< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

المورد الرابع: - الفروج والدماء والأموال فإنَّ المعروف بين الفقهاء أنها مورد اهتمام الشرع المقدس، فأصل البراءة لا يجري حتى مع كون الشبهة موضوعية، كما لو فرض أنَّ الانسان دخل إلى داره لا يدري أنَّ هذه المرأة النائمة هي زوجته أو لا، فإذا كانت زوجته فيمكن النظر إليها إن كانت أجنبية فلا يجوز النظر إليها، فهل يمكن لهذا الرجل أن يجري البراءة فيقول ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) وهذه شبهة موضوعية، فإنَّ الحكم الكلي معلوم ولكن الكلام في الموضوع وأنَّ هذه المرأة هل هي مصداق للزوجة أو هي مصداق للأجنبية، فهنا شك في الحرمة والحلية والشبهة موضوعية فيجري أصل البراءة، فيجوز النظر، فهل يصح ذلك؟ كلا، بل استثني ذلك، وهذا ما يعبر عنه بالاحتياط في الفروج من نظر وغير ذلك بلحاظ المرأة المشكوكة، ومن الواضح أنَّ هذا إذا لم يرد الفحص، أما إذا فحص فسوف يعرف أنها إما زوجته أو هي أجنبية فارتفعت المشكل من الأساس، وإنما كلامنا في الشبهة الموضوعية وأنه لا يجب الفحص فهو لا يفحص ويطبق ( كل شيء لك حلال )، فهل يجوز هذا أو لا فالمعروف أنه لا يجوز بل يجب الاحتياط في باب الفروج والدماء، وكما لو وجدت شخصاً نائماً ولكني لا أعلم أنه فلان القاتل حتى اقتص منه وأقتله أو ليس هو القاتل فلا يجوز قتله، فهل يجوز أن أجري البراءة عن حرمة قتله من دون فحص؟ كلا بل الدماء هو مورد الاحتياط، فيحب الاحتياط في الفروج والماء والأموال، كما لو رأيت ظرفاً فيه فواكه مثلاً ولا أعلم هل هو لجارنا أو لنا فهل استطيع أن أقول من دون فحص ( كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) وآكل منه؟ كلا لا يجوز ذلك بل يحب الاحتياط.

هذه ثلاث موارد يجب فيها الاحتياط، وهذا معروف عند الفقهاء، فحتى لو كانت الشبهة موضوعية لا يجوز اجراء أصل الحل أو أصل البراءة من دون فحص.

والجواب: - نعم نحن أيضاً نوافق على ذلك ولكن لا من باب أن هذه موارد مستثناة من أصالة الحل كما قد توحي به بعض كلمات الفقهاء - وهي الاهتمام بالفروج والدماء والأموال - بل هذا على طبق القاعدة لا لأمرٍ تعبّدي، بل بقطع النظر عن فكرة الاهتمام هذا الحكم على طبق القاعدة فأصل الحل لا يجري، والوجه في ذلك هو إما أن نبني على القاعدة النائينية أو لا نبني عليها.

فإنَّ بنينا على القاعدة النائينية:- فالأمر واضح، فإنَّ الشيخ النائيني(قده) ذكر قاعدة وحاصلها إذا فرض أنه كان يوجد عندنا حكم إلزامي واستثني منه حكم ترخيصي وقد تعلّق الحكم الترخيصي بعنوان وجودي فهنا لا يمكن تطبيق الرخصة، فلو فرض أنَّ المولى قال ( لا تنظر إلى المرأة إلا إذا كانت وزجتك أو أختك أو أمك )، فهذا حكم إلزامي وهذه العناوين المستثناة عناوين وجودية، فهذا حكم إلزامي استثني منه الرخصة وهي ( إلا إذا كان كذا فيجوز )، وقد تعلّق هذا الاستثناء والرخصة بعنوان وجودي فإنَّ الزوجة عنوان وجودي وهكذا الأم والأخت، فهنا ادّعى الشيخ النائيني(قده) بأنه يجب الاحتياط ولا تثبت الرخصة، هذه قاعدة ذكرها الشيخ النائيني (قده)[1] وهو قال إذا كان لدينا حكم إلزامي استثني منه حكم ترخصي وتعلّق الحكم الترخيصي بعنوان وجودي فلا تثبت الرخصة لدى العقلاء والعرف بل نطبّق الحكم الالزامي، فهو ادّعى قاعدة عقلائية عرفية.

وإن لم نبنِ على القاعدة النائينية: - فالمناسب أننا نحن والقاعدة، وهي تقتضي عدم جواز النظر، لأنَّه بالتالي سوف أشك بأنَّ هذه المرأة النائمة هي زوجتي أو ليست زوجتي فأصل البراءة لا يجري لوجود أصل حاكم، لأنه قبل زواجي لم تكن هذه المرأة زوجتي وأشك بعد ذلك هل صارت زوجتي أو لا فأستصحب عدم تحقق الزوجية معها، فبالاستصحاب الموضوعي أنفي تحقق عنوان الزوجية بيني وبينها، ومع وجود الأصل الموضوعي النافي للزوجية لا تصل النوبة إلى أصالة الحل والبراءة، فالحكم يكون على طبق القاعدة من دون الحاجة إلى القاعدة النائينية.وهكذا بالنسبة إلى المورد الثاني وهو الداء، فأما لا أعلم أنَّ هذا الخص قاتل أو لا فأستصحب عدم كونه قاتلاً فهو قبل تحقق القتل لم يكن هذا الشخص قاتلاً وإلا أنشك في كونه قاتلاً فأستصحب عدم كونه قاتلاً، وهذا الاستصحاب موضوعياً ينفي كون هذا الشخص هو القاتل ومع وجود الاستصحاب الموضوعي لا يجري الأصل الحكمي وهو أصل البراءة والاباحة لوجود الحاكم وهو الأصل الموضوعي.وفي المثال الثالث الأمر هكذا، فإنَّ هذا الطعام الموجود لم يكن ملكا لي قبل شهر مثلاً والآن أشك هل صار ملكا لي أو لا فأستصحب عدم الملكية، ولا تصل النوبة إلى أصالة البراءة، فلا يجوز تناوله لوجود الأصل الموضوعي.إذاً اتضح أنَّ هذا المورد لا يمكن عدّه استثناءً من أصلة البراءة في الشبهة الموضوعية، يعني لا نستطيع أن نقول إنَّ أصل البراءة يجري في الشبهة الموضوعية من دون حاجة إلى الفحص إلا في ثلاثة موارد، وإنما نقول إنَّ هذا ليس استثناءً، لأنَّ أصل الحل لا يجري مع وجود أصل موضوعي حاكم، وهذا من القواعد الأوّلية التي يقول بها الكل، وفي هذه الموارد يوجد أصل موضوعي حاكم، ومع وجود الأصل الموضوعي الحاكم لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي وهو أصل البراءة لحكومة الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي، فهذا المورد لا ينبغي عدّه استثناءً.

ونذكر مطلباً يرتبط بالقاعدة النائينية:- وهو أنَّ القاعدة النائينية على ما سمعناه من السيد الشهيد(قده) هي أنه إذا كان هناك حكم إلزامي أو ملزوم لحكمٍ إلزامي وقد استثني منه حكم ترخيصي معلق على عنوان وجودي فلا يمكن تطبيق الحكم بالرخصة بل لابد من الأخذ بالحكم الإلزامي، والحكم الالزامي قد عرفناه وهو أنه لا يجوز النظر إلى المرأة إلا إذا كانت زوجتك فأنت مرخّص في النظر إليها، فالرخصة هنا تعلقت بعنوان وجودي، فلو شككت فلا يمكن أن تتمسك بالحكم بالرخصة بل لابد أن تتمسك بالاحتياط وذلك للعرف والعقلاء، وأما الملزوم للحكم الالزامي فإنه في بعض الأحيان الحكم ليس إلزامياً ولكنه علّة لحكمٍ إلزامي، والحكم الالزامي مثل النجاسة فنقول إنَّ الدم نجس والنجاسة ليست حكماً إلزامياً ولكنها ملزوم يعني حكم علّة لحكم إلزامي وهي وجوب الاجتناب، فهي ملزوم لحكم إلزامي، فهو إما أن يكون حكماً إلزامياً - بالتحريم مثلاً - أو ملزوم لحكم إلزامي استثني منه حكم ترخيصي تعلق بعنوان وجودي فهنا إذا شككنا في العنوان الوجودي فلابد من الاحتياط ولا يجوز الحكم بالرخصة.

ولكن من خلال المراجعات وجدت للشيخ النائيني(قده) يقول في تعليقة له على العروة الوثقى في كتاب النكاح[2] في ( مسألة:- إذا شك الشخص في أنَّ هذه المرأة زوجة أو ليست بزوجة أو أنها أخت أو ليست بأخت فلا يجوز النظر إليها ) أنه علّق على ذلك وقال ( فإنَّ الرخصة الثابتة للعنوان الوجودي لا يمكن الحكم بها إلا مع احراز ذلك العنوان الوجودي )، ولم يأتِ بتعبير حكم إلزامي أو ملزوم لحكمٍ إلزامي، وإنما قال فقط إنَّ الاباحة المتعلّقة بعنوان وجودي تستوجب عدم تطبيق الرخصة في مورد الشك، فإذا لم تعلم بأنَّ هذه المرأة هي أختك أو زوجتك فلا يجوز لك النظر إليها لأنَّ الرخصة ثابتة لعنوان وجودي وأنت شاك فيه فلا تثبت الرخصة.

وهل يحسب هذا تراجعاً منه أو هو شيئاً آخر؟

والجواب:- إنَّ هذا ليس تراجعاً وإنما هو نفس الشيء، لأنه حينما يقول إذا تعلقت الرخصة بعنوان وجودي يعني أنَّ المفروض أنها مستثناة من حكم إلزامي فلابد أن يكون هناك حكم إلزامي ويرخّص منه بعنوان وجودي، يعني هناك حكم إلزامي كأن يقول مثلاً ( لا يجوز النظر إلى أيّ امرأة ويرخص النظر إلى الأخت والزوجة )، وإلا إذا لم يكن هناك حكم إلزامي وأنه لا يوجد حكم بحرمة النظر فالموجود هو الاباحة، وحينئذٍ نرجع إلى الاباحة وتصير النتيجة عكس المقصود وهي عدم لزوم الاحتياط.

إذاً الشيخ النائيني(قده) حينما قال إنَّ الرخصة لنعوان وجودي توجب الاحتياط عند الشك فجزماً مقصوده أنَّها المستثناة من حكم إلزامي، إذ لو لم تكن مستثناة من حكم إلزامي فالحكم الثابت هو الاباحة، فإذا لم أرد التمسك بالرخصة فسوف أتمسك بالإباحة وسوف تصير النتيجة واحدة وهي اباحة النظر، فحتماً مقصوده من الرخصة هي الرخصة المستثناة من الحكم الالزامي ولكنه حذف ذلك اختصاراً.وبهذا ننهي كلامنا عن موارد الاستثناء من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

[1] فوائد الأصول، النائيني، ج3، ص384، 385. أجود التقريرات، الخوئي، ج3، ص340، 341.
[2] العروة الوثقى، اليزدي، ج5، ص500، المسألة 50، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo