< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الثاني على عدم جواز النظر إلى غير الزوجة بتلذذ - الادلة على جواز تنظر المرأة الاجنبية إلى الرجل الاجنبي ومناقشتها- مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

الدليل الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ﴾[1]

وتقريب الدلالة: إنَّ الآية الكريمة نهت النساء عن الاثارة للآخرين، فإنَّ ضرب ارجلهن بالأرض يؤدي إلى سماع الاخرين صوت ما يلبسنه من زينة فيصير سبباً لاثارتهم، وعلى هذا الاساس يحرم اللمس أو النظر الموجب للاثارة بمقتضى هذه الآية الكريمة.

ولكن يرد عليها ما أوردناه على الآية السابقة:- فإنَّ غاية ما تدل عليه هو أنَّه لا يجوز فعل شيءٍ يثير الآخرين، يعني أنَّ تضرب المرأة برجلها الارض ويسمع الرجل صوت زينتها فهذا الفعل يصير سبباً لاثارة الرجل ومثله يكون محرماً، وهذا ليس محل كلامنا وإنما محل كلامنا هو في النظر بشهوة كأن ينظر الرجل إلى محارمه مثلاً بتلذذ وشهوة، والآية الكريمة أجنبية عن هذا فلا يمكن التمسك بها في المقام.

الدليل الثالث:- قوله تعالى:- ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من باصارهم ويحفظوا فروجهم ﴾[2] .

بتقريب:- انَّ المستفاد من الآية الكريمة هو الأمر بالغضّ، والأمر بالغض عبارة صرف النظر عن جميع الاستمتاعات بالطرف الثاني - غير الزوج الزوجة - والنظر بتلذذٍ هو نحوٌ من الاستمتاع، فلا يجوز حينئذٍ بمقتضى هذه الآية الكريمة.

ويمكن في الجواب أن يقال:- إنها الآية الكريمة ناظرة إلى قضية أخرى وهي أنَّه يلزم على الرجل أن يغض بصره ويحفظ فرجه بقطع النظر عن كون ذلك النظر بلذَّةٍ أو بدونها بل غض النظر هو واجبٌ بنفسه، وحينئذٍ سوف تختص هذه الآية الكريمة بخصوص النظر إلى الأجنبيات، يعني لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة الاجنبية وعليه أن يغض نظره، ومادام هذا الاحتمال موجوداً فلا يمكن أن نستفيد المطلوب من الآية الكريمة، فإنَّ المطلوب هو اثبات حرمة النظر بتلذّذ إلى أي امرأة أو إلى المماثل وهذا لا تثبت حرمته من خلال الآية الكريمة لاحتمال كون المقصود فيها هو لزوم غض الرجل نظره عن المرأة الاجنبية بتلذذ أو بغير تلذذ والمرأة أيضاً كذلك، ويكفينا الاحتمال في ردّ الاستدلال بها، لأنها سوف تصير مجملة فلا يمكن التمسك بها.

الدليل الرابع:- ما دل على أنَّ زنا العينين النظر:-

من قبيل:- ما رواه عدَّة من اصحابنا عن احمد بن محمد عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام وعن يزيد بن حمّاد وغيره عن أبي جميلة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا:- (ما من أحذ إلا وهو يصيب حظاً من الزنا فزنا العينين النظر وزنا الفم القبلة وزنا اليدين اللمس صدّق الفرج أو كذّب)[3] . وتقريب الدلالة:- إنَّ الرواية قالت إنَّ زنا العينين النظر والتعبير بالزنا لا يصح إلا إذا كان النظر بشهوة وتلذّذ - في غير الزوج والزوجة - وإلا فلا معنى لهذا التعبير، فهذا النظر يكون بمنزلة الزنا وهو يعم النظر إلى غير الزوجة مماثلاً كان أو غير مماثل مادام بتلذّذٍ وشهوة.

وفي الجواب نقول:-

أما من ناحية سندها:- فإنه ضعيف، فإنه وإن أمكن اعتبار العدَّة من باب أنَّ العدة اكثر من ثلاثة ومن البعيد أن يجتمع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب، وليس من البعيد أنَّ احمد بن محمد هو ابن عيسى الثقة إلا أنه يوجد فيها ارسال فإنَّ احمد بن محمد يرويها عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام، كما يرويها عن يزيد بن حمّاد وغيره عن أبي جميلة، وأبو جميلة لم تثبت وثاقته، فتكون محل تامل من ناحية سندها.

وأما من ناحية دلالتها فيمكن أن يقال:- إنَّ التعبير بقوله عليه السلام: ( وزنا العين النظر ) يفهم منه أنه نزّل النظر منزلة الزنا، فالنظر بشهوة يعتبر زنا، ولكن هل هذا التنزيل هو تنزيل بلحاظ جميع الآثار - بعد الالتفات إلى أنَّ النظر هو ليس زنا حقيقة وإنما المقصود منه أنه زنا تنزيلاً - أو بلحاظ بعضها؟ فلعل المقصود هو التنزيل من حيث البمغوضية، يعني أنه كالزنا في المبغوضية وأما درجة المبغوضية فمسكوت عنها، وحينئذٍ يحتمل أن يكون المقصود هو المبغوضية بنحو الكراهة دون الحرمة.

ومن قبيل:- ما رواه محمد بن يحى عن أحمد عن علي بن الحكم عن علي بن سويد قال:- (قلت لأبي الحسن عليه السلام إني مبتلىً بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال:- يا علي لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق وإياك والزنا فإنه يمحق البركة ويهلك الدين)[4] .

وسندها معتبر.

والقصود من قوله: ( إني مبتلىً بالنظر إلى المرأة الاجنبية ) هو أنَّ عمله يقتضي مرور النساء عليه كما لو كان يعمل بزّازاً فتمر به النساء الاجنبيات لشراء القماش فيقع نظره عليهن ويعجبه ذلك ولا يتأذى منه فسأل الامام عليه السلام عن ذلك والامام عليه السلام حكم بجواز النظر بقيد عدم النظر بشهوة حيث قال له: ( إذا عرف الله من نيتك الصدق ) أي عرف أنَّ نظرك لم يكن للشهوة وإنما وقع عفوياً، فتدل حينئذٍ على أنه إذا كان النظر للشهوة والتلذذ فلا يجوز.

وفي مقام الجواب قد يقال:- إنَّه كما يحتمل أن يكون المقصود من قوله عليه السلام: ( لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق ) ما ذكر يحتمل أيضاً أن يكون المقصود منه شيئاً آخر وهو أنك إذا لم تقصد النظر إليها متعمداً بل وقع نظرك عليها عفوياً فحينئذٍ لا بأس به، وبذلك تكون الرواية مجملة ولا يمكن التمسك بها.

إن قلت:- إنَّ هذه الرواية تختص بالمرأة الاجنبية ونحن نريد اثبات حرمة النظر لغير الاجنبية إذا كان بتلذذ وشهوة - ما عدى الزوج والزوجة - ولا تفي باثبات المطلوب بشكلٍ كامل.

قلت:- إذا ثبتت من خلالها الحرمة بالنسبة إلى الاجنبية فبالأولى تثبت الحرمة بالنسبة إلى غير الاجنبية - أي إذا كانت من محارمه -، فإذاً يمكن التمسك بالأولوية لاثبات المطلوب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo