< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: وجوه أخرى لاثبات وجوب ستر المرأة بدنها، مسألة ( 1233 ) ما الذي يجب على المرأة ستره من بدنها - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

الحكم الثاني: يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها مع فرض تلذذ الطرف المقابل الذي ينظر إليها ولو كان من المحارم، فلا يحل ابرازهما أمام الغير إلا الزوج فقط.

وقد ادعى صاحب الجواهر(قده) عدم الاشكال والخلاف فيه[1] ، كما ادعى الشيخ الاعظم(قده) الاجماع عليه[2] .

وقد يستدل لهذا الحكم بقوله تعالى:- ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾[3] ، حيث تمسك بها السيد اليزدي(قده)[4] لاثبات حرمة اِسماع صوت المرأة للغير إذا كان مهيجاً للسامع بسبب تحسينه وترقيقه.

وقال السيد الحكيم(قده):- (إنَّ ظاهر صدرها أنه حكم يختص بنساء النبي فالبناء على التحريم في غيرهن غير ظاهر)[5]

ويمكن التعليق على ما ذكره السيد الحكيم(قده) بما حالصه:- إنَّ الآية الكريمة قالت ﴿إن اتقيتن﴾ ومعنى ذلك أنَّ التقوى تقتضي عدم الخضوع بالقول ونساء النبي قد ذكرن من باب التنبيه لا من باب الخصوصية، يعني إن كنتن متّقيات فالتقوى تقتضي عدم الخضوع بالقول، وعليه فيصير الحكم عاماً وليس مختصاً بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهل يمكن التمسك بهذه الآية الكريمة لاثبات وجوب ستر المرأة لوجهها حتى عن المحارم إذا كان الناظر إليها يتلذذ بنظره؟

الجواب:- تارةً تفعل المرأة اشياء تهيّج من خلالها الطرف المقابل - كالحركات المثيرة وما شاكل ذلك - وأخرى تبرز وجهها فقط من دون أن تفعل شيئاً آخر ولكنها جميلة فيتهيج الناظر إليها بسبب جملها، فإن فعلت ما يهيج الطرف الآخر فحينئذٍ لا بأس بالتمسك بالاية الكريمة لاثبات الحرمة، فإنَّ الآية الكريمة ذكرت أنَّ التقوى الصادقة تقتضي عدم الخضوع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وبالتالي ينبغي أن لا تتصرف المرأة تصرفات توجب هيجان الطرف المقابل، وأما إذا فرض أنها لم تفعل ما يوجب تهيج الطرف الآخر وإنما كانت جميلة والطرف الآخر يتهيج لجماها فالتمسك بالآية الكريمة لعدم جواز ابراز وجهها وكفيها ولزوم سترهما أو الذهاب إلى مكان آخر كي لا ينظر إليها الطرف الآخر لا يمكن استفادته من الآية الكريمة فإنها خاصة بما إذا فعلت المرأة ما يوجب تهيج الطرف الآخر.

الوجه الثاني:- التمسك بقوله تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[6] ، بتقريب إنَّ تحقق العلم بما يخفين من الزينة هو بنفسه لا يحتمل حرمته بل لأنه يستتبع اثارة الشهوة فيفهم من ذلك أنَّ كل ما يثير شهوة الطرف المقابل - كالتعطّر بالعطور أو لبس الملابس المثيرة - لا يجوز بمقتضى هذه الآية الكريمة.

والجواب هو الجواب:- فإنَّ الآية الكريمة ناظرة إلى حالة ما إذاكانت المرأة تصنع شيئاً يثير الطرف المقابل، وأما إذا لم تصنع ذلك ولكن الطرف المقابل كان يتهيج مع فرض أنها لم تبرز إلا وجهها من دون أن تزينه بشيءٍ آخر فحينئذٍ لا يمكن اثبات لزوم ستر الوجه من خلالها.

الوجه الثالث: ما تمسك به السيد الحيكم(قده)[7] ، وحاصله هو التمسك بارتكاز المتشرعة على حرمة كل ما يثير الطرف الآخر.

إن قلت: ما هو وجه حجية هذا الارتكاز؟

قلت: إنَّ هذا الارتكاز الثابت في اذهان المتشرعة أجمع لابد وأن يكون له منشأ وإلا لزم صدور المعلول من دون علَّة، وعليه فلابد وأن يكون قد تلقاه هذا الجيل من الجيل السابق والجيل السابق تلقاه من الجيل السابق عليه ... وهكذا حتى نصل إلى عصر حضور المعصوم عليه السلام فتلقي ذلك الارتكاز من اصحاب الائمة وهم بدورهم تلقوه من الائمة عليهم السلام فتثبت حجيته.

وفي الجواب عن هذا الارتكاز نقول: نحن نسلَّم بهذا الارتكاز في حالة ما إذا فعلت المرأة شيئاً يثير الطرف المقابل، وأما إذا فرض أنها لم تفعل ذلك بل كانت مبرزة لوجهها وكفيها مع الحشمة ففي مثل هذه الحالة لا يوجد مثل هذا الارتكاز المشترعي، وعليه فما ذكره خارج عن المدّعى فإنَّ مدّعانا هو حالة ما إذا فرض أنَّ المرأة لم تفعل شيئاً يثير الطرف المقابل وأما إذا فعلت ما يثير الطرف المقابل فنحن نوافقه على هذا الارتكاز.

الوجه الرابع: أن يقال نحن لا نحتمل في حق الشريعة الاسلامية أن تجوّز عدم ستر المرأة لوجهها وكفيها إذا كان يوجب اثارة الطرف المقابل.

والجواب: صحيح أننا لا نحتمل من الشريعة أن تجوز ذلك ولكن مادامت المرأة لم تصنع شيئاً يثير الطرف المقابل فحينئذٍ يلزم على الطرف المقابل أن يغض بصره عنها أو الذهاب إلى مكان آخر كي لا يقع في مذحور النظر المحرم. فإذاً الشريعة المقدسة حلّت المشكلة من طريق لزوم غض البصر من قبل الرجل أو ذهابه إلى مكان آخر فإنَّ المرأة لم تصنع شيئاً يكون موجباً للزوم سترها لوججها.

وعلى هذا الاساس اتضح أنَّ جميع هذه المستندات المذكورة لا تصلح وجهاً لاثبات وجوب ستر المرأة لوجهها وكفيها في حال كونهالم تفعل شيئاً يثير الطرف الآخر، وعليه فلا يجب عليها سترهما أو مغادرة المكان بل يجب على الرجل غض البصر أو مغادرة المكان لئلا يقع في المحذور، وبهذا خالفنا السيد الماتن(قده).


[2] تراث الشيخ الانصاري ( كتاب النكاح )، الشيخ الانصاري، ص53.
[5] المستمسك في شرح العروة الوثقى، السيد الحكيم، ج14، ص49.
[7] المستمسك في شرح العروة الوثقى، السيد الحكيم، ج14، ص30، 41، 42، 49.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo