< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم تنظر المرأة الاجنبية إلفى الرجل الاجنبي - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

حكم نظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي:-

وقعت هذه المسألة محل اختلاف بين الاعلام، وقد نقل صاحب الجواهر(قده) عن العلامة في التذكرة أن أكثر علمائنا ذهب إلى عدم جواز نظر المرأة إلى الرجل الاجنبي، قال:- (وفي محكي التذكرة منع أكثر علمائنا نظر المرأة إلى الرجل كالعكس فلا يجوز لها النظر إلا إلى وجهه وكفيه)[1] ، وقال العلامة في التذكرة:- (مسألة:- منع جماعة من علمائنا نظر المرأة إلى الرجل كالعكس لقوله تعالى " وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن " فلا يجوز لها النظر إلا إلى وجهه وكفيه لأنَّ الرجل في حق المرأة كالمرأة في حق الرجل)[2] .

وذهب السيد اليزدي(قده) إلى الحرمة سواء قلنا بلزوم التستر عليه أم لا، قال:- ( لا يجوز النظر إلى الاجنبية ولا للمرأة النظر إلى الاجنبي من غير صرورة واستثنى جماعة الوجه والكفين فقالوا بالجواز فيهما مع عدم الريبة والتلذذ وقيل بالجواز فيهما مرة ولا يجوز تكرار النظر والاحوط الممنع مطلقاً )[3] .

وتشدد السيد ابو الحسن الاصفهاني(قده) في ذلك وقال:- (إنَّ استثناء الوجه والكفين في النظر إلى الرجل اشكل من استثنائهما في النظر إلى المرأة)[4] ، يعني أنَّ نظر الرجل إلى وجه المرأة قد نجوّزه لأجل الآية أو الروايات وأما نظر المرأة إلى الرجل فلا توجد رواية تدل على جوازه بشكلٍ واضح.

وذهب صاحب الرياض(قده) إلى قيام الاجماع على مساواة نظر المرأة لنظر الرجل في محل الاشكال والجواز[5] .

ويمكن أن يستدل على عدم جواز نظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي بوجوه:-

الوجه الاول:- قوله تعالى:- ﴿ وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ﴾، فإنه مطلق ولم يقيد ببدنه فقط دون الوجه والكفين، ومقتضى عدم التقييد عدم جواز نظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي مطلقاً ومن دون استثناء، نعم إذا كان هناك استثناء فيلزم ان نلاحظه من خلال أدلةٍ اخرى لا من خلال هذه الآية الكريمة فإنها تدل على عدم الجواز مطلقاً.

وفي الجواب نقول:- إنَّ الآية الكريمة اشتملت على كلمة ( من ) فهي لم تقل ( وقل للمؤمنات يغضضن ابصارهن ) وإنما قالت ( من ابصارهن ) والمراد من كلمة ( من ) مجمل؛ إذ لعل المقصود منها أنهن لا ينظرن إلى الرجل الاجنبي بالنظر الشهوي أو مع تدقيق النظر أو ما شاكل ذلك، وعليه فسوف يكون المقصود من الآية الكريمة مجملاً - ويكفينا الاجمال - فلا يمكن الاستناد إليها لاثبات حرمة نظر المرأة الاجنبية إلى وجه الرجل الاجنبي وكفيه ورقبته وما شكال ذلك من دون شهوة وتلذذ.

الوجه الثاني:- الاجماع الذي ادعاه صاحب الرياض(قده)، فإنه ذكر قيام الاجماع على مساواة نظر المرأة لنظر الرجل في محل الاشكال والجواز.

وفي التعليق نقول:- لو سلَّمنا تحقق هذا الاجماع - فأنَّ العلامة لم يدع الاجماع وإنما قال ( اكثر علمائنا ) - ولكن يمكن أن نقول: إنَّ هذا الاجماع محتمل المدرك - لأنه توجد مدارك محتملة لهذا الحكم كالروايات التي ستأتي - فتكون القيمة للمدرك لا للاجماع، ويكفينا في ردّ هذا الاجماع احتمال المدرك ولا نحتاج إلى الجزم بوجوده.

الوجه الثالث:- ما ورد في تغسيل الرجل الاجنبي وأنَّه إذا مات وليس معه إلا النساء الاجانب غسّل من وراء الثياب وهذا يدل على عدم جواز النظر إليه من قبل النساء الاجانب. فإن قلت:- إنَّ هذا يكون بعد الممات ونحن كلامنا في زمان الحياة وفرقٌ بين الموردين؟ قلنا:- لابد من ضم ضميمة وهي أننا لا نحتمل الفرق بين حالة ما بعد الموت وما قبله، فإذا لم يجز نظر المرأة الاجنبية إلى وجه الرجل وباقي بدنه بعد الممات فلا يجوز ذلك أيضاً في حياته.

والرواية هي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سئل عن رجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء، قال:- تغسله امراته أو ذات قربته إذا كانت له وتصب النساء عليه الماء صباً من فوق الثياب )[6] ، وهي دلت على أنَّ زوجته أو محارمه يغسلنه وأما النساء الاجنبيات فيصببن عليه الماء من فوق الثياب وهذا يدل على عدم جواز نظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي حال مماته فكذا الحال قبل ممماته لعدم الفرق.

وكذلك موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه عليه السلام:- (تغسله امرأته أو ذات محرم وتصب عليه النساء الماء صباً من فوق الثياب)[7] ، حيث دلت على ذلك أيضاً.

ولكن يرد عليه:-

أولاً:- إنَّ هاتين الروايتين معارضتان بمثل موثقة عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال:- (إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امراته ولا ذو محرم من نسائه قال:- يوزّرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صباً ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه )[8] ، فهي دلت على جواز النظر، فإنها قالت (يوزّرنه إلى الركبتين) وهذا يعني أنه يجوز النظر إلى القدمين وما فوقهما فتكون معارضة للروايتين السابقتين.

ثانياً:- حتى لو سلَّمنا أنَّ الرواية الأولى دلت من دون معارضٍ على عدم جواز نظر المرأة الاجنبية إلى وجه كفي الرجل الاجنبي ولكن نقول لعل النكتة في ذلك هي نكتة تعبدية وليس من باب أنَّ المرأة الاجنبية لا يجوز لها النظر، كما يحتمل اختلاف حال الحياة عن حال الممات؛ إذ قد يكون احترام الميت أشد وأكثر من حال حياته، فالميت لا يجوز النظر إليه من قبل النساء الاجنبيات بخلافه في زمان حياته، وعليه فلا يمكن التمسك بالروايات المتقدمة لاثبات الحرمة لا أقل لأجل هذه المعارضة.


[3] العروة الوثقى، السيد اليزدي.، ج5، ص502، مسألة51 من بداية النكاح، ط جديدة.
[4] وسيلة النجاة، السيد أبو الحسن الاصفهاني، ص251.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo