< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

42/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

النقطة الثانية: - تعريف الاستصحاب.

قال الشيخ الأعظم(قده): - ( عرّف الاستصحاب بعدة تعاريف لعل أخصرها وأسدّها أنه إما كان ) ، [1] ولكن ما هو المقصود من إبقاء ما كان؟ المقصود هو أني أحكم بأنَّ الحالة السابقة باقية، فالاستصحاب هو الحكم ببقاء ما كان.

وقال الشيخ الخراساني(قده):- ( هو الحكم ببقاء حكمٍ أو موضوعٍ ذي حكمٍ شك في بقائه إما من جهة بنا العقلاء ... وإما من جهة دلالة النص أو دعوى الاجماع )[2] وهذا التعريف لا يغاير التعريف الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) غايته أنَّ ألفاظه أكثر.

ويرد على تعريف الشيخ الأنصاري(قده):- إنه قال إنَّ المراد من إبقاء ما كان يعني الحكم ببقاء ما كان، وإذا كان هذا هو المقصود فعليه أن يضيف كلمة ( الحكم ) إلى التعريف من البداية فيقول ( الاستصحاب هو الحكم ببقاء ما كان )، لا أنه يعرّفه أولاً بقوله ( هو إبقاء ما كان ) ثم يقول ( والمراد من الابقاء يعني الحكم ببقاء ما كان ).

ولكن يمكن الدفاع عنه ويقال: - إنَّ التعريف الذي ذكره ليس له وإنما قال قد عرّف الاستصحاب بتعاريف لعل أسدّها وأخصرها هذا التعريف، فهو ينقل هذا التعريف، ومادام ينقله فيلزم أن لا يغيره فقال ( عرفوه بأنه إبقاء ما كان) ولكنه بعد ذلك قال ( والمقصود من إبقاء ما كان يعني الحكم ببقاء ما كان ).

إذاً اتضح أنَّ التعريف الذي ذكره الشيخ الأعظم(قده) وجيه، أما التعريف الذي ذكره الشيخ الخراساني(قده) فهو يرجع في روحه إلى ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) وليس شيئاً جديداً.

ونلفت النظر إلى شيء:- وهو أنَّ الشيخ الخراساني(قده) بعدما ذكر التعريف - وقال ( هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ) - قال إنَّ هذا التعريف الذي ذكرته أحسن وأولى مما يقال ( إنَّ الاستصحاب هو بناء العقلاء أو حكم العقلاء ببقاء الحكم أو الموضوع ... )، فالأجدر هو عدم إضافة حكم العقلاء وإنما نقول هو الحكم ببقاء حكمٍ أو موضوعٍ ذي حكم، لأنه إذا أضفنا بناء العقلاء فسوف يختصّ التعريف بما إذا كان مدرك حجية الاستصحاب هو بناء العقلاء، ونحن نريد تعريفاً يتلاءم مع جميع مدارك حجية الاستصحاب فيلزم أن لا نأخذ بناء العقلاء أو حكم الشرع أو ما شاكل ذلك قيداً في التعريف، بل المناسب أن نقول هو الحكم ببقاء حكمٍ أو بقاء موضوعٍ له حكم.

وقد أُشكل على ترعي فالاستصحاب بعدَّة اشكالات نشير إلى اثنين منها: -

الاشكال الأول: - ما ذكره السيد الخوئي(قده)[3] ، وحاصله:- إنَّ تعريف الاستصحاب بأنه الحكم ببقاء ما كان - كما نقل الشيخ الأعظم(قده) - يتم بناءً على كون الاستصحاب أصلاً، أما إذا بنينا على كون الاستصحاب أمارة فالمناسب تعريفه بشكلٍ آخر، وذلك بأن نأخذ حيثية الأمارية في التعريف بأن نأخذ عنصر اليقين، لأنَّ الأمارية هي اليقين السابق، فنأخذ اليقين السابق في التعريف فنقول ( الاستصحاب هو اليقين السابق مع فرض الحكم ببقائه لأجل الشك في البقاء )، ولا ينبغي تعريفه كما ذكر الشيخ الأعظم(قده).

وفي مقام التعليق نقول:- هناك حيثية مشتركة في الاستصحاب بين أن نقول هو أمارة وبين أن نقول هو أصل، وهي حثية الحكم ببقاء ما كان، فإنَّ هذه حيثية مشتركة بينهما سواء كان الاستصحاب أمارة أو كان أصلاً، ومعه فمن المناسب أخذ هذه الحيثية المشتركة في التعريف ويُغَضُّ النظر عن مدرك هذا الحكم وأنَّ الحكم بالبقاء مع فرض وجود الشك هو من أيَّ ناحية، فهل مدرك هذا الحكم هو الأمارية - يعني اليقين - أو مدرك ذلك هو النص أو مدرك ذلك هو بناء العقلاء أو مدرك ذلك شيئاً آخر فإنَّ ذاك مطلب جانبي، بل عليك أن تأخذ الحيثية المشتركة في التعريف أما أنَّ منشأ هذه الحيثية المشتركة - وهي الحكم بالبقاء - هو اليقين السابق - يعني حيثية الأمارية - أو هو النص أو هو بناء العقلاء أو غير ذلك فذلك أمر خارجي لا ينبغي أخذه في التعريف، وإنما يؤخذ في التعريف الحيثية المشتركة، ولعل ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في التعريف يشير إلى هذا، فإنه وإن أطال ولكنه قال ( هو الحكم ببقاء حكمٍ أو موضوع ذي حكمٍ إما من جهة بناء العقلاء أو من جهة دلالة النص أو من جهة الاجماع )، فهو لم يأخذ المدرك في التعريف وإنما أخذ الحيثية المشتركة وهي الحكم ببقاء الحكم أو الموضوع، وهذا الحكم بالبقاء هو ثابت إما من جهة بناء العقلاء أو من جهة النص أو من جهة الاجماع أو غير ذلك، فالشيخ الخراساني(قده) يشير بهذا المطلب إلى أنَّ اختلاف المدرك لا يؤثر على حقيقة الاستصحاب وإنما يبقى الاستصحاب شيئاً واحداً وهو الحكم ببقاء ما كان، فإذاً لا معنى لأخذ المدرك في التعريف كما ذكر السيد الخوئي(قده).

الاشكال الثاني:- ما أشار إليه الشيخ الأصفهاني(قده)[4] حيث ذكر أنَّ تعريف الاستصحاب بأنه ( الحكم ببقاء ما كان ) هل المراد من البقاء هو الابقاء العملي وعلى مستوى العمل أو هو الحكم بالبقاء؟ فإن كان المقصود هو الأول فإنَّ هذا ينسجم مع الروايات، لأنَّ الروايات حينما قالت ( لا تنقض اليقين بالشك ) يعني عملاً في مورد الشك دع عملك يصير نفس عملك في حالة اليقين، فكما لو دخلت في الصلاة وكان عندك يقين بالوضوء كذلك الحال إذا كان عندك شك في بقاء الضوء فأيضاً ادخل في الصلاة، كما أنه ينسجم مع بناء العقلاء إذا كان هو المدرك لحجية الاستصحاب، فإنَّ العقلاء عملاً يبنون على البقاء، فإذا فرض أنَّ الانسان كان متيقناً سابقاً من حالة ففي مقام العمل العقلاء يبنون على البقاء، كما لو كان إمام الجماعة عادلاً وكانوا يصلّون خلفة فالآن أيضاً يبنون على أنه عادل ويصلّون خلفه، فبناء العقلاء جارٍ على الابقاء العملي وأنه في مقام العمل يعملون بنفس ما كانوا يعملونه سابقاً، وإن كان المدرك هو حكم العقل فهذا التعريف لا ينسجم معه مادام المقصود من الابقاء هو الابقاء العملي.


[3] مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص4، ط جديدة.
[4] شرح الكفاية، الشيخ الأصفهاني، ج5، ص8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo