< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الحكم التاسع ( يحرم على الرجل والمرأة لمس بدن غير المحارم ) - مسألة ( 1232 ) - الفصل الأول – كتاب النكاح.

الرواية الثالثة: - ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام،:- ( إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم من نسائه قال:- يوزرنه إلى الكربتين ويصببن عليه الماء صباً ولا ينظرن إلى عورته ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه )[1] ، كما رواها الشيخ المفيد عن الصدوق عن محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن ابي الجوزاء[2] .

والشاهد هو قوله عليه السلام ( ولا يلمسنه )، يعني أنه مادام الرجل اجنبي وكانت النساء اجنبيات عنه فلا يلمسنه.

ولكن يمكن مناقشة هذه الرواية سنداً ودلالة: -

أما دلالةً فيمكن أن يقال: - إنَّ المقصود من عدم اللمس هنا هو عدم اللمس مهما أمكن لا أنه يحرم اللمس أصلاً، والقريبة على إرادة هذا المعنى هو أنَّ الرواية قالت ( يوزّرنه إلى الركبتين ) يعني يخلعن عنه الثياب ثم يوزّرنه بقطعة قماش بأن يشددنها على بطنه من السرة إلى الركبة وهذا الشيء لا يحصل عادةً من دون مسّ بل لازمه المس، وعليه فحينما قال الامام عليه السلام ( ولا يلمسنه بأيديهن ) المقصود منه أنه لا يلمسنه بأكثر من المقدار الزائد على الضرورة مهما أمكن وإلا فالمس هنا مما لابد منه.

وأما سنداً فيمكن أن يقال: - إنَّ الشيخ الطوسي رواها عن سعد بن عبد الله الاشعري الذي هو من أجلة اصحابنا، وأبي الجوزاء المنبه بن عبد الله قال عنه النجاشي ( صحيح الحديث ) وهذه العبارة لا يبعد أن يستفاد منها التوثيق، ولكن المشكلة في الحسين بن علوان حيث قال عنه النجاشي في ترجمته: ( الحسين بن علوان الكلبي عامي وأخوه الحسن يكنى أبا محمد ثقة )، وحيث يحتمل أنَّ كلمة ( ثقة ) الواردة في الترجمة راجعة إلى أخ الحسين بن علوان وليست راجعة إلى الحسين بن علوان الكلبي فلا يمكن حينئذٍ اثبات وثقاته من خلالها وهذه قضية استظهارية، فمن استظهر بنحو الجزم رجوعها إلى الحسين بن علوان ثبتت وثاقته وإلا فلا، ولكن يمكن أن يقال يوجد في العبارة اجمال في رجوع كلمة ( ثقة ) إلى أيّ واحدٍ منهما بنحو الجزم فحينئذٍ تصير وثاقة الحسين بن علوان محل تأمل.

والنتيجة من كل ما ذكرنا: - لا بأس بالمس والنظر إلى بدن المحارم، وأما لمسّ غير المحارم فبما أننا لم نحصل على رواية معتبرة دلالة وسنداً في ذلك فالمناسب هو الاحتياط الوجوبي.

قضايا جانبية[3] :-

القضية الأولى: - حكم لمس العورة من رواء الثياب مع عدم الحاجة العقلائية ومن دون شهوة.

المناسب هو الجواز؛ إذ لا دليل على الحرمة، نعم الدليل قد دل على حرمة النظر إلى العورة وبالأولوية يحرم المسّ المباشر دون المسّ من وراء الثياب فإنه لا دليل على حرمته، وعليه فالمناسب اجراء البراءة، ولكن بما أنَّ ذلك قد يؤدي إلى ما يحمد عقباه فحينئذٍ يصار إلى الاحتياط في اجتنابه.

القضية الثانية: - حكم لمس البواطن.

هذه المسألة محل ابتلاء عند الأطباء أحياناً كطبيب الاسنان، فهل يجوز ذلك أو لا؟

الجواب: - إذا لم نجوّز النظر إلى البواطن فالمناسب هو حرمة المس بالأولوية، وإذا لم نقل بالأولوية فلا أقل من كون المناسب هو الحرمة، وأما إذا قلنا بأنّ دليل حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية قاصر عن شمول النظر إلى البواطن - وهذا ليس ببعيد - فحينئذٍ يجوز المس أيضاً، وهكذا الكلام إذا فتحت بطن المرأة الأجنبية وأراد الطبيب مسّ احشائها الداخلية فإنه يجوز ذلك، فالمناسب بعد عدم حرمة النظر إلى البواطن للقصور في المقتضي فإنَّ حرمة النظر إلى المرأة الأجنبية هو بمعنى النظر إلى وجهها وكفيها ويديها لا النظر إلى البواطن كباطن الفم أو البطن فإنَّ دليل الحرمة منصرف عن مثل هذا وحينئذٍ تجرى البراءة فيجوز النظر ويجوز المس أيضاً ولا محذور في ذلك.

القضية الثالثة: - هل يجوز التمكين من مسّ العورة؟

كما لو أراد الطبيب مسّ العورة فهل يلزم على المريض أن يدافع عن عورته ويرفض مسّها؟ قد يقال يجب عليه الدفاع عن مسّها وذلك لقوله تعالى: ﴿ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ﴾ فعليه أن يدافع ويمانع عن مسّها لأنَّ الآية الكريمة أمرت بحفظ الفرج وهذا فيه اطلاق يشمل حفظ العورة عن الزنا وعن غيره فيشمل حتى مسّ الطبيب لها.

ولكن في الجواب نقول: - إذا كان المريض أو المريضة بحاجة ماسّة إلى العلاج في العورة لا يحتمل أنَّ الإسلام يمنع من ذلك ويقول للمريض عليك أن تمنع الطبيب من مسّ عورتك وإن لزم الضرر حتى وإن أدى إلى الموت، وعليه فحتى لو كانت توجد آية أو رواية تقول بعدم الجواز ولكن يلزم أن نخصصها في مثل هذه الحالات ونقول إذا فرض مثلاً توقف حياة المريض على نظر الطبيب ومسَّه للعورة فلا بأس بذلك.


[2] عن ابي الجوزاء عن المنبه بن عبد الله عن الحسين بن عبد الله ... الخ فهذا السند مشترك في هذه القطعة.
[3] وهذه القضايا لم يتعرض لهن السيد الماتن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo