< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس ( هل قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية أو لا )- تنبيهات قاعدة لا ضرر – شرائط جريان الأصول العملية.

ذكرنا فيما سبق أنَّ قاعدة لا ضرر لا تشمل الأحكام العدمية لوجوه ثلاثة ذكرها الشيخ النائيني(قده) ويقع الكلام الآن في الوجه الرابع لعدم شمول حديث لا ضرر للأحكام العدمية.

الوجه الرابع:- ما ذكره السيد الروحاني(قده)، حاصله:- إنَّ حديث لا ضرر حديث رفع لا إثبات، فإن حديث لا ضرر لا يثبت الولاية لغير الزوج على الطلاق فإنَّ لسانه ليس لسان إثبات وإنما هو لسان نفي، يعني أنه لا يوجد ضرر، أما أنه يثبت أحكام وجودية كثبوت الولاية للحاكم الشرعي على الطلاق فلا، قال:- ( إنَّ مفاد لا ضرر هو نفي الحكم خاصة فلا تتكفل إثبات الحكم فلسانها لسان نفي صرف لا لسان إثبات، وبعبارة أخرى أنَّ الشارع يقول أنا لم أجعل الحكم المستلزم للضرر ولا يقول أنا جعلت ما ينفي الضرر ). [1]

وفي مقام التعليق نقول:- هناك فرق بين قاعدة ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ وقاعدة ( لا ضرر )، فقاعدة ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ يرفع كل حكم حرجي ولا يوجد اثبات، فهو يقول أنا لم أجعل حكماً في حالة الحرج، وهذا لسان نفي، أما ( لا ضرر ) فهي لست على زوان ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ وإنما هي تنفي الضرر بلحاظ المواقف الشرعية، فلا يوجد ضرر من ناحية الموقف الشرعي من ناحية الشرع، وهذا يختلف، فمثلاً هي تشمل وجوب الوضوء في حالة البرد لو كان ضررياً فهنا تأتي لا ضرر وتقول إنَّ هذا الحكم الشرعي - وهو وجوب الوضوء - ليس بثابت، ومرّة يكون الموقف الشرعي هو النفي لا الاثبات، كنفي الولاية في طلاق الزوجة عن غير الزوج، فالولاية منحصرة بالزوج ولا ولاية لأحدٍ غيره على الطلاق مادام موجوداً، وهذا موقف عدمي وهو عدم الولاية، فأحياناً هذا الموقف الشرعي الذي هو موقف عدمي - هو حصر الولاية بالزوج - يسبب ضرراً للزوجة، وهذا ضرر في الموقف الشرعي فتأتي لا ضرر وترفعه وتصير نتيجته هي الاثبات وهي أنَّ انحصار ولاية الطلاق بالزوج يكون مرتفعاً وبالتالي تثبت الولاية لحاكم الشرعي مثلاً على الطلاق.

فإذاً يوجد فرقٌ بين لا ضرر وبين لا حرج، فإنَّ قاعدة لا حرج ناظرة إلى كل جعل من الجعول حالة الضرر وتقول هو سوف يرتفع فلذلك تقول ( ما جعل )، فهي تنفي، وأما لا ضرر فلسانه هو النفي ولكن روحه قد يكون نفياً وقد يكون إثباتاً، فإذا طبّقنا لا ضرر على الوضوء الضرري تكون نتيجته النفي، وإذا طبقناه على انحصار الولاية بيد الزوج فسوف تصير نتيجته نفي الانحصار بيد الزوج وبالتالي اثبات الولاية للحاكم الشرعي، فلا ضرر يريد أن يقول لا ضرر من حيث الموقف الشرعي لا من حيث الحكم المجعول، وتقييده بالحكم المجعول اشتباه، فإذاً لا ضرر أعمّ من ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾.

فإذاً لا مانع من التمسك بلا ضرر، وبالتالي تثبت الولاية للحاكم الشرعي، ولا يأتي إشكال أنَّ لا ضرر حديث نفي، حيث نجيب بأنَّ حديث لا ضرر هو حديث نفي على مستوى المدلول الاستعمالي، وأما على مستوى المدلول الجدّي فقد يكون حديث إثبات وقد يكون حديث نفي، فصحيح أنه يقول لا ضرر من حيث الموقف الشرعي ولكن الموقف الشرعي مرّة يكون إثباتاً ومرة يكون نفياً، وبالتالي سوف يصير المدلول الجدّي مرة إثباتاً ومرة نفياً نتيجة تطبيق قاعدة لا ضرر، فنحن نسلّم بأنَّ حديث لا ضرر هو حديث نفي ولكن على مستوى المدلول الاستعمالي، أما على مستوى المدلول الجدّي فقد يكون المدلول الجدي في بعض الموارد هو حديث نفي وقد يكون في بعض الموارد حديث إثبات، بخلاف ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ فإنَّ لسانه لسان نفي ومدلوله الجدَّي هو النفي فقط، لأنه يقول ( ما جعل )، فالجعول الموجودة لم يجعلها حالة الحرج، أما لا ضرر فلا يوجد فيه تعبير ( جعل ) وإنما نقدّر محذوفاً وهو ( الموقف الشرعي )، ولا نقدّر ( جعل )، ولا يقولن قائل لنقدّر أنه لا ضرر من ناحية الجعول الشرعية، ولكن نقول إنَّ الحديث مطلق من ناحية الموقف الشرعي فلماذا تضيقه؟!! فالمناسب هو هذا، فلا ضرر يعني لا ضرر من حيث المواقف الشرعية، والمواقف الشرعية تارة تكون اثبات وتارةً تكون نفياً، فالنتيجة بحسب المدلول الجدّي لحديث لا ضرر سوف تصير مختلفة.

الوجه الخامس: - ما قد يقال إذا شمل حديث لا ضرر الأحكام العدمية فيلزم من ذلك نفي النفي ونفي النفي تسهجن.

أما أنه يلزم نفي النفي لأنَّ ضرر هي نفي فإذا طبقنا الضرر على الحكم العدمي فلا ضرر سوف ينفي العدم، فمثلاً هو ينفي عدم الولاية عن الحاكم الشرعي وبالتالي سوف يصير إثبات الولاية له، وأما أنَّ نفي النفي قبيح فإما أن يدَّعى بأنَّ نتيجة نفي النفي هو الاثبات، وبيان الاثبات بلسان النفي قبيح ومستهجن عرفاً، بل لابد أن يذكر الاثبات من البداية لا أن ينفى النفي فإنَّ بيان الاثبات من خلال نفي النفي مستهجن عرفاً، لأنَّ الطريق الأقصر موجود وهو بيان الاثبات مباشرةً، فثلاً لو كان الجوّ بارداً اليوم فقل ( الجو بارد ) لا أنك تنفي النفي وتقول ( ليس الجو بغير بارد ) فإنَّ هذا تطويل وهو مستهجن عرفاً، فإنَّ العرف يبيّن الاثبات بلسان الاثبات ولا يبينه بلسان نفي النفي، أو يقال إنه بقطع النظر عن هذا فإنَّ نفس إدخال النفي على النفي هو مستهجن بنفسه.

فإذاً حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام العدمية لأنه يلزم نفي النفي، ونفي النفي مستهجن عرفاً لما أشرنا إليه.

والجواب: - إنه لا يلزم محذور نفي النفي على مستوى المدلول الاستعمالي وإنما يلزم على مستوى المدلول الجدّي، فإنَّ لا ضرر على مستوى المدلول الاستعمالي هو لا ضرر فقط، يعني أنَّ لسانه هو لا ضرر من حيث الموقف الشرعي، لكن مؤدى هذا اللسان بلحاظ عالم الجدّ تارةً يكون بمعنى نفي النفي فهو ينفي عدم الولاية للحاكم الشرعي في طلاق الزوجة الغائب زوجها ولكن هذا بلحاظ عالم الجدّ لا بلحاظ عالم الاستعمال، لأنَّ الموقف الشرعي تارةً يكون موقفاً اثباتياً وتارةَّ يكون هو النفي كنفي الولاية على الطلاق لغير الزوج، فلو جاء حديث لا ضرر بحسب اللسان فبحسب اللسان لا يوجد فيه نفي النفي وإنما هو يقول لا ضرر في المواقف الشرعية، ولكن الموقف الشرعي روحاً وجدّاً مرة يكون اثباتياً كما في وجوب الوضوء حالة الضرر فحديث لا ضرر ينفي وجوب الوضوء، ومرةً يكون هو عدم الولاية على الطلاق لغير الزوج فهذا الموقف الشرعي هو ضرري فتأتي قاعدة لا ضرر وتنفي عدم الولاية لغير الزوج، ولكن هذا بلحاظ عالم الجدّ وليس بلحاظ عالم الاستعمال، فإذاً لابد من عدم الخلط بينهما، والمستهجن هو نفي النفي بلحاظ عالم الاستعمال وأما بلحاظ عالم الجدّ فلا محذور فيه.

وبهذا اتضح أنَّ جميع الوجوه الخمسة المتقدّمة لإثبات أنَّ حديث لا ضرر لا يشمل الأحكام العدمية قابلة للمناقشة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo