< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

45/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة ( 1237 ) عدم ثبوت ولاية الابوين على الابن البالغ والبنت الثيب وثبوتها على البنت الباكر

الفصل الثاني: في اولياء العقد/ كتاب النكاح.

ذكر السيد الخوئي(قده) في علاج هذا التعارض:- أنَّ الطائفة الثانية التي تجعل المدار على رضا البنت هي المقدمة وذلك لوجود مرجحين لها على الاخرى أولهما موافقة الكتاب الكريم - ولكنه لم يبين كيف ذلك ولعله لم يبين ذلك لوضوح المطلب - فتكون هذه الطائفة هي المقدمة لأنها موافقة للكتاب الكريم، وثانيهما مخالفة القوم حيث نسب إلى الشافعي وأحمد ومالك القول باستقلال الأب فتكون الطائفة الثانية مخالفة لما عليه الجمهور وبذلك تتقدم على الطائفة الأولى فيكون المدار على رضا البنت غايته أنه من باب كون القضية مهمة فلابد من الاحتياط في اعتبار إذن الأب أيضاً ولذلك احتاط السيد الماتن في اعتبار موافقة الأب وأما القواعد فهي تقتضي كون المدار على اعتبار رضا البنت فقط.

وكيف يكون الكتاب الكريم موافقاً للطائفة الثانية؟

والجواب:- لعل السيد المان يقصد بعض الآيات الكريمة، من قبيل قوله تعالى:- ﴿وإن خفتم أن لا تقسطوا في التامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدولوا فواحدة﴾[1] ، فإنها قالت إن خفتم أن لا تقسطوا في يتامى النساء فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع والمقصود من النساء هنا النساء اللواتي لهنَّ آباء والآية الكريمة مطلقة ولم تقيد بلزوم إذن آبائهن، وعلى هذا تكون الطائفة الثانية متوافقة مع اطلاق هذه الآية الكريمة، ومن قبيل قوله تعالى:- ﴿وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم﴾[2] فإنها قالت ﴿وأنكحوا الايامى﴾ والأيم هي المرأة التي لا زوج لها، وهي لم تقل بشرط إذن آبائهن وإنما هي مطلقة من هذه الناحية ومقتضى اطلاقها كفاية إذن الأيم فقط وهي المرأة فقط دون أبيها.

ومن قبيل قوله تعالى:- ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ... ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن اجورهن ﴾[3] فإنها مطلقة أيضاً ولم تشترط إذن الآباء.

كما يمكن التمسك بقوله تعالى:- ﴿أوفوا بالعقود﴾ فإنَّ لها اطلاق واسع جداً يشمل عقد النكاح أيضاً، وهي لم تقل أفوا بالعقود بشرط كذا، فلو فرض أنَّ المرأة قالت للرجل زوجتكك نفسي على مهر كذا وقبل الرجل بذلك صدق العقد آنذاك فيشمله اطلاق هذه الاية الكريمة فإنها لم تقل أوفوا بالعقود بشرط كذا الذي منه إذن الأب.

وبناءً على هذا يكون المدار على ما تقتضيه الطائفة الثانية ولكن الاحتياط في اعتبار إذن الأب حسنٌ لأنَّ القضية قضية فروج فالأحوط اعتبار إذنه أيضاً.

وفي التعليق على ما ذكره نقول:- لعلنا لا نحتاج إلى كل هذا لاتطويل بل قبل أن تصل النوبة إلى المعارضة بين الروايات يمكن أن نقول إنَّ المدار على إذن الاثنين معاً، والوجه في ذلك: إنَّ جعل المدار على إذن الأب فقط قد يشتمل على مضار كثيرة على البنت؛ إذ قد يزوجها الأب رغم عدم رضاها من شخص كبير السن لأجل ثروته الكثيرة كي يحصل من خلال بنته على تلك الثروة فلو قلنا بكون المدار على إذن الأب فقط فسوف يجبرها على هذا الزواج فتتضرر، بل لا نحتاج إلى فرض كون الزوج شيخاً كبيراً بل حتى لو كان شاباً لكن منظره لم يعجبها فلو كان الإذن منحصراً بالأب فقط فسوف تتضرر هذه البنت، بل حتى لو كان شاباً جميلاًك ولنها لا تتتلاءم معه نفسياً فإذا اعطي الزمام بيد الأب وحده فسوف يترتب على هذا نتائج مضرّة والالتزام بذلك شيء صعب إذ لا نحتمل في حق الاسلام أن يجبر البنت على الزواج من رجل يريده الأب زعم أنها لا تتوافق معه نفسياً ولا تكون سعيدة معه، وعلى هذا الاساس فلابد من اعتبار إذن البنت وإلا يلزم ما ذكرناه من محاذير، كما لا يصح اعطاء زمام الأمر بيد البنت فقط دون ضم إذن الأب إليه فإنَّ في ذلك مخاطر كثيرة؛ إذ اقد لا تعرف البنت مصالحها بشكل كامل، وعليه فلابد وأن يكون للأب جنبة اشراف على تزويجها؛ إذ لعلها تختار رجلاً يشرب الخمر أو يلعب القمار أو ما شاكل ذلك فيأمرها بخلع حجابها مثلاً ويخرجها سافرة أمام الاجانب أو ما شاكل ذلك، فنحن لا نحتمل في حق الاسلام أن يكون الأمر منوطاً بموافقة الأب فقط كما لا نحتمل أن يكون الأمر منوطاً بموافقة البنت فقط من دون إذن ابيها وإنما الطريقة المثلى هي اعتبار موافقة الطرفين، فيكون لها حظ كما اشارت إلى ذلك بعض الروايات كمعتبرة صفوان حيث قالت:- ( استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال:- افعل ويكون ذلك برضاها فإن لها في نفسها نصيباً، قال:- واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج بانته علي بن جعفر فقال:- افعل ويكون ذلك برضاها فإن لها في نفسا حظاً )، فإنَّ المستفاد منها أنَّ المدار ليس على إذن الأب فقط ولا على إذن البنت فقط بل لابد من ضم إذنهما معاً، وهذا قد ذكرناه من باب المؤيد وإلا فالمناسب هو ما ذكرناه من دون أن تصل النوبة إلى اعمال المرجّحات كما صنع السيد الخوئي(قده).

ولعل هذه الطريقة التي بيناها لم تكن معهودة سابقاً، إذ سابقاً كان المدار في الترجيح يصير على موافقة الكتاب ومخالفة القوم وأما هنا فنقول يوجد عندنا شيء آخر من الخارج وهو أننا لا نحتمل أنَّ الاسلام يرضى بتضرر البنت، فلا نحتمل إنه يعطي زمام الأمر بيد الأب فقط لما قد يترتب عليه من مضار على البنت كما ولا نحتمل أنه يعطي زمام الأمر بيد البنت فقط لما فيه من المضار عليها أيضاًوإنما لابد من توافق الاثنين معاً، وهذه هي الطريقة العقلائية فنجمع بذلك بين هذه الروايات المتعارضة، فنحمل الطائفة التي اعتبرت إذن أبيها على أنَّ إذنه معتبر مع إذنها لا أنه هو المعتبر فقط ولو من دون إذنها، ونحمل الطائفة الثانية على اعتبار إذنها منضماً إلى إذن أبيها لا على إذنها فقط، وشاهد هذا الجمع هو معتبرة صفوان، ولكن نقول: بمكن اثبات هذا الحكم - وهو اعتبار إذنهما معاً -بقطع النظر عن معتبرة صفوان وذلك لأنَّ الاقتصار على إذن الأب فقط ليس عقلائياً كما أنَّ الاقتصار على إذن البنت فقط ليس عقلائياً أيضاً وعليه فلابد من الجمع بين إذنيهما.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo