< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية - مبحث الأصول العملية.

الاحتمال الثالث: - أن يكون المقصود من لا ضرر هو نفي الحكم حقيقةً، فالمقصود ابتداءً هو نفي الحكم، فهنا لم ينفِ الحكم من خلال نفي الموضوع كما قال صاحب الكفاية(قده)، أو نفي المسبَّب وهو الضرر والمقصود نفي السبب وهو الحكم كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قده)، وهناك ثلاثة طرق لبيان ذلك: -

الطريق الأول: - نلتزم بفكرة المجاز في الحذف، كقوله تعالى ﴿ واسأل القرية ﴾ فنها يوجد شيء محذوف وهو كلمة ( أهل )، يعني ( وأسأل أهل القرية )، فالمقصود هو السؤال من أهل القرية بحذف المضاف وليس السؤال من القرية، والأمر هنا كذلك، فإنَّ المقصود هو لا حكم ضرري أو ينشأ منه الضرر فالمنفي هو الحكم ابتداءاً فإنه محذوف مقدر فإنه توجد كلمة محذوفة مقدرة.

ولو قيل: - إن هذه دعوى تحتاج إلى دليل؟

قلنا: - إنَّ الدليل هو أنه لماذا تقدر كلمة أهل في ﴿ واسأل القرية ﴾؟ لأنَّ القرية نفسها لا يمكن سؤالها بل لابد من أن يكون المقصود هو سؤال أهلها، لوضوح المطلب اللغة العربية مبتنية على التفنّن البلاغة والأساليب اللطيفة فيقال ﴿ واسأل القرية﴾ يعني أهل القرية اعتماداً على ذلك، وهنا الأمر كذلك فحينما قيل لا ضرر فهنا اعتمد على الوضوح يعني لا حكم ضرري أو ينشأ منه الضرر فالمقصود هو نفي الحكم.

وهذا الاحتمال وجيه ولكنه لا يعدو الاحتمال، ومادام احتمال الشيخ الأعظم (قده) موجوداً صار هذا احتمال في مقابل احتمال ولا معنى لأن تقول إنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) لا يحتمل.

الطريق الثاني: - أن نقول إنَّ المقصود من كلمة الضرر الحكم الضرري من باب المجاز، فلا ضرر أي لا حكم ضرري، فقصد من الضرر الحكم الضرري.

ولكن نقول: - إنَّ هذا مجرد احتمال أيضاً.

الطريق الثالث: - وهو ما ذهب إليه الشيخ النائيني(قده) في رسالته لا ضرر حيث قال إنَّ كلمة ضرر استعملت في الحكم حقيقةً، فإنه في باب السبب والمسبَّب التوليدي[1] يصح إطلاق أحدهما وإرادة الآخر، فقد يطلق السبب ويراد المسبب أو بالعكس، فيقول السلان يقول ( أحرقه ) والمقصود هو ( ألقه في النار ) وهو لا يستطيع أن يحرقه إذا لم يلقه في النار، فالمقصود هو ألقه في النار واستعمال ( ألقه في النار ) على ( فأحرقه ) هو استعمال حقيقي، أو يقول السلطان الجئر ( أمته )أو ( اقتله ) ومقصوده أنه اطلق عليه الرصاصة أو اطعنه بسكين فأطل السبب على المسبَّب، فاستُعمِل المسبَّب وأريد السبب، وفي لا ضرر الأمر كذلك، فإن الحكم سبب والضرر مسبَّب فقيل ( لا ضرر ) والمقصود أنه لا حكم لأنه سبب ومسبب توليدي لأن الحكم سبب توليدي تكويني للضر فيصح أن نستعمل كلمة ضرر ومقصودنا هو السبب وهو الحكم أي لا حكم ضرري، كما هو الحال في ( قاتله ) والمقصود ( أطلق عليه الرصاصة )، وبماءً على هذا يصير الاستعمال حقيقة وليس مجازاً.

ثم قال:- إن قلت إنَّ هذا المورد ليس من السبب والمسبَّب التوليدي وإنما هو من باب الفعل المباشري لا الفعل التسبيبي[2] ، فصحيح ان الكم سبب للضرر ولكن توجد ارادة في البين فإن المكلف عنده إرادة ويستطيع أن يمتثل ويستطيع أن لا يمتثل وليس مسلوب الاختيار، فصار المورد ليس من السبب والمسبب التوليدي بل من الفعل المباشري الذي يتخلله الإرادة؟

أجاب وقال: - صحيح إنَّ هذه الإرادة متخللة ولكنها إرادة مقهورة بسبب الحكم الشرعي في حق المؤمن فالمؤمن حينما عرف أنَّ الله تعالى قال لا تشرب الخمر فهذا المكلف سوف لا يتناول الخمر رغم وجود الإرادة عنده لأنَّ هذه الإرادة قد ذابت وتلاشت في مقابل إرادة الله عزَّ وجلّ فتصير بمثابة العدم.

ونحن نقول: - إنَّ أولى هذه الطرق هو الطريق الأول الذي ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده)، وذلك لمقدمتين: -

المقدمة الأولى: - إنه ليس من البعيد أنَّ المتبادر هو ما أفاده الشيخ الأعظم(قده)، حيث نقول إنَّ الشرع المقدَّس حينما نفى الضرر فبقرينة أن نفي الضرر هو من الشرع المقدَّس فالمقصود هو نفي الضرر من ناحيته ومن جهة أحكامه، يعني لا يوجد ضرر من ناحية أحكامه، وهذه من القضايا التي دليليها معها، فحينما يسمع الانسان العرفي ذلك لم يتردد في المقصود منه فليس من البعيد أنَّ عدم التردد وعدم السؤال عن المقصود من لا ضرر هو الأن التبادر هو أنه من ناحية أحكام الشرع لا ضرر، وهذا نفس ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ولكنه عبر بنفي المسبَّب من خلال نفي السبب أي نفي الضرر من خلال نفي السبب الذي هو الحكم، فنستطيع أن نقول إنَّ هذه المقدمة تامة.

المقدمة الثانية: - هي إبطال بقية الاحتمالات، فإنها مادامت هي احتمالات ممكنة فلا يعود الاحتمال الأول متعيّناً، وهذا ما سيأتي التعرض إليه عند بيان هذه الآراء فإذا أبطلناه فحينئذٍ يتعيّن بذلك رأي الشيخ الأعظم(قده).


[1] ومصطلح المسبَّب التوليدي هو السبب والمسبَّب التكوين مثل النار والإحراق فإنَّ النار سبباً للإحراق فالذي ترميه بالنار سوف يحترق تكويناً، وهذا يعبرون عنه سبباً ومسبَّباً توليدياً أو تكوينياً.
[2] والمقصود من هذه المصطلحات هو أنه إذا لم يكن الاختيار موجوداً كما لو أطلق على الشخص الرصاصة فمات ولا يوجد واسطة والاختيار هنا مفقود بعد إطلاق الرصاصة فهذا يسمونه فعل توليدي تسبيب يعني علة ومعلو تكويني، أما إذا كانت الإرادة بينهما متخللة فهذا يعبرون عنه بالفعل المباشري لا تسبيبي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo