< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحكم التاسع ( يحرم على الرجل والمرأة لمس بدن غير المحارم ) - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

وفي مقام التعليق نقول: -

أولاً:- إنَّ المصافحة وإن كانت مسّاً لبدن الغير إلا أنه مسٌّ خاص ولا يمكن من خلال حرمته اثبات حرمة مطلق المس كما إذا كان المس بوضع اصبع أو اصبعين على بدن المرأة الأجنبية فإنَّ هذا ليس مصافحة وليس مسّاً على مستوى المصافحة فإنَّ المصافحة تصير بكل الكف بخلافه هنا وحرمة المصافحة لا يستلزم حرمة هذا المس، وعليه فهذا البيان لا يثبت المطلوب بالكامل فإنا نريد أن نثبت حرمة مطلق المس لبدن الأجنبية ولو كان بإصبعٍ واحد بينما هذا الدليل يثبت حرمته إذا كان على مستوى المصافحة.

ثانياً: - وبقطع النظر عما ذكرناه يمكن أن نقول إنَّ هذا الوجه لا يثبت حرمة المسّ إذا كان لحاجةٍ عقلائية، كالطبيب مثلاً يضع اصبعاً أو اصبعين على بدن الأجنبية لأجل الفحص - ونفترض أنَّ القضية لم تبلغ درجة الضرورة - أو كان الرجل يريد زرق الابرة في يد المرأة فيضع اصبعاً أو اصبعين على عضدها، وحرمة المصافحة لا يستلزم حرمة المسَّ إذا كان لأجل الحاجة العقلائية، فما ذكر أخصّ من المدعى.

إن قلت: - يمكن التمسك لذلك بإطلاق ما دل على حرمة المصافحة وبذلك يثبت أنَّ المس مطلقاً غير جائز بما في ذلك حالة الحاجة التي لم تبلغ مقدار الضرورة، وهو من قبيل رواية سماعة بن مهران قال: - ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مصافحة الرجل المرأة، قال:- لا يحل للرجل أن يصافح المرأة )، فهذا الدليل مطلق فنتمسك بإطلاقه في مورد الحاجة.

قلت: - إنَّ هذا يتم فيما لو فرض أنَّ الامام عليه السلام قال ابتداءً ( لا يجوز مصافحة المرأة الأجنبية ) فبالإطلاق تثبت حرمة المسّ حتى في مورد الحاجة التي لم تبلغ درجة الضرورة، وأما إذا كان جواباً عن سؤال - كما هو الحال في مقامنا فإنَّ السائل قال: ( سالت أبا عبد الله عن مصافحة الرجل المرأة )، أو رواية أبي أبصير حيث سأل الامام عليه السلام وقال: ( هل يصافح الرجل المرأة؟ ) - فحيث إنَّ السائل لم يكن ناظراً إلى حالة الحاجة وإنما هو ناظر إلى الحالة العامة - يعني من دون ضرورة وحاجة - لأنه إذا كان ناظراً إلى ذلك لنبَّه على ذلك فإنَّ الانسان العرفي ينبه عادةً على ذلك ويقول (ما حكم المصافحة للأجنبية إذا كان هناك حاجة تقتضي ذلك؟) - وحينئذٍ لا يصح التمسك بالاطلاق.

الدليل الثاني: - صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وهي ما رواه محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أيوب بن نوح عن صفوان عن سالم أبي الفضل عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- الرجل تصب عليه جارية امرأته إذا اغتسل وتمسّحه بالدهن، قال:- يستحلّ ذلك من مولاتها، قال قلت:- إذا أحلّت[1] له هل يحل له ما مضى؟ قال:- نعم)[2] ، فهي قد دلت على أنَّ جارية الزوجة لا يجوز لها أن تمسّ بدن زوج سيدتها من دون تحليل، وحيث إنَّ التحليل بمثابة عقد النكاح فإذا احلّتها السيدة له فسوف يصير المس من قبل الأمة لبدنه حلالاً، وبالمفهوم نفهم منها أنه إذا لم يكن هناك تحليل فهي ليست بحكم الزوجة فلا يجوز المس حينئذٍ وهذا يفهم منه أنَّ مسّ الأجنبي أو الأجنبية لا يجوز.

 

وفي التعليق نقول: -

أولاً:- إنَّ تفسير التحليل - في قوله عليه السلام ( إذا أحلَّت له ) - بعقد التحليل هو احتمال إلا أنه ليس بظاهرٍ ويمكن الجزم به، بل يوجد اجتمال آخر وهو التحليل التكليفي الذي هو ليس عقداً وهو أنَّ هذا تصرف في ملك الغير وهو لا يجوز إلا برضا المالك، فإنَّ الجارية ملك للزوجة وقد حصل تصرف من قبل الزوج في ملك زوجته والسائل يسأل الامام عليه السلام أنه يجوز هذا التصرف أو لا والامام عليه السلام أجابه بأنه إذا اجازت الزوجة ذلك صحّ، فيحتمل أنَّ يكون المقصود من التحليل هو مجرد الاجازة والرضا لا عقد التحليل، ومادام يوجد هذا الاحتمال في معنى التحليل - ويكفينا الاحتمال - فحينئذٍ تصير الرواية مجملة فلا يمكن التمسك بها لاثبات المطلوب، إذ لا يمكن أن نفهم منها عدم جواز لمس بدن غير المحارم شرعاً.

ثانياً: - إنه حتى لو سلّمنا بأنها تدل على حرمة مسّ الأجنبية من دون عقد - ولو بعقد التحليل - ولكن نقول إنَّ المس الذي حصل هو تدهينٌ للبدن ونحن كلامنا في المسّ بإصبعٍ أو إصبعين، وعدم جواز ذاك إلا بالتحليل لا يستلزم حرمة مسّ بدن الاجنبية بإصبع أو إصبعين خصوصاً مع الحاجة، وعليه فلا يمكن أن يستفاد من هذه الرواية حرمة مسّ الأجنبية بهذا المقدار.


[1] التحليل هو نحو من الزواج، وذلك بأن يحلل المولى جاريته لشخص آخر لفترة معينة فهنا سوف تحل هذه الجارية للشخص الآخر وهذا عقد من العقود وهو ليس عقد نكاح دائم ولا عقد نكاح منقطع وإنما هو عهقد ثالث، وحينئذٍ يتحدد بحسب الفترة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo