< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الثامن( وجه تقدم الامارات على الاستصحاب ) - تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

وبعد مناقشة وجوه تقديم الامارة على الاستصحاب بأحد الأمور المتقدمة الأنسب أن يقال في وجه تقدمها: - إنَّ الامارات قد شُرّعت في مورد جريان الاستصحاب في كثيرٍ من الأحيان - إن لم يكن دائماً - فإذا كان الاستصحاب هو المقدّم يلزم انتفاء موضوع الأمارات أو بالأحرى عدم امكان التمسك بها وبالتالي يلزم لغوية تشريعها إذ يوجد ما يتقدّم عليها وهو الاستصحاب.

أما كيف أنَّ الامارة مشرّعة في مورد جريان الاستصحاب؟

يمكن أن نذكر لذلك بعض الأمثلة: -

من قبيل: - ما إذا قامت الامارة على أنَّ هذا الماء كرّ، فهنا يوجد دليلان أحدهما الأمارة التي شهدت بكرّية الماء والثاني الاستصحاب وهو يثبت العكس لأن الماء عادةً إنما يصير كراً بالتدريج لا بنحو الدفعة الدقيّة، فالحالة السابقة له هي عدم الكرية فإذا شككنا هل بلغ كراً أو لا فسوف يجري استصحاب عدم الكرية، فلو كان استصحاب عدم الكرية هو المقدّم يلزم عدم امكان الحكم بكرية هذا الماء.

ومن قبيل: - ما إذا شككنا هل دخل وقت صلاة الظهر أو لا وقال الثقة أنه دخل والحال أنَّ مقتضى الاستصحاب يثبت العكس، فيلزم ان لا نأخذ بالامارة ولا نقدمها.

ومن قبيل: - ما لو قامت الامارة على اجتهاد زيدٍ والحال أنَّ الاستصحاب يثبت عدم اجتهاده لأنه حين ولادته لم يكن مجتهداً فاستصحاب عدم الاجتهاد يكون هو الجاري.

ومن قبيل: - ما لو أراد شخصٌ أن يشتري داراً وقد قامت الأمارة على أنها ملكٌ لزيدٍ والحال أنَّ الاستصحاب يقتضي أنها ليست له إذ قبلاً لم تكن ملكاً له جزماً وإنما كانت ملكاً لأناس آخرين حيث يموتون ويأتي من بعدهم أناسٌ آخرين فيملكونها بدلهم، والحال أنَّ الامارة التي شهدت بأنها ملكاً له هي واردة في مورد الاستصحاب.

ومن قبيل: - ما لو قامت الامارة على غنى زيدٍ، فهنا نأخذ بالامارة والحال أنَّ الاستصحاب يقتضي أنه فقير فإنَّ الانسان عادةً يولد فقيراً ثم بعد ذلك يصير غنياً.

ومن قبيل: - ما لو قامت الامارة على موت زيدٍ والحال أنَّ الحالة السابقة له كانت هي الحياة.

فإذاً الامارة هنا جاءت في مورد جريان الاستصحاب.

والخلاصة: - إنَّ الأمارات عادةً وغالباً مُشرَّعة وثابتة في مورد الاستصحاب فلو لم تتقدّم عليها الاستصحاب للزم سقوط حجية الامارة غالباً.

ولك أن تقول: - إنَّ تقدم الامارة على الاستصحاب هو من باب النصّيّة، يعني أنَّ دليل تشريع الأمارة هو نصٌّ في تقديمها، فدليل حجية الامارة هو نصٌّ في لزوم الأخذ بها في مورد الاستصحاب، يعني أنَّ دليل حجية الامارة جاء ليشرع حجية الامارة في موارد غالباً يكون الاستصحاب - الذي هو المعاكس للأمارة – جارياً فيها، فنفس تشريع الامارة في مورد جريان الاستصحاب ولو بنحو الغلبة لا بنحو الدوام هو بنفسه يكون وجهاً لتقدم الامارة، إذ نجزم بأنَّ الشرع المقدس قد شرّعها في مورد جريان الاستصحاب.

ونتمكن أن نخرج بهذه النتيجة:- وهي أنه كلما كان لدينا دليلان والنسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه فإذا كان أحدهما قد شُرّع في مورد الآخر بخلاف العكس - كما في الأمارة فإنها غالباً شُرّعت في مورد جريان الاستصحاب والعكس ليس بصحيح فلا تستطيع أن تقول شرّع الاستصحاب في مورد الامارة فإن هذا لا مثبت له - ففي مثل ذلك إذا فرض أنَّ أحدهما شرّع دائماً أو غالباً في مورد جريان الآخر فهذا بنفسه يكون موجباً لتقديم الدليل المشرّع في مورد الدليل الثاني وهذا ما ربما يصح أن نعبر عنه بالنصّية، يعني أنَّ دليل حجية الامارة هو نصٌّ في حجيتها في مورد جريان الاستصحاب بخلاف العكس فإنَّ دليل حجية الاستصحاب ليس نصّاً في تشريع حجية الاستصحاب في مورد جريان الأمارة.

ولا يمكن لقائلٍ أن يقول: - لعل الأمارة قُدّمت على الاستصحاب من باب أنها ترفع موضوعه لأنها يقين فالمورد يصير من باب رفع اليقين باليقين وليس مورد الاستصحاب، لأنَّ مورد الاستصحاب هو وجود الشك واليقين فإذا فرضنا وجود يقينٍ بدل الشك فهذا المورد لا يكون مورد الاستصحاب، كما إذا كان الثوب طاهراً سابقاً وشككنا لاحقاً في طهارته وشهدت البيّنة بأنه قد تنجّس فهنا أنت لا تأخذ بالاستصحاب بما أنك عاقل ومتشرّع، ولكن قد يقول قائل نحن نقدّم الامارة من باب الورود فإنها ترفع موضوع الاستصحاب لأنَّ موضوعه هو اليقين السابق والشك اللاحق والشك اللاحق سوف يرتفع فلا يجري الاستصحاب لورود الامارة وليس الوجه في التقدّم هو بالنصّية.

وجوابه واضح حيث يقال: - إنَّ الامارة عادةً لا تورث اليقين حتى ترفع موضوع الاستصحاب ويكون ذلك من باب الورود، وعلى هذا الأساس يكون احتمال تقدّم الامارة على الاستصحاب من باب الورود بحيث ترفع الشك الذي هو موضوع الاستصحاب وتبدّل مكانه باليقين باطل، وعليه فسوف يتعيّن ما أشرنا إليه من أنَّ وجه التقدم هو النصيَّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo