< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 1233 ) ما الذي يجب على المرأة ستره من بدنها - الفصل الأول – كتاب النكاح

 

وبعد وضوح امكان المناقشة في الوجهين السابقين لاثبات وجوب ستر المرأة جميع بدنها عن غير الزوج والمحارم الأجدر التمسك بالوجوه التالية:-

الوجه الاول:- آية القواعد، وهي قوله تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1]

وتقريب بدلالتها على المطلوب هو أنها قالت إنَّ القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً يجوز لهن أن يضعن ثيابهن أي لا تغطين رؤوسهن ولكن لا يتبرجن ويظهرن أكثر من هذا المقدار، فالمرأة القاعد يجوز لها أن ترفع ما على رأسها أو يديها وبالمفهوم نستفيد منها أنَّ غير القواعد من النساء يلزمهن أن يبقين ثيابهن على رؤوسهن وابدانهن أي يلزم أن يسترنه، وهذا هو المطلوب.

إن قلت:- إنَّ هذا تمسك بمفهوم اللقب - وهو في مقامنا كملة ( القواعد ) - والحال أنَّ الوصف وأجدر منه اللقب لا مفهوم لهما، مثل ( زيد جاء ) أو ( جاء زيد ) ، فإنَّ ( جاء زيد ) لا يدل على أنه لا يأكل، فهو لا ينفي الاوصاف الاخرى غير المجيء، وهكذا ذكر زيد لا يدل على أنَّ غيره لم يأتِ، فالركن في الكلام عادةً يكون هو المبتدأ والخير أو الفعل والفاعل وهما عادةً يكونان من اللقب واللقب ليس له مفهوم فكيف تمسكت هنا بمفهوم اللقب والحال أنه لا مفهوم له؟

قلت:- إنَّ هذا صحيح ولكن هذا لا يعني أن اللقب لا يثبت له المفهوم أبداً، بل يمكن أن يستفاد منه المفهوم لأجل بعض القرائن، وحيث إنَّ الآية الكريمة تريد أن تبين حكماً شرعياً وأنه من الذي يجوز له أن يضع الثياب عن رأسه فذكر القواعد يدل على أنَّ هذا الحكم خاص بالقواعد أما غيرهن فلا يشمله هذا الحكم، هكذا قل.

أو قل:- لا يبنغي للفقيه أن تقيده الصناعة، بل لابد وأن يسير وراء ما يفهمه ويستفيده من النص سواء وافق القواعد الاصولية أم لم يوافقها، وهنا إذا قرأ الانسان العادي الآية الكريمة فسوف يفهم منها أنَّ هذا الحكم خاص بالقواعد من النساء، وهذا فهم عرفي موجودٌ فنأخذ به وليس المهم أن يوافق الصناعة أو لم يوافقها، نعم نحن لآن نريد أن نرفع هذا التدافع بين الصناعة وبين الفهم العرفي وقد رفعناه بأن قلنا إنَّ الآية الكريمة واردة في مقام تحديد من يجوز له وضع الثياب فورودها في مقام التحديد يكون قرينة على أنَّ هذا الحكم خاص بالقواعد من النساء دون غيرهن.

وهذه نكتة مهمة:- وهي أنه لا ينبغي للفقيه أن تقيده الصناعة بل عليه أن يسير وراء ما يفهمه من النص ثم يحاول بعد ذلك أن يلائم بين الصناعة وبين ما يفهمه من النص، فإنه أمكنه الملائمة بينهما فبها وإلا فعليه أن يطرح الصناعة ويأخذ بما نفهمه من النص.

الوجه الثاني:- ما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد قال:- ( سمعت جعفراً وسئل عما تظهر المرأة من زينتها؟ قال:- الوجه والكفين)[2] .

ودلالتها على المطلوب واضحة لا تحتاج إلى تقريب، فإنَّ السائل سأل الامام عليه السلام عن المقدار الذي يجوز للمرأة اظهاره فقال له ( الوجه والكفين) فنفهم من ذلك أنَّ غير هذا المقدار لا يجوز اظهاره.

الوجه الثالث:- معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج، وهي ما رواه محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان وعن أبي علي الاشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعاً عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:- ( سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رسأها ممن ليس بينها وبينه محرم ومتى يجب عليها أن تقنّع رأسها للصلاة؟ قال:- لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة )[3]

وهي قد دلت على أنَّ عليها أن تغطي رأسها عن غير المحرم عند بلوغها وأما الوجه فيجوز لها ابرازه.

الوجه الرابع:- معتبرة الفضيل بن يسار، وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل عن الفضيل قال:- (سألت أبا عبد الله عليه لاسلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال الله " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن " ؟ قال:- نعم وما دون الخمار[4] من الزينة وما دون السوارين[5] )[6] ، ودلالتها واضحة.

ولعله توجد روايات اخرى وما ذكرناه ليس من باب الحصر، وعليه فلزوم ستر المرأة لجميع بدنها - ما عدى الوجه والكفين - مضافاً إلى أنه من ضروريات الاسلام يمكن أن يستند في اثباته إلى هذه الروايات.

وهنا سؤال:- وهو أنه إذا فرض وجود حاجة عقلائية لابراز المرأة شيئاً من هذه المواضع كما لو فرض أنها احتاجت إلى زرق ابرة في الساعد أو العضد أو ما شاكل ذلك فهل يجوز لها الابراز أمام الرجل الاجنبي عند عدم وجود امرأة تقوم بذلك العمل – لأنه مع وجود المرأة لا يجوز لها الابراز أمام الرجل الاجنبي - أو لا يجوز لها ذلك؟

الجواب: لا يبعد جوازه، فإنَّ الروايات المتقدمة وإن كانت دالة على وجوب ستر هذه المواضع إلا أنه لا اطلاق فيها لحالة الحاجة العقلائية للابراز، فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية وإنما هي في مقام بيان ما الذي يجب على المرأة ستره من البدن مطلقاً، ومعه نحكم بالجواز في حالة الحاجة العقلائية للإبراز تمكساً بأصل البراءة.


[4] ما دون الخمار يعني ما تحت الخمار وهو الشعر والرقبة.
[5] ما دون السوارين يعني ما تحت السوارين يعني الساعد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo