزواج.

وفيه: - صحيح أنَّ المعتبرة استعانت بكلمة البأس - وقالت لا بأس بالنظر إلى الوجه والمعاصم إذا أراد الزواج - ونحن استفدنا منها بالمفهوم وجود البأس عند عدم إرادة الزواج ولكن نقول: - إنَّ البأس لا يختص بالحرمة فقط وإنما هو مشترك بين الحرمة والكراهة، وحيث من القريب أن يكون البأس من الألفاظ المشتركة فحينئذٍ يحصل اجمال في الروية، وحينئذٍ لا يدل اثبات البأس في النظر إلى الوجه والكفين عند عدم إرادة الزواج على الحرمة، بل لعل المقصود هو الحزازة والكراهة.

الأمر الثالث:- ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن )[3] .

وهي دلت على عدم جواز النظر إلى شعور وايدي غير أهل الذمة - أي المسلمات - فإنَّ نفي الحرمة يختص بنساء أهل الذمة فنستفيد بالمفهوم وجود حرمةٍ بالنسبة إلى النساء المسلمات، فلا يجوز حينئذٍ النظر إلى ايديهن، والرواية وإن كانت خاصة باليد إلا أنه يمكن إلحاق الوجه بها إما من باب عدم الفصل أو من باب الأولوية.

والجواب: - يحتمل أن يكون المقصود من باليد المذكورة في الرواية هو مجموع اليد بكاملها من اعلاها إلى أسفلها، فإنَّ اليد لا تطلق على الكف فقط وإنما هناك اطلاقان آخران احدهما أنها تطلق على اليد من الأصابع إلى المرفق، وثانيهما أنها تطلق على اليد من الاصابع إلى المنكب فكل هذه تسمى يد، وعليه فتكون الرواية مجملة من هذه الناحية فلا يصح التمسك بها في المقام، فإنَّها تقول لا حرمة في النظر إلى ايدي نساء أهل الذمة فيستفاد من ذلك وجود الحرمة للنساء المسلمات أما ما هي الحرمة فإنها غير محددة، إذ لعله لا يجوز النظر إلى مجموع اليد ونحن كلامنا في الكف فقط، أما بالنسبة إلى بقية اليد فلا يجوز النظر إليها بلا اشكال، وأقصى ما تدل عليه هذه الرواية هو أنَّ الذميات لا حرمة في النظر إلى ايديهن، واليد أيضاً تطلق على المجموع الكامل لها - أي إلى المنكب - فهذه يجوز النظر إليها وليس المقصود خصوص الكف، فإذا كان يحتمل أنَّ المقصود هو مجموع اليد فبالمفهوم يثبت أنَّ المسلمات لا يجوز النظر إلى مجموع اليد عندهن وهذا أمرٌ مسلَّم ولا كلام فيه، وإنما كلامنا بالنسبة إلى الكف بخصوصه وانه يجوز النظر إليه أو لا يجوز، وعليه فتكون هذه الرواية مجملة فلا يصح التسمك بها حينئذٍ.

وأما سندها:- فقد ورد فيه السكوني والنوفلي، والنوفلي عادةً يروي عن السكوني، والسكوني قد قال عنه الشيخ في العدَّة:- ( عملت الطائفة برواية جماعة .... والسكوني )[4] ، فكان السكوني منهم، وعليه فيمكن اعتباره لأجل ما ذكره الشيخ في حقه، وأما النوفلي فهو الحسين بن يزيد، ويمكن أن نقول إنَّ غالب روايات السكوني قد وردت عن طريق النوفلي فإذا كانت الطائفة قد عملت بروايات السكوني فلازمه أنها غضت النظر عن النوفلي وإلا لم تعمل بروايات السكوني، وحينئذٍ يمكن أن نعتمد على غض نظر الطائفة هذا وكفايته في اعتبار السكوني والنوفلي، وهذه قضية استظهارية.

الأمر الرابع: - ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار قال: - ( كتبت إلى الفيه عليه السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له ان يشهد عليها من وراء الستر ويسمع كلاها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها أو تجوز له الشهادة عليها حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع عليه السلام: - تتنقب وتظهر للشهود إن شاء الله ).

وطريق الشيخ إلى محمد بن الحسن الصفار معتبر، كما رواها الشيخ الصدوق أيضاً بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار بنفس النص وقال:- ( وهذا التوقيع عندي بخطه عليه السلام )[5] .

وتقريب دلالتها أن يقال: - إنَّ أمر الامام عليه السلام بأنها تتنقب وتبرز ويشهد عليها الشهود يدل على عدم جواز النظر إلى الوجه؛ إذ لو كان النظر إليه جائزاً لما كان هناك حاجة إلى التنقب.

والجواب نقول: - إنَّ ما ذكره الامام عليه السلام كما يلتئم مع كون التنقب من ناحية عدم جواز ابراز الوجه والنظر إليه يلتئم أيضاً مع عدم وجوبه، وكأن الامام عليه السلام يريد أن يبين أنه لا يلزم اظهار الوجه وإن كان اظهاره جائزاً ولكن مع ذلك يحق لها التنقب، فإنه في باب الشهادة لا يلزم اظهار الوجه وإنما يكفي أن تتنقب ويعرف أنها فلانة بنت فلان من مجموع القرائن كصوتها وشكلها وما شاكل ذلك ولا يتوقف على رؤية الوجه، وعليه فلا يمكن التمسك بهذه الرواية.

هذا مضافاً إلى احتمال أنَّ الامام عليه السلام أمر بالتنقب من باب أنَّ المرأة المذكورة هي امرأة شريفة وتستحي أن تبرز أمام الرجال مكشوفة الوجه، فلعله أمر بالتنقب من هذه الباب لا من باب حرمة رؤية الوجه من قبل الأجنبي، وعليه فتكون الرواية مجملة من هذه الناحية فلا يصح التمسك بها في المقام.


[2] المعاصم: - جمع معصم، هو موضع السوار، والمعنى انه يجوز له أن ينظر إلى كفها.
[4] عدة الأصول، الشيخ الطوسي، ص149.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo