< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه التاسع ( حكم تعارض الاستصحابين وتعارض الاستصحاب مع غيره )- تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

أما بالنسبة إلى الشيخ النائيني(قده) فقد قال:- ينغي التفصيل بين ما إذا كان الأصل الجاري في الطرفين أصلاً محرزاً وبين ما إذا لم يكن كذلك، فإن كان أصلاً محرزاً فلا يمكن أن يجري في الطرفين للمناقضة.

ويقصد من الأصل المحرز أنه يحرز المتعلَّق، كما هو الحال في الاستصحاب فإنَّ رواياته قالت ( لا تنقض اليقين بالشك ) فيستفاد من هذا الحديث أنَّ المجعول في باب الاستصحاب هو العلمية، يعني في حالة الشك أنت متيقنٌ بالبقاء فإذا فرضنا أنَّ الحالة السابقة هي النجاسة فأنت ممتيقنٌ بالنجاسة وعالمٌ بها لأنَّ حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) يدل على أنَّ اليقين لا يُنقَض بالشك يعني أنت الآن على يقينٍ بالحالة السابقة وعالمٌ بها، فإذا كنت عالماً بها في هذا الاناء وأنه نجس وفي ذلك الاناء وأنه نجس ففي مثل هذه الحالة نقول إنَّ جعل العلمية في كليهما يتنافى مع علمي بأنَّ أحدهما صار طاهراً، فلا يمكن أن يعبّدني الشرع بأني عالمٌ ببقاء النجاسة في هذا الطرف ولا في ذاك الطرف لأنَّ هذا خلاف علمي بأنَّ أحدهما قد صار طاهراً.

فإذاً متى ما كان الأصل أصلاً محرزاً - وقد يعبر عنه بالأصل التنزيلي- فحينئذٍ الشارع قد نزّلني منزلة العالم ببقاء النجاسة في هذا الطرف وفي ذاك الطرف وهذا غير ممكن لأني عالمٌ بأنَّ أحدهما قد صار طاهراً، وحينئذٍ لا يمكن أن يجري الاستصحاب في الطرفين للمناقضة.

وإن كان الأصل ليس بمحرزٍ فلا مانع من جريانه في كلا الطرفين، كأصل البراءة فإنه ليس بمحرزٍ، فلا مانع من جريانه في كلا الطرفين لأنَّ النكتة التي ذكرناها سابقاً لا تأتي هنا، قال(قده):- ( وإنما منعنا عن جريان الأصول التنزيلية ... من جهة وجود العلم التفصيلي المتعلق بالجامع المانع عن تحقق مرتبة الحكم الظاهري لامتكفل للتنزيل )[1] ، وقريبٌ من ذلك ذكر في فوائد الأصول[2] .

وأورد عليه الشيخ العراقي(قده)[3] بايرادين أحدهما حَلّي والآخر نقضي:-

أما الايراد الحَلّي فحاصله:- إنَّ الأصل حينما يجري في الطرفين فهو لا يجري في المجموع بقيد المجموع - أو بالأحرى لا يجري فيهما بقيد المجموع - وإنما استصحاب النجاسة يجري في الطرف الأول مستقلاً ويجري في الطرف الآخر مستقلاً، ومعلومٌ أنه في كل طرفٍ أنا لا أعلم بطروّ الطهارة وإنما أشك في بقاء النجاسة، نعم إذا أخذنا المجموع من حيث المجموع فنحن نجزم بأنَّ أحدهما قد صار طاهراً لكن المفروض أنَّ الأصل يجري في كل طرفٍ بانفراده، ومعلومٌ أنَّ كل طرف بانفراده لا يوجد علمٌ بتغيّره عن حالته السابقة - أي من النجاسة إلى الطهارة - وإنما هناك شك، فيجري الاستصحاب في هذا الطرف وفي ذاك أيصاً.

وأما الايراد النقضي فيمكن أن يقال:- إنه في باب المتلازمين الاستصحاب يجري فيهما والحال أننا نعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما، كما إذا فرض أنَّ المكلف توضأ بسائلٍ لا يدري أنه ماءٌ مطلقٌ أو أنه ماءٌ مضافٌ متنجّس - أو أنه توضأ بماءٍ مطلقٍ متنجّسٍ أو بماءٍ مضافٍ طاهر - فهنا حكم الفقهاء من حيث الوضوء والحدث أنَّ المكلف باقٍ على الحدث لأننا نستصحب الحالة السابقة وهي الحدث وفي نفس الوقت نشك هل تنجّست أعضاء وضوئه أو لا فنستصحب بقاءها على الطهارة والحال أننا نعلم ببطلان أحد هذين الاستصحابين!!

والخلاصة:- إذا كان الاستصحاب لا يجري للعلم بانتقاض الحالة السابقة يلزم أن لا يجري هذان الاستصحابان والحال أنهما يجريان ويحكم ببقاء الحدث وفي نفس الوقت يحكم ببقاء أعضاء الوضوء على الطهارة والحال أنه يُعلَم ببطلان أحدهما.


[2] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص692.
[3] نهاية الافكار، العراقي، القسم الثاني من الجزء الرابع، ص121.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo