< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 1234 ) هل يجوز سماع صوت الاجنبية من دون تلذذ أو لا؟ - الفصل الأول – كتاب النكاح.

 

الأدلة على عدم جواز سماع صوت الاجنبية:- وهي ثلاثة:-

الدليل الاول:- إنَّ صوت المرأة عورة، فإذا كان عورة كيف يجوز سماعه؟!!

ومناقشته واضحة حيث يقال:- إنَّ كون صوت المرأة عورة هو مجرد دعوى لا دليل عليها، نعم الموجود عندنا هو أنه لا يجوز النظر إلى العورة، أما أنَّ صوت المرأة عورة ولا يجوز سماعه فهذا لم يثبت بدليل.

الدليل الثاني:- موثقة مسعدة بن صدقة، وهي ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن أبيه عن هاورن بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام:- (قال أمير المؤمنين عليه السلام:- لا تبدأوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال: النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكووت واستروا عوراتهن بالبيوت)[1] .

ولعل مدرك من قال بأنَّ صوتها عورة هو هذه الرواية، ولكنها تدل على أنَّ نفس النساء عورة لا أن صوتهن عورة.

ولكن يمكن أن يقال في جواب الموثقة:- إنَّه لا يمكن أن يستفاد من هذه الموثقة حرمة الحديث مع النساء الاجنبيات فأنها قالت: ( استروا عيَّهن بالسكوت واستروا عوراتهن بالبيوت ) فهي تحبّذ أنَّه على السناء مهما أمكن أن يجلسن في البيوت ويسكتن أما أنه لا يجوز للرجل الاجنبي أن يتكلم معهن من دون تلذذٍ فلا تدل عليه.

الدليل الثالث:- معتبرة غياث بن ابراهيم، وهي ما رواه محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن يحيى عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- ( لا تسلّم على المرأة )[2] .

وفي الجواب عنها نقول:-

أولاً:- إنَّ غاية ما تدل عليه أنَّ المناسب هو أن لا تسلموا على النساء، فإنه لا معنى لأن يسير الرجل في الشارع أو الزقاق ويسلم على المرأة، وهذه قضية عقلائية وعرفية، ولذلك لو سلَّم الرجل على المرأة في الشارع أو الزقاق فسوف يعاب عليه ذلك، أما أنه لا يجوز سماع صوتها فلا تدل عليه.

ثانياً:- توجد روايات أخرى تدل على جواز الحديث معهن، وهي ثلاثة:-

الرواية الاولى:- معتبرة ربيع بن عبد الله، حيث ورد فيها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام كانا يسلَّمان على النساء، وهي ما رواه علي بن ابراهيم عن أبيه عن حماد عن عيسى عن ربيع بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( كان رسول الله صلى اله عليه وآله يسلم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء وكان يكره أن يسلّم على الشابة منهن ويقول أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليَّ أكثر مما طلبت من الأجر )[3] .

وهي دلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمين عليه السلام كانا يسلمان على النساء ولازمه أنهنَّ يُجِبنَ وهما يسمعان أصواتهن وهذا يدل على أنه لا بأس بسماع صوت الاجنبية.

الرواية الثانية:- ما رواه علي بن الحسين بإسناد عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سأله عن النساء كيف يسلّمن إذا دخلن على القوم؟ قال:- المرأة تقول عليكم السلام والرجل يقول السلام عليكم )[4] .

فهي دلت على جواز سلام النساء على الرجال ولكن الصيغة المناسبة لسلامهن أن يقلن ( وعليكم السلام ) ولكن هذه قضية ثانية.

الرواية الثالثة:- ما رواه محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن الوشاء عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال:- ( كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه فقال أبو عبد الله عليه السلام:- أيسرك أن تسمع كلامها؟ قال فقلت:- نعم، قال:- فأذن لها، قال:- وأجلسني معه على الطنفسة[5] ، قال:- ثم دخلتْ فتكلَّمتْ فإذا هي امرأة بليغة، سألته عنهما .... )، فقد يتمسك بها لاثبات جواز سماع صوت المرأة الاجنبية.

ولكن نقول:- قد يتأمل في التمسك بهذه الرواية لاثبات الجواز لاحتمال أنَّ أم خالد كانت امرأة كبيرة ونحن كلامنا في المرأة الشابة، أو على الاقل نقول إنَّ هذه الرواية أخصّ من المدّعى إذ غاية ما تدل عليه هو جواز سماع صوت المرأة الكبيرة لا الشابة.

والنتيجة من كل هذا:- إنَّ الروايات في هذا المجال متعارضة، فإن قلنا بامكان الجمع بينها فسوف تحمل الروايات المانعة على الكراهة، وإن قطعنا النظر عن ذلك فسوف تتعارضان وتتساقطان ونرجع إلى الاصل وهو يقتضي البراءة، هذا كله إذا غضضنا النظر عن الكتاب الكريم وعن دليلٍ آخر وإلا فلا حاجة إلى الاصل.

ولكن دلَّ الكتاب الكريم على جواز سماع صوت المرأة الاجنبية:- وذلك في قوله تعالى:- ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾[6] ، فالآية الكريمة خاطبت نساء النبي صلى الله عليه وآله وقالت ﴿ لستنَّ كأحدٍ من النساء ﴾ يعني لابد وأن يكون عندكنَّ آداباً زائدةً منها عدم الخضوع بالقول، فهي نهت عن الخضوع بالكلام فإنه غير جائز فيفهم من ذلك عرفاً أنَّ أصل الكلام لا مانع منه، وعليه فهذا معناه أنه يجوز الحديث مع نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن بكلامٍ يكون مضمونه معروفاً وليس منكراً، ولا تقل إنَّ هذا الحكم خاص بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنَّ هذا الاحتمال غير موجود، بل نقول إذا جاز سماع صوت نساء النبي جاز سماع صوت غيرهن بالأولية إنَّ لم مساوياً له.

كما يوجد دليل ثالث على الجواز غير الكتاب الكريم والأصل:- وهو أن يقال إنَّ مسألة حديث الرجال مع النساء وبالعكس مسألة ابتلائية فإنَّ هذه حالة متداولة على طول الزمان ولا نحتمل أنها وجدت في زماننا ولم تكن موجودة في الزمن السابق، إذ لو كانت الحالة السابقة هي عدم التحدث مع النساء الاجنبيات ثم تحولت إلى حالة التحدث معهن لكانت ظاهره تستدعي النقل والتنبيه، فعدم نقل التاريخ لها يدل على الظاهرة المتداولة عندنا هي نفسها متداولة في الزمان السابق وهذا يكشف عن أنَّ ذلك قد تلقي جيلاً عن جيل فيورث الاطمئنان للفقيه بكون الحكم هو الجواز.


[5] الطنفسة:- هي نوع من البساط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo