< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه التاسع ( حكم تعارض الاستصحابين وتعارض الاستصحاب مع غيره )- تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

وينبغي الالتفات إلى أنا لا نقصد من الاجماع معناه الاصطلاحي وانما نقصد به الواقع الذي يشعر به الفقيه من خلال ملاحظة الأمثلة، فنحن ذكرنا عدَّة أمثلة لتقدم الاصل السببي على الأصل المسبَّبي وهذا يجعل في نفسه قبولاً لتقدم الاستصحاب السببي على المسبَّبي، ولذلك يبقى هذا الأمر منطبعاً وثابتاً في نفسه فيحاول اثباته بأدلة علمية.

فما ذكرناه في الحقيقة هو بيانٌ لأجواءٍ صالحةٍ تورث الاطمئنان للفقيه بتقدم الاستصحاب السببي على المسبَّبي.

الدليل الثاني:- صحيحة زرارة التي تقول:- ( الرجل يكون على وضوء فتصيبه الخفقة والخفقتان ... ) فإنه يمكن أن يستدل بها على تقدم الاستصحاب السببي على المسبَّبي، ببيان: أنَّ الامام عليه السلام قال له بعد فرض أنه قد أصابته الخفقة أو الخفقتان وشك في بقاء وضوئه:- ( إنك كنت على يقين من طهارتك ولا ينبغي نقض اليقين بالشك ) يعني أنَّه عليه السلام اجرى استصحاب بقاء الوضوء والحال أنَّ هذا الاستصحاب معارضٌ باستصحابٍ آخر فإنَّ المكلف لو صلّى بهذا الوضوء فسوف يشك في فراغ ذمته إذ قبل أن يصلي كانت ذمته مشتغلة بالصلاة ولكن بعد أدائها بهذا الوضوء الذي حصلت معه الخفقة أو الخفقتان سوف يشك في فراغها أو عدم فرغها ومقتضى الاستصحاب هو بقاء الاشتغال، فيوجد استصحابان سببي ومسبَّبي، والسببي هو استصحاب بقاء الوضوء إلى ما بعد الخفقة والخفقتين، وهو يعارض بأنَّ ذمته كانت مشتغلة جزماً بالصلاة ويشك في فراغها حينما أداها بهذا الوضوء ومقتضى الاستصحاب هنا بقاء الاشتغال، ولكن رغم ذلك حكم الامام عليه السلام هنا بالطهارة وقال:- ( إنك كنت على يقين من طهارتك ولا تنقض اليقين بالشك ) يعني أنَّ صلاتك صححية ولم يعتنِ باستصحاب بقاء الاشتغال وهذا معناه تقديم استصحاب بقاء الطهارة الذي هو أصل سببي على استصحاب بقاء الاشتغال الذي هو أصل مسبَّبي.

الوجه الثالث:- التمسك بفكرة الحكومة.

بمعنى أن يقال: إنَّ الاستصحاب السببي هو حاكمٌ على الاستصحاب المسبَّبي، والحاكم مقدَّمٌ على المحكوم.

وهنا نقول:-

أولاً:- ما هو معنى الحكومة؟

ثانياً:- كيف يكون الأصل السببي حاكماً على الأصل المسببي؟

أما الحكومة:- فهي تعني أنَّ أحد الدليلين يرفع موضوع الدليل الثاني رفعاً تعبّدياً لا حقيقياً، فمعنى حكومة أصلٍ على أصل آخر هو أنَّ الأصل الحاكم يرفع موضوع الأصل المحكوم، وموضوع الأصل المحكوم هو الشك والاصل الحاكم يرفع ذلك الشك، فإذا ارتفع موضوع الأصل المحكوم بقي الأصل الحاكم وحده فيكون جارياً.

ولو قيل:- لماذا لا نعكس الأمر فنجعل الأصل المسبَّبي هو المقدَّم على الأصل السببي؟

قلنا:- الجواب واضح من خلال ما ذكرنا، فإنَّ الحاكم إذا جرى فسوف يرفع موضوع المحكوم، فحينما يجري استصحاب الوضوء فسوف يثبت أنَّ الصلاة صحيحة جزماً ويرتفع الشك من ناحية أنَّ الصلاة صحيحة أو فاسدة، وهذا بخلاف الأصل المحكوم فإنه لا يرفع موضوع الأصل الحاكم، لأنَّ الأصل المحكوم يقول كانت ذمتك مشتغلة بالصلاة قبل أن تصليها والآن هي مشتغله بعد أن صليت وهذا ليس معناه أنه لا يوجد وضوء إلا بالملامة غير الشرعية.

فإذاً متى ما جرى الاستصحاب السببي رفع موضوع الأصل المسبَّبي - وهو الشك - فإذا ارتفع موضوعه فسوف لا يجري لارتفاع موضوعه.

ويلزم الالتفات إلى أنَّ المقصود من الحكومة هنا ليست الحكومة بمعنى النظر فإنَّ هذا خاص بالأدلة اللفظية أما هنا فالحكومة بمعنى رفع الموضوع وإلا فالنظر ليس بموجود لأنَّ النظر فرع كون الدليل لفظياً والمفروض هنا كون الدليل ليس لفظياً وإنما هو استصحاب، ورواية زرارة هي دليل على الاستصحاب والاستصحاب ليس دليلاً لفظياً.

والخلاصة:- المقصود من الحكومة هنا هي رفع الموضوع فإنَّ الأصل السببي إذا جرى - كما لو جرى استصحاب بقاء الطهارة - فسوف يرتفع الشك في الأصل المسببي - الذي هو استصحاب بقاء اشتغال الذمَّة - وحينئذٍ لا يحصل شكٌ في اشتغال الذمة بل يزول الشك لأني صليت مع الوضوء حسب جريان استصحاب الطهارة، فاستصحاب الطهارة يرفع موضوع الشك المسبَّبي، بخلاف العكس فإنَّ الاستصحاب المسبَّبي لا يرفع موضوع الأصل السببي.

والذي أردنا الإشارة إليه:- هو أنَّ شرط حكومة أصلٍ على أصلٍ آخر أن تكون السببية سببيَّة شرعية وليست غير شرعية - سواء كانت عقلية أو غير عقلية - وفي مقامنا السببيَّة شرعية، لأنَّ الشرع رتّب صحة الصلاة على بقاء الوضوء وارتفاع شغل الذمَّة بأداء الصلاة مع ذلك الوضوء الصحيح، فإذاً ذلك الشك الأول هو شكٌّ سببي والشارع قد جعله سبباً لرفع شغل الذمّة، فهذه السببيَّة سببيَّة شرعية لا أنها غير شرعية، وشرط حكومة الأصل السببي على الأصل المسبَّبي هو أن تكون السببيَّة شرعية وإلا كان المورد من الأصل المثبت وهو ليس بحجة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo