< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الوجه الرابع ( التمسك بالروايات ) - الادلة على جواز تنظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي ومناقشتها- مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

الوجه الرابع:- التمسك ببعض الروايات:

الرواية الاولى:- ما رواه الشيخ الكليني عن عدَّة من اصحابنا عن احمد بن أبي عبد الله قال:- (استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وعنده عائشة وحفصة فقال لهما:- قوما فادخلا البيت، فقالتا:- إنه اعمى؟! فقال:- إن لم يركما فإنكما تريانه)[1] .

وتقريب الدلالة واضح: وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:- ( إن لم يكن يركما فانتما تريانه ) وهذا يدل على أنَّ المرأة يحرم عليها رؤية الرجل الاجنبي.

الرواية الثانية:- ما ورد في مكارم الاخلاق عن أم سلمة قالت:- ( كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة فاقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال:- احتجبا، فقلنا:- يا رسول الله:- أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال:- أوعمياوان انتما، ألستما تبصرانه!!)[2] .

الرواية الثالثة:- ما ورد في مكام الاخلاق أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله أن فاطمة عليها السلام قالت له في حديث:- (خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فقال صلى الله عليه وآله:- فاطمة مني )[3] .

ودلالتها على المطلوب واضحة.

ولكن في مقام مناقشة هذا الوجه نقول:-

أولاً:- إنَّ جميع هذه الروايات ضعيفة السند.

أما الرواية الاولى:-

فقد رواها الشيخ الكليني عن العدّة، وحيث إنَّ العدَّة مجهولون فحينئذٍ قد يتوقف من ناحيتها، إلا إذا وجد طريق لاعتبار العدّة، ومن طرق اعتبارها أن يقال:- إنَّ العدَّة اقلها ثلاثة، ومن البعيد أن يجتمع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب والتدليس وبذلك يثبت اعتبار العدَّة، وأما احمد بن أبي عبد الله فليس من البعيد أنه البرقي الثقة لأنَّ العدَّة كثيراً ما تروي عن البرقي، ولكن بعد ذلك قال احمد بن أبي عبد الله:- ( استأذن ابن أم مكتوم )، والبرقي زمانه متأخر عن زمن النبي صى الله عليه وآله حيث عاصر زمان الغيبة الصغرى وما يقرب منها فكيف ينقل بالمباشرة عن ابن أم مكتوم أنه استأذن والحال أن ابن ام متكوم كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله فالفاصل الزمني بينه وبين ابن ام مكتوم كبير!! وعليه تكون الرواية مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها.

وأما الدلالتها: فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال:- ( قوما فادخلا البيت ) وهذا التعبير مجمل، فيحتمل أن يكون النظر حرام ويحتمل أن يكون مكروها، والأمر بدخول البيت يتلاءم مع كلا الاحتمالين.

هذا مضافاً إلى أنَّ اللازم هو عدم النظر وليس دخول البيت، وحينئذٍ يمكن أن يقال إنَّ الأمر بدخول البيت يتلاءم مع مرجوحية النظر، يعني أنه أمر به من باب المقدمة لعدم تحقق الأمر المرجوح - وهو المكروه - وعليه فلا يمكن التمسك بالرواية في المقام.

وأما الرواية الثانية:-

فسندها مرسل أيضاً، فإنَّ مكارم الاخلاق رواها عن أم سلمة مباشرة من دون ذكر السند إليها.

ودلالتها فيها تأمل:- فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال لهما:- ( احتجبا ) وقد قلنا لو كان هناك شيء لازم لكان هو عدم النظر وليس الاحتجاب، وعليه فالاحتجاب هنا قد أخذ بنحو الطريقية إلى عدم النظر وهذا يلتئم مع الكراهة ومع الحرمة أيضاً، وحينئذٍ لا يمكن الاخذ بها.

وأما الرواية الثالثة:-

فهي مرسلة أيضاً، حيث لم يذكر صاحب مكارم الاخلاق سندها.

ودلالتها فيها تأمل أيضاً:- فإنَّ التعبير الوارد فيها هو:- ( خير للنساء أن لا يرين الرجال ) لا أنه يلزم، وتعبير ( خير ) إذا لم يكن مختصاً بالكراهة فلا أقل من أنه يلتئم معها، فلا يمكن الاخذ بالرواية في المقام حينئذٍ.

وعليه فمن حيث الروايات لم نحصل على رواية يمكن الاستناد إليها، وبهذا يتضح أنَّ جميع الأدلة المذكورة قابلة للمناقشة.

والأجدر في المقام أن يقال:- يجوز للمرأة النظر إلى وجه الرجل وكفيه وعنقه وقدميه وما تعارف للرجال اظهاره من دون تلذذ وشهوة، والوجه في ذلك انه إذا لم يجز لها النظر فإما أن يحكم على الرجال بلزوم التستر على وجوههم واعناقهم وأرجلهم وما شاكل ذلك أو يحكم بجواز اختلاط الرجال بالنساء في الازقة والشوارع والاسواق وما شاكل ذلك مع عدم جواز نظر المرأة إلى الرجل وكلا حتمالين باطل فيتعين بذلك جواز نظرها إلى الاماكن المتعارف بروزها من بدن الرجل من دون تلذذ، ومستند ذلك هو السيرة فإنها جارية على الاختلاط بين الرجال والنساء في الاسواق وما شاكلها فإذا لم نقل بجواز النظر فسوف يلزم أحد المحذورين اللذين ذكرناهما، وهذه السيرة ليست بجديدة فإنَّ اختلاط الرجال بالنساء في الاسواق وما شاكلها موجود من منذ عصر المعصوم عليه السلام فيثبت بذلك امضاؤها بعد معاصرتها للمعصوم عليه السلام وسكوته عنها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo