< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

وننبّه على قضية: - وهي أنَّ لا ضرر حينما أريد منها النهي والحال أنها تدل على النفي، يعني أنها إخبارٌ فكيف تدل على الانشاء؟، فسؤالنا هو أنه كيف لا تدل لا ضرر - التي هي جملة خبرية - على الحكم الانشائي - يعني لا تضر - فكيف تدل الجملة الخبرية على الحكم الانشائي؟ إنه توجد ثلاثة احتمالات: -

الاحتمال الأول: - أن تكون لا ضرر جملة خبرية استعملت بداعي النهي فحيثية النهي هي حيثية داعي لا أن لا ضر مستعملة في النهي وإنما لا ضرر مستعملة في الإخبار ولكن الداعي إلى ذلك الاخبار هو النهي فهي ليست مستعملة في النهي وإنما تكون مستعملة في الاخبار بعدم وجود الضرر ولكن بهذا الشكل الذي بيناه، كما في ( بعت ) في ( بعتك الدار ) فإنَّ بعت هي مستعملة في الإخبار ولكن الداعي في استعمالها في الإخبار هو الانشاء فالإنشاء حيثيته حيثية داعوية لا أنه هو المعنى المستعمل فيه، يعني لا أن بعت مستعملة في الانشاء وإنما هي مستعملة في الاخبار بداعي الانشاء، فنقول هي جملة خبرية بداعي النهي.

الاحتمال الثاني: - أن نقدر كلمة جائز أو مستساغ أو مباح فيصير المعنى ( لا ضرر مستساغ ) ولا نقول هي إخبار بداعي الانشاء وإنما هي تبقى جملة خبرية وبعد تقدير كلمة مستساغ أو جائز تدل حينئذٍ على الحكم التكليفي.

الاحتمال الثالث: - وهو الذي لعله يخطر إلى ذهننا، وهو أنَّ نفس الجملة الخبرية مستعملة في الانشاء، يعني أن لا ضرر مستعملة في لا تضر.

وأوجه هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأول: - فهي مثل بعت أو زوجت وما شاكل ذلك هي مستعملة في الاخبار بداعي الانشاء فهنا الأمر كذلك فإنَّ لا ضرر مستعملة في الاخبار عن نفي الضرر بداعي الاخبار أي لا تضر.

بيد أنَّ شيخ الشريعة والسيد مير فتاح قالا: - إنَّ لا ضرر تدل على الانشاء بأيّ كيفية من أنحاء الاستعمال ولم يسلطوا الأضواء على كيفية معينة، يعني أنهما لم يبينا الاحتمالات الثلاثة، قال شيخ الشريعة(قده):- ( وبالجملة فالمدعى أنَّ الحديث يراد به إفادة النهي لا نفي الحكم الضرري ولا نفي الحكم المجعولات للموضوعات عنه ولا يتفاوت في هذا المدّعى أن استعمال النفي في النهي بأيّ وجه )[1] ، وقال السيد مير فتاح(قده):- ( والحق أن سياق الروايات يرشد إلى إرادة النهي من ذلك وأنَّ المراد تحريم الضرر والضرار والمنع عنهما وذلك إما بحمل لا على معنى النهي وإما بتقدير مشروع ومجوَّز وبماح ونحو ذلك في خبره )[2] ، فإذاً هذه قضية ليس مهمة وإن كان الأوجه هو الاحتمال الأول.

وما هي الأدلة على أن هذه الجملة الخبرية مستعملة في الانشاء - أي النهي -؟

والجواب: - استدل شيخ الشريعة(قده) بجملة من الوجوه: -

الوجه الأول: - التمسك بالشواهد والأمثلة، فأخذ يذكر شواهد وأمثلة لاستعمال الجمة الخبرية في النهي - في الانشاء - ومن جملة الأمثلة التي ذكرها أربعة عشر مورداً منها قوله تعالى ﴿ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾ فإنَّ لا رفث خبر ولكن المقصود هو النهي أي لا ترفث ولا تفسق ولا تجادل، وقوله تعالى ﴿ فاذهب فإنَّ لك في الحيوة أن تقول لا مساس﴾، فجزاء السامري في الدنيا هو لا مساس يعني مجرد أن يمس شخصاً أو الشخص يمسه تصيبه الحمّى، فهو كان يمشي ويقول لا مساس يعني لا تمسوني كي لا تمسه الحمّى، وكذلك الحديث ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل )، يعني أن السبق لا يجوز إلا في هذه الثلاثة، و( لا إخصاء في الإسلام ولا بنيان كنيسة ) فهذا نهي يعني لا تخصِ ولا تبنٍ كنيسة، ( لا غش بين المسلمين )، و( لا هجر بين المسلمين ثلاثة أيام ) يعني لا تهجر أخاك المسلم أكثر من ثلاثة أيام فهو نهي، إلى آخر ما ذكره من شواهد، ثم قال ما نصّه:- ( وفيما ذكرنا كفاية في اثبات شيوع هاذ المعنى في هذا التركيب ... وفي ردّ من قال في إبطال احتمال النهي:- إنَّ النفي بمعنى النهي وإن كان ليس بعزيز إلا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب )، ومقصوده أنه يرد في هذا الكلام الأخير على الشيخ الخراساني(قده)، لأنَّ الشيخ الخرساني(قده) قال إنه لم يعد من هذا التركيب - أي أنّ النفي يراد منه النهي - فهو كأنما يريد الرد على الشيخ الخراساني(قده).

ونحن نناقش هذا الوجه بمناقشتين: -

المناقشة الأولى:- إنه ذكر مجموعة من الأمثلة لاستعمال النفي بمعنى النهي ولعل الأمر في بعض الأمثلة لا يكون كذلك - يعني لا يكون الخبر مستعمل في النفي - بل بعضها يمكن أن يناقش فيه مثل ( لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل ) فهنا ليس المقصود لا يجوز التسابق وأنه حرام يعني بمعنى النهي، وإنما المقصود هو أنه لا سبق مشروع فهذا نفي للشرعية وليس بمعنى النهي، وكذلك بعض الأمثلة الأخرى لعلها من هذا القبيل، ولكن بقطع النظر عن إمكان المناقشة في بعض هذه الأمثلة التي ذكرها نقول إنَّ هذه الأمثلة لا تصلح أن تكون شاهداً لكون المقصود من لا ضرر هو النهي حتى لو أتيت بأكثر من هذه الشواهد، لأنه في هذه الشواهد لا يكفينا مجرد أنه استعملت هذه الصيغة وهذا التركيب - يعني لا النافية للجنس - في النهي في الشاهد الفني والشاه الفلاني فإنَّ هذا لا ينفع وإن كثرت الشواهد بل لابد وأن يلاحظ القرائن والمناسبات، يعني ينبغي أن تلاحظ كل استعمال وحده فتلاحظ المناسب والقرائن ماذا تقتضي فقد تقتضي النهي قد لا تقتضي النهي، فمثلاً في ( لا سبق إلا في خف أو حافر ) فهنا المناسبات لا تقتضي إرادة النهي لأننا نعرف من الخارج ان المسابقة في غير الخف والحافر المسابقة بالدراجات النارية أو السيارات أو الدراجة الهوائية وغير ذلك فهذا لا يحتمل حرمته، فإذاً المقصود هنا نفي الشرعية، فهنا وصلنا إلى نفي الشرعية وإلا على طريقة شيخ الشرعية لابد وان يذهب على الحرمة التكليفية والحال أنه نفسه لا يمكن أن يلتزم بذلك، فتكثير الشواهد لا يمكن أن يكون هو المستند لإثبات أن النفي في لا ضرر أريد منه النهي بل لابد من ملاحظة الموارد والمناسبات والنكات، وهذه قضية عليمة يجدر الالتفات إليها.

المناقشة الثانية: - إذا أنت أتيت بشواهد على هذا فنحن نأتيك بشواهد على العكس، يعين نأتي بشواهد على أنَّ الجملة الخبرية المشتملة على ( لا ) النافية للجنس قد استعملت في غير النهي في موارد متعدّدة، وهذا جواب نقضي، ومن جملة الشواهد في هذا المجال ( لا سهو في نافلة )[3] فالفقهاء يستندون إليها في النافلة فإنَّ السهو لا يوجب بطلان النافلة، فإنه إذا كان يوجب البطلان في الفريضة في بعض الموارد ففي النافلة لا يوجب البطلان، وهنا النفي لا بمعنى النهي أي بمعنى لا تسهُ فهو نفي لا بمعنى النهي، وكقوله عليه السلام ( لا نذر في معصية الله )[4] يعني أنه باطل وليس مشروعاً فهنا جاء لنفي الشرعية كما لو نذرت أنه لو دخّنت فسوف أترك الصلاة ليوم واحد فهذا باطل، فالمقصود من لا نذر في معصية الله أي نفي الشرعية، مثل ( لا رضاع بعد فطام ) يعني إذا فطم الصبي بعد السنتين فالرضا بعد ذلك لا ينشر الحرمة، أو مثل ( لا يمين في معصية الله )[5] ، وكذلك ( لا طلاق إلا في طهر ) ، وكذلك ( لا يتم بعد احتلام )، و( لا طلاق قبل النكاح )، و ( لا عتق قبل الملك )، إلى غير ذلك فأنت أتيت لنا بعدة أمثلة ونحن جئنا لك بأمثلة معاكسة لما ذكرت.


[1] رسالة لا ضرر، شيخ الشريعة، ج1، ص28.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo