< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه التاسع ( حكم تعارض الاستصحابين وتعارض الاستصحاب مع غيره )- تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

تعارض الاستصحابين للعلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما:-

قلنا سابقاً إنَّ تعارض الاسصحابين له عدّة صور نقتصر على صورتين منها، الأولى ما إذا كان أحد الاستصحخابين سببياً والآخر مسبّبياً، والثانية ما إذا علم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما من دون وجود سببية ومسبَّبية في البين كما لو إذا كان عندنا اناءان نعلم بطهارتهما ثم علمنا بملاقاة النجاسة لأحدهما فإنَّ استصحاب الطهارة في الاناء الأول يجري لولا المعارضة باستصحاب الطهارة في الاناء الثاني، فهما لا يجريان للعلم بانتقاض الطهارة - التي هي الحالة السابقة في أحدهما.

أما بالنسبة إلى الكلام في الاصل السببي والاصل المسبّبي فقد انتهينا منه.

ونتكلم الآن عن الحالة الثانية وهي ما إذا تعارض الاستصحابان من دون سببيَّة ومسببيَّة بل للعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما:-

والمعروف بين الأصوليين أنَّ الأصول المعذّرة لا تجري في الطرفين وإنما الذي يجري هو الأصول المنجّزة، يعني لا يمكن أن تستصحب الطهارة أو الاباحة في الاناء الأول وفي الاناء الثاني الذي نتيجته طهارة الطرفين أو اباحتهما والحال أننا نعلم بملاقاة النجاسة لأحدهما، فالأصول المعذّرة كاصل الطهارة والبراءة لا تجري وإنما الذي يجري هو الأصول المنجّزة، فإذا كانت الحالة السابقة هي التنجيز فيجري استصحاب الحرمة في الطرف الأول واستصحاب الحرمة في الطرف الثاني، وكذلك يجري استصحاب النجاسة في الطرف الأول واستصحاب النجاسة في الطرف الثاني، فإذا كانت الحالة السابقة هي النجاسة وعلمنا بطهارة واحدٍ منهما فالاصول المنجّزة تجري، وأما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة ثم علمنا بتنجّس أحدهما فالأصول المعذّرة كأصل الاباحة أو أصل الطهارة لا تجري في الطريفين.

فإذاً المشهور فصّل في هذه الحالة بين ما إذا كان الأصل في أحد الطرفين هو التنجيز فيجري الأصلان معاً، وبين ما إذا كان الأصل يقتضي المعذّرية فلا يجري فيهما.

ومتى يكون الأصل هو التنجيز ومتى يكون الأصل هو التعذير؟

والجواب:- يكون الأصل هو التنجيز فيما إذا كانت الحالة السابقة في الطرفين هي النجاسة، كما لو كان الطرفان نجسان ثم علمنا بطهارة واحدٍ منهما فهنا الأصل الذي يجري هو أصلٌ تنجيزي وهو استصحاب النجاسة أو الحرمة، وهما أصلان تنجيزيان فهما ينجّزان التكليف على المكلَّف فيمنعانه من الارتكاب، فإذا كان الاصلين تنجيزين فيجريان، وإذا كانا تعذيريين فلا يجري شيءٌ منهما.

ويقع الكلام في حالتان:- فتارة يقع الكلام في الأصول المعذَّرة، وأخرى يقع في الأصول المنجّزة:-

فإذا إذا كانت الأصول معذّرة:- فمثال ذلك ما إذا كان عندنا اناءان طاهران ثم علمنا بتنجّس أحدهما فالأصول المعذَّرة كاصل الطهارة أو الاباحة سوف لا يجريان في الطرفين، وهذا هو المعروف بين الاصحاب.

وقد يبين ذلك على مستوى المحذور الثبوتي تارةً، كما يبين على مستوى المحذور الاثباتي تارةً أخرى، فمرة يقال هما لا يجريان لمحذورٍ ثبوتي، ومرةً يقال هما لا يجريان لمحذورٍ اثباتي، وحينما يقال هما لا يجريان لمحذورٍ اثباتي أي لقصور الأدلة، أما المقصود من المحذور الثبوتي فهو وجود استحالة عقلية قبل أن تُلاحظ الأدلة.

ففي الحالة الأولى:- المعروف عدم جريان الأصول المعذّرة لمحذورٍ ثبوتي - لا اثباتي - وذلك لأنَّ جريانهما معاً يلزم منه الترخيص في كلا الطرفين ولازم ذلك الترخيص في المعصية، لأنَّ أحدهما حرام فإذا جرى الأصل في كليهما فهذا يعني أنَّ الترخيص موجودٌ في كليهما وهذا لازمه الترخيص في المعصية وهو غير معقول لاستقلال العقل بقبح الترخيص في المعصية.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ في المقصود من لزوم الترخيص في المعصية له احتمالان:-

الأول:- إنَّ لازم جريان كلا الاصلين - أي اصل الطهارة في الطرف الأول وأصل الطهارة في الطرف الثاني أو أستصحاب الطهارة في الطرف الأول واستصحاب الطهارة في الطرف الثاني - يلزم منه ارتكاب المعصية القطعية لا تجويز لامعصية القطعية، يعني نحن سوف نرتكب الطرفين معاً، إذ ما دام أصل الطهارة يجري في كلا الطرفين فسوف نتناول كلا الاناءين فيلزم المخالفة القطعية.

الثاني:- إنَّ جريان كلا الاصلين يلزم منه الإذن الشرعي في ارتكاب المعصية القطعية لا أنه يلزم منه تحقق المعصية القطعية وارتكابها.

فإن كان المقصود هو الأول فيرده:- إنَّ المكلف قد لا يتناولهما معاً وإنما يتناول أحدهما، فلا يلزم من ذلك تحقق المعصية.

وإذا فرض أنه تناولهما معاً فأيضاً يمكن أن يقال لا يلزم من ذلك ارتكاب المعصية فإنَّ المولى بعد أن أذن في تطبيق الأصل عليهما فسوف يكون لدينا إذنٌ شرعي في ارتكابهما، وبعد الإذن الشرعي لا يصدق على ارتكابهما عنوان المعصية، وعليه فلا يلزم من ذلك ارتكاب المعصية.

فإذاً لابد وأن يكون المقصود هو الثاني ولكن يرده:- إنَّ نفس الإذن الشرعي في ارتكابهما ليس بقبيح لامكان أهمية ملاك الاباحة بلحاظ ملاك الحرمة، لأنَّ أحدهما نجس والآخر مباح فيحتمل أن يكون ملاك الاباحة في نظر المولى أهم من ملاك الحرمة عند الاشتباه واختلاط الأطراف، وحينئذٍ لا يكون الإذن الشرعي في ارتكابهما قبيحاً بعد فرض كون ملاك الاباحة أهم في نظر المولى.

إن قلت:- كيف يكون ملاك الاباحة التي هي حكمٌ غير الزامي أهم عند المولى من ملاك الحرمة والنجاسة فإنَّ هذا ليس بمعهود؟

قلت:- هذا صحيح ولكن عدم معهودية كون ملاك الاباحة أهم من ملاك النجاسة والحرمة لا يولّد القبح والاستحالة.

إن قلت:- إنَّ هذا وجيه ولكنه بعيد، فمن الوجيه كون ملاك الاباحة أهم من ملاك الحرمة في نظر المولى ولكنه بعيد.

قلت:- صحيح أنه بعيدٌ ولكن البعد وعدم المعهودية لا يولّد استحالة الترخيص في كليهما من باب قبح الترخيص في المعصية، على أنَّ استحالة الترخيص موقوفٌ على استحالة الترخيص في كلا الطرفين والحال أننا قلنا إنَّ غاية ما هناك هو عدم المعهودية وعدم المعهودية لا تولّد استحالة الترخيص في كليهما.

فإذاً يمكن أن يكون ملاك الاباحة أهم عند المولى من ملاك الحرمة فيقدم على ملاك الحرمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo