< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب ( استصحاب الكلي والفرد المردد )- مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

استصحاب الكلي من القسم الثالث: -

وهو أن نعلم بحدوث الكلي ضمن فردٍ ونجزم بارتفاع ذلك الفرد بيد أننا نحتمل حدوث فردٍ آخر إما مقارناً لارتفاع الفرد الأول أو حينما كان الفرد الأول ثابتاً وبسبب احتمال حدوث الفرد الثاني نشك في بقاء الكلي، كما لو كان الانسان موجوداً في الدار جزماً ضمن زيدٍ وقد خرج زيدٌ من الدار جزماً ولكن نجتمل دخول عمروٍ إما مقارناً لخروج زيدٍ أو حينما كان زيدٌ بَعدُ لم يخرج، فهنا استصحاب الجزئي لا يجري جزماً لأنَّ المفروض أنَّ الفرد الأول قد ارتفع جزماً فلا معنى لاستصحابه والفرد الثاني نشك في أصل حدوثه فالفرد لا معنى لاستصحابه، وإنما الكلام في استصحاب الكلي - وهو كلي الانسان - لأننا نحتمل دخول عمروٍ مقارناً لخروج زيدٍ أو حينما كان زيدٌ بَعدُ موجوداً في الدار فنستصحب بقاء الانسان، فهل يجري هذا الاستصحاب أو لا؟

المناسب بادئ ذي بدءٍ عدم قبوله للجريان، فإنَّ الكلي وإن كان يوجد ويثبت في الخارج من خلال حصصه ولكن هل نسبة الكلي إلى حصصه كنسبة الأب الواحد إلى أبنائه المتعددين أو كنسبة الآباء المتعددين إلى الابناء المتعددين؟ المعروف هو الثاني، فحينما يوجد فردٌ من الانسان تكون فيه حصّة من الكلي زائداً المشخّصات، وحينما يوجد فردٌ ثانٍ تكون فيه حصّة من الكلي زائداً المشخصات وهكذا بقية افراد الكلي، نعم ذكر الملا هادي السبزواري في شرح المنظومة عن ابن سينا أنَّ الرجل الهمداني - عزيز المحاسن - يقول بأنَّ نسبة الكلي الطبيعي إلى افراده كنسبة الأب الواحد إلى الابناء المتعددين فحمل عليه ابن سينا، وحق لابن سينا ذلك، لأنَّ ذلك يلزم منه أن تكون طبيعة الانسان الموجودة في جميع الأفراد واحدة لا أنَّ حصَّةً من الطبيعي في الفرد الأول وحصَّةً أخرى من الطبيعي في الفرد الثاني ...وهكذا، فما ذكره شيءٌ مستحيل إذ كيف تتصف الحصَّة الواحدة بالعلم والجهل معاً والحال أنَّ فرداً يكون عالماً والآخر يكون جاهلاً وفرداً يكون ذكياً وآخر يكون بليداً، فبناءً على رأيه يلزم أن تكون الحصَّة الواحدة من الطبيعي مجمعاً للأضداد والصفات المتضادّة وهو غير ممكن.

والذي نريد أن نقوله:- إنَّ الحصَّة من الطبيعي الموجودة في كل فردٍ هي مغايرة للحصَّة من الطبيعي الموجودة ضمن الفرد الآخر، وعلى هذا الأساس تكون النتيجة عدم جريان استصحاب الكلي من القسم الثالث، لأنَّ المفروض أنَّ الكلي قد وجد ضمن الفرد الأول كزيدٍ ونحن نجزم بخروجه من الدار ولكن نحتمل دخول عمروٍ، فحينما كان زيدٌ موجوداً كان الانسان موجوداً ولكن بنحو الحصَّة وهذه الحصة قد خرجت من الدار بخروج زيدٍ إذ في كل فردٍ توجد حصَّةٌ من الطبيعي لا أنَّ الحصَّة واحدة، وعليه فتلك الحصَّة قد زالت بزوال الجزئي، فحينما خرج زيدٌ فقد خرجت الحصَّة من الطبيعي ونشك في دخول عمروٍ - يعني نشك في تحقق حصَّة ثانية من الطبيعي - فلا يمكن حينئذٍ أن يجري استصحاب الكلي من القسم الثالث لأنَّ الكلي عبارة عن تلك الحصَّة والمفروض أنه في كل فردٍ توجد حصَّة غير الحصَّة الموجودة في الفرد الثاني.

نعم قال الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل[1] :- تارةً يفترض أنَّ الفرد الثاني يتحقق حينما كان الفرد الأول بَعدُ موجوداً في المسجد مثلاً فإذا استصحبت بقاء الانسان في المكان المعيّن فتارةً يفترض أنَّ الفرد الثاني الذي احتمل دخوله احتمل تحققه حينما كان الفرد الأول بَعدُ موجوداً في المسجد، وتارةً يفترض دخول الفرد الثاني عند خروج الفرد الأول، فعلى الأول يجري استصحاب بقاء الكلي بخلافه على الثاني، والوجه في ذلك: أنَّ الكلي يوجد ضمن أفراده، فإذا كنت احتمل أنَّ الفرد الثاني قد دخل حينما كان الفرد الأول موجوداً ففي مثل هذه الحالة سوف يجري استصحاب الكلي، لأنَّ الكلي يوجد بأفراده وإنا احتمل أنَّ الفرد الثاني قد تحقق حين وجود الفرد الأول فالكلي سوف يكون باقياً من خلال الفرد الثاني، أما إذا احتملنا دخول الفرد الثاني مقارناً لخروج الأول فالكلي الأول قد انتهي ولكن احتمل تحققه ضمن فردٍ ثانٍ فلا يمكن أن نقول إنَّ ذلك الكلي كان متحققاً والآن نشك في بقائه فإنَّ المفروض أنَّ الكلي قد زال بخروج الفرد الأول ولكن احتمل تحققه من جديد حين دخول الفرد الثاني، فلا يجري الاستصحاب.


[1] تراث الشيخ الانصاري ( فرائد الأصول )، الأنصاري، ج26، ص196.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo