< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأمر الخامس( ما دل على أن النظر سهم نم سهام ابليس )، الأمر السادس ( دليل عقلي على حرمة النظر إلى وجه الاجنبية )، الأدلة على جواز النظر إلى وجه الاجنبية وكفيها - شروط جواز النظر للمرأة التي يراد التزويج به - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

الأمر الخامس: - ما دل على أنَّ النظرة سهمٌ من سهام إبليس، أو ما دل على أنَّ زنا العين النظر؟

من قبيل ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضّال عن علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- (سمعته يقول النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة اورثت حسرةً طويلة)[1] .

ورجال السند معتبرون حتى علي بن عقبة فقد قال عنه النجاشي ( ثقةٌ ثقة )، إلا والده عقبة بن خالد فإنه لم يذكر بتوثيق، ولكن روى الكشي في ترجمة عقبة بن خالد أنَّ عقبة قال لأبي عبد الله عليه السلام:- ( إنَّ لنا خادماً لا تعرف ما نحن عليه فإذا اذنبت ذنباً وارادت أن تحلف بيمين قال لا وحق الذي إذا ذكرتموه بكيتم، فقال:- رحمكم الله من اهل البيت )[2] ، فقد تجعل هذه الرواية دليلاً على وثاقة عقبة بن خالد لترحم الامام عليهم بناءً على كفاية الترحم في اثبات الوثاقة، ولكن نقول إنَّ الترحم لا يدل على التوثيق، هذا مضافاً إلى أنَّ الناقل لهذه الرواية هو نفس عقبة بن خالد فلا يمكن اثبات وثاقته من خلال رواية نفسه.

وأما دلالتها: فقد يقال مادام النظر إلى المرأة الأجنبية سهم من سهام إبليس فيلزم أن يكون محرماً.

ولكن يرد عليها:

أولاً: - إنَّ هذا التعبير يشكل الجزم بإفادته للتحريم، بل هو يتلاءم مع التحريم ومع الكراهة الشديدة، وهكذا زنا العينين فإنه مبالغة فاستفادة التحريم منه أمرٌ مشكل

وربما يقال حينما عبرت الرواية عن النظر بالسهم فلابد وأن يكون هذا النظر مع الشهوة والتلذذ، وهذا خارج عن محل كلامنا فإنه متفقٌ على حرمته، ونحن كلامنا في النظر المجرد عن الشهوة

ثانياً: - إنَّ متعلق النظر في الرواية محذوف فإنها قالت: - ( النظر سهم من سهام إبليس ) ولم تقل النظر إلى وجه المرأة الأجنبية، فلماذا فسرت المقصود بوجه المرأة الأجنبية، بل لعل المقصود هو النظر إلى جسدها وعورتها أو ما شاكل ذلك من اعضاء بدنها الاخرى التي هي أزيد من الوجه والكفين، وعليه فاستفادة تحريم النظر إلى وجه وكفي المرأة الأجنبية من هذه الرواية أمرٌ مشكل.

الأمر السادس: - ما نقله الشيخ الأعظم(قده) في كتاب النكاح[3] بعنوان دليلٍ عقلي، وحاصله:- إنَّ عمدة محاسن المرأة هو وجهها، وبما أنَّ النظر إليه يؤدي غالباً إلى الافتتان فيلزم ترك النظر إليه.

وجوابه: -

أولاً: - إنَّنا لا نعلم ملاكات الاحكام ولا نستطيع الجزم بأنَّ الحكمة في ذلك هي خوف الافتتان - لأنَّ الوجه هو عمدة محاسن المرأة - ولعله يساعد على ما نقول أنَّ بعض محارم المكلف قد تكون أحياناً شابة جميلة وهو شاب أيضاً فهل يلتزم بحرمة نظره إليها في مثل هذه الحالة؟! إنه لا يمكن الاستناد إلى مثل هذه الأمور لاثبات الحرمة فإنَّ ملاكات الأحكام لا يمكن أن نحيط بها.

ثانياً: - إنه بناءً على هذه الحكمة يلزم أن نفصّل بين المرأة الجميلة وغيرها، فلا يجوز النظر إلى وجه المرأة الجميلة واما غيرها فيجوز، أو نفصّل تفصيلاً آخر وهو إذا كان الناظر شاباً فلا يجوز له النظر إليها وأما إذا كان كبير السن فيجوز له النظر إليها، والحال أنه لا يحتمل ذلك فقيه فإنَّ النظر إلى وجه المرأة الأجنبية بناءً على حرمته لا فرق فيه بين أن تكون المرأة جميلة أو غير جميلة ولا بين أن يكون الناظر شاباً أو كبير السن فإنَّ كل هذه الأمور لا عبرة بها.

هذا بالنسبة إلى الأدلة على حرمة النظر وقد اتضح من خلال ما ذكرنا عدم سلامة دليلٍ يدل على الحرمة.

الأدلة على جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفّيها: -

الدليل الأول:- قوله تعالى:- ﴿ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ﴾[4] ، فبناءً على كون المقصود من الزينة الظاهرة هو الوجه والكفين - وأنها مصداق الزينة الظاهرة - وأنها مستثناة من الابداء فهذا يعني أنَّ هذه الأمور يجوز برازها من قبل المرأة، وبالملازمة يثبت جواز نظر الرجل الأجنبي إليها.

ويردّه: - يمكن أن يقال إنَّ المقصود من الزينة الظاهرة ليس هو الوجه والكفين إذ لا مثبت لذلك، وإنما يحتمل - ويكفينا الاحتمال - أن يكون المقصود من ذلك هو أنه قد تبرز بعض زينة المرأة عفوياً كأن يرتفع برقعها مثلاً فيبدو ما تحته أو يرتفع طرف ثوبها عفوياً فيبدو ما تحته كرجلها.

ثانياً: - حتى لو سلَّمنا تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفين ولكن جواز الاظهار لا يلازم جواز النظر، فإنَّ هذه الملازمة تحتاج إلى مثبت، ولا يوجد تلازم عقلي ولا عرفي يدل عليها.

وعليه فاستفادة جواز النظر إلى الوجه والكفين من هذه الآية الكريمة أمرٌ مشكل.

الدليل الثاني:- ما رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر وإما جرح في مكانٍ لا يصلح النظر إليه يكون الرجل ارفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها؟ قال:- إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت)[5] .

وقد دلت على أنَّ بعض مواضع بدن المرأة الأجنبية يصلح النظر إليه، إذ أنَّ السائل قال: - ( يصيبها البلاء في مكانٍ لا يصلح النظر إليه )، وهذا معناه أنَّ بدن المرأة على قسمين، قسمٌ لا يصلح النظر إليه، وقسمٌ يصلح النظر إليه، وحيث لا يحتمل أنَّ ما يصلح إليه النظر غير الوجه والكفين فيتعين أن يكون المكان الذي يصلح النظر إليه هو الوجه والكفان.

إن قلت: - إنَّ هذا التعبير ورد في كلام السائل ولم يرد في كلام الامام عليه السلام، والحجَّة هو ما يرد في كلام الامام عليه السلام لا ما يرد في كلام غيره؟

قلت: - لو كان ما افاده السائل من تقسيم البدن إلى قسمين باطلاً فمن المناسب للإمام عليه السلام أن ينكر عليه ذلك ويقول له بل كل بدن المرأة لا يصلح النظر إليه، فسكوته عليه السلام عن ذلك يدل على الامضاء والتقرير، وعليه فتصير دلالة الرواية على اثبات جواز النظر إلى الوجه والكفين تامة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo