< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الوجه الرابع ( التمسك بالروايات ) والتعليق عليه وبيان الوجه المختار- الادلة على جواز تنظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي ومناقشتها- مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

انتهينا إلى أنه يجوز للمرأة الاجنبية النظر إلى الرجل الاجنبي بلحاظ الاماكن البارزة كالوجه واليدين وكان المستند هو السيرة فإنها جارية على ذلك كما أوضحنا.

والذي نريد أن نقوله الآن:- إنه بالنسبة إلى المواضع الاخرى من بدن الاجنبي - غير الوجه الوكفين - كالصدر والظهر وما شاكلهما - يعني غير العورة – هل يجوز النظر إليها أو لا؟

والجواب:- إنه حيث لم نمتلك دليلاً يدل على حرمة نظر المرأة إلى بدن الاجنبي من دون تلذذ وشهوة - لأننا قلنا إنَّ كلمة ( من ) الزاردة في قوله تعالى ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن﴾ يوجد فيها احتمالات ولعل المقصود منها هو بعض البصر وهو النظر بشهوة - فالمناسب هو الجواز تمسكاً بأصل البراءة، بيد أنَّ الفقيه قد لا يفتي بالحرمة لوجود بعض الامور التي تقف أمامه رغم كونها لا تبلغ درجة الدليل المعتبر فيتنّزل لأجلها إلى الاحتياط، وفي المقام يوجد امران يدعوان الفقيه إلى الاحتياط، الأول: دعوى الاجماع التي ذكرها صاحب الرياض(قده) على حرمة نظر المرأة إلى الرجل الاجنبي فإنَّ النظر وإن كان يشمل حتى الوجه ولكن خرجنا عن ذلك في خصوص الوجه والكفين ولكن لحساسية الموقف يبقى الاحتياط مناسباً لما عداهما، والثاني: إنَّ المشهور هو حرمة النظر إلى البدن من دون وجود دليل على ذلك فيكون الاحتياط مناسباً أيضاً لأجل هذه الشهرة، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.

فإذاً نظر المرأة الاجنبية إلى وجه الاجنبي وكفيه جائز بالسيرة مضافاً إلى البراءة، وأما بالنسبة إلى اعضاء بدنه الاخرى فمقتضى البراءة هو الجواز أيضاً، بيد أن الفقيه قد يحتاط لما ذكرنا.

 

عدم جواز النظر بتلذذ وهكذا اللمس ولو إلى المماثل:

ونستثني من ذلك الزوجين فإنَّهما خارجان بالاستثناء والبداهة والضرورة وأما غيرهما فمسّ احدهما للآخر بتلذذ بل النظر بتلذذ هو غير جائز وإن كانا متماثلين، وقد ادعى صاحب الجواهر وفخر الدين الاجماع عليه.

ويمكن التمسك لهذا الحكم بالأدلة التالية:-

الدليل الاول:- قوله تعالى في خطابٍ لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم:- ﴿ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قبقلبه مرض وقلن قولاً معروفا ﴾[1] ، حيث يظهر من السيد اليزدي(قده)[2] التمسك بها، فإنَّ التعليل الوارد في الآية الكريمة هو ﴿ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ أي أنه تثور شهوته، فيستفاد من هذا التعليل أنَّ كل أمرٍ يوجب اثارة الشهوة فهو محرم، ومن مصاديق ذلك النظر إلى المماثل بتلذذ وشهوة فلا يجوز حينئذٍ بمقتضى هذه الآية الكريمة.

وأما السيد الحكيم(قده)[3] فقال:- إنَّ ظاهر صدر الآية الكريمة حينما قالت:- ﴿ يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض﴾ هو أنَّ هذا الحكم يختص بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعم غيرهن.

وقد حاول السيد الخوئي(قده) التمسك بها وتتميم دلالتها وتعميم مضمونها لغير نساء النبي صلى الله عليه وآله حيث قال[4] :- إنَّها ذكرت مطلبين وتتضمن حكمين، الأول: إنَّ نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من غيرهن بشرط التقوى، والثاني: إنها بينت كيفية التقوى وماذا تقتضي التقوى، وقد بينت في هذا المجال وقالت ﴿ إن اتقيتن ﴾ والقتوى تقتضي ﴿ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ﴾ ثم بينت بعد ذلك أنه لابد من القرار في البيوت فقالت: ﴿ ولا تنبرجن تبرج الجاهلية الأولى ... ﴾، فهي بينت مجموعة من الامور التي هي ليست خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل التقوى تقتضي عدم الخضوع بالقول وعدم التبرج والقرار في البيوت وما شاكل ذلك، وعليه فكل ما يثير الشهوة لا يجوز فعله، وهذا يعم الرجل والمرأة معاً، فكل واحد منهما إذا فعل فعلاً يثير به الطرف الآخر فهو غير جائز.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ المفروض في محل كلامنا هو نظر المرأة إلى المرأة الاخرى بشهوة أو نظر الرجل إلى الرجل الآخر بشهوة وأنه يجوز أو لا، بينما الآية الكريمة ناظرة إلى حالة ما إذا فعلت المرأة شيئاً أثارت به الرجل الاجنبي كالخضوع بالقول والرقص وما شاكل ذلك فهنا لا يجوز لها أن تفعل ذلك، وهكذا الحال بالنسبة إلى الرجل لا يجوز له أن يفعل ما يثير به المرأة الاجنبية، ومن المعلوم أنَّ هذا ليس هو محل كلامنا بل محل كلامنا هو أنه يوجد اثنان كرجلين أو امرأتين والرجل لا يفعل شيئاً يثير به الرجل الآخر ولا الرجل الآخر يفعل شيئاً يثير الرجل الأول وإنما احدهما ينظر إلى مماثله بتلذذ وشهوة من دون وجود حركات مثيرة تصدر من الطرف الآخر وهذا غير مادلت الآية الكريمة على حرمته، كما لا توجد ملازمة بين المطلبين، وحينئذٍ يمكن أن نلتزم في مورد الآية الكريمة بالحرمة وأما موردنا فلا يمكن أن نثبت فيه الحرمة من خلال هذه الآية الكريمة لعدم الملازمة بين هذا المورد وبين ما دلت عليه، وعليه فلا يلزم من حرمة ما دلت عليه الآية الكريمة حرمة ما هو محل كلامنا فإنها اجنبية عن المقام، وبهذا سوف لا نحتاج إلى ما ذكره السيد الخوئي(قده) ولا إلى ما ذكره السيد الحكيم(قده).


[3] المستمسك في شرح العروة الوثقى، السيد الحكيم، ج14، ص49.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo