< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه التاسع ( حكم تعارض الاستصحابين وتعارض الاستصحاب مع غيره )- تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

وجهٌ آخر لتقدم الاستصحاب على بقية الأصول:-

قد يذكر وجهٌ آخر لتقدم الاستصحاب على بقية الأصول، وذلك بأن يقال إنَّ استصحاب النجاسة مثلاً مقدمٌ على أصل الطهارة فإنَّ روايات قاعدة الطهارة ومدركها هو على نحوين:-

النحو الأول:- مثل موثقة عمّار الساباطي حيث جاء فيها:- ( كل شيء نظيفٌ حتى تعلم أنه قذر )[1] .

النحو الثاني:- الروايات الخاصة في الموارد المتفرقة، كالرواية المنقولة بأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:- ( ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم اعلم )[2] .

فإن كان مدركها هو النحو الأول:- فهنا يقال إنَّ الاستصحاب هو المقدَّم، والوجه في ذلك: هو أنَّ الوارد في ذيل رواية عمّار هو ( حتى تعلم أنه قذر ) فكلمة ( قذر ) مرددة بين أن تكون بمعنى الفعل الماضي يعني ( قد قَذُرَ ) وبين أن تكون بمعنى المصدر أي ( حتى تعلم أنه قَذِرْ )، وحيث إنها مرددة بين احتمالين ولا ضبط ولا تعيّن لأحدهما فلا يمكن التمسك بها لاثبات قاعدة الطهارة والتمسك بها في مقابل الاستصحاب إذ يحتمل أن كلمة ( قذر ) هي فعلٌ ماضي أي أنَّ الامام عليه السلام يريد أن يقول ( كل شيء نضيفٌ حتى تعلم أنه قد تَقَذّرَ ) والمفروض أنَّ الحالة السابقة هي العلم بأنه قد تَقذَّرَ، فقاعدة الطهارة تكون قاصرة عن شمول مورد جريان استصحاب النجاسة.

وإن كان مدركها هو النحو الثاني:- فنقول إنَّ هذه الروايات لا اطلاق لها لمورد العلم بثبوت النجاسة سابقاً ونحن الآن كلامنا فيما إذا كانت هناك نجاسة سابقاً ونشك في بقائها ومقتضى الاستصحاب بقائها وتعارضه مع قاعدة الطهارة، فنحن نقول إنَّ قاعدة الطهارة هنا لا اطلاق فيها لمورد ثبوت النجاسة سابقاً فإنَّ الرواية تقول:- ( لا أُبالي أَبولٌ اصابني أم ماء إذا لم أعلم .. )، فصحيحٌ أنها تدل على قاعدة الطهارة أما أنها تدل على ثبوتها حتى إذا كانت الحالة السابقة هي النجاسة فلا فإنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية ولا اطلاق لها من هذه الناحية، وحينئذٍ تصير الرواية مجملة وبالتالي سوف يكون مقتضي قاعدة الطهارة قاصراً عن مورد استصحاب النجاسة السابقة، وعلى هذا الأساس لا تجري قاعدة الطهارة في مورد وجود استصحاب النجاسة لقصور مقتضي قاعدة الطهارة بعد وجود استصحاب النجاسة.

وهو كلامٌ وجيهٌ ودقيق ولكن لابد من بحث تفاصيله في علم الفقه وإنما نحن هنا أردنا لفت النظر فقط إلى هذه القضية وأنه ربما يقال ذلك.

والأجدر في توجيه تقدم استصحاب النجاسة على قاعدة الطهارة أن يقال:- إنَّ العلم المأخوذ في قاعدة الطهارة هو العلم بما هو حجَّة وكأنه قيل هكذا:- ( كل شيءٍ نظيف حتى تثبت الحجَّة على الخلاف )، فحينما ذكر العلم وقيل ( حتى تعلم ) من باب أنه حجَّة والمقصود حتى يثبت بالحجَّة العكس، فكل شيءٍ نظيف حتى يثبت بالحجَّة العكس، والعكس هو النجاسة، وحينئذٍ نقول: بعد أن فرض وجود استصحاب النجاسة في المقام فيكون هو حجَّة وحينئذٍ لا تجري قاعدة الطهارة لوجود الحجَّة، فيكون استصحاب النجاسة هو المقدم.

إن قلت:- إنَّ تفسير العلم بالحجَّة لا وجه بل المناسب تفسيره بالعلم النفساني والصفة النفسانية يعني حالة مائة بالمائة إنَّ صح التعبير، فحينما يقال:- ( كل شيء نظيف حتى تعلم أنه نجس ) نحن هكذا نفهم من كلمة العلم لا العلم بما هو حجَّة، فما أُفيد من أنَّ قاعدة الطهارة لا تجري في مورد وجود استصحاب النجاسة شيءٌ مرفوض بعد فرض تفسير العلم بالصفة النفسانية والمفروض أنَّ الاستصحاب لا يعطينا حالة مائة بالمائة.

والجواب:- إنه يلزم أن نفسّر العلم في قاعدة الطهارة بالأعم من العلم بمعنى مائة بالمائة ومن مطلق الحجَّة، والوجه في ذلك: إننا نجزم من الخارج بأنَّ البينة إذا قامت على النجاسة فلا اشكال ولا كلام في الأخذ بها ولا يختلف في ذلك اثنان وهذا يدل على كون المقصود من العلم الوارد في الرواية ليس هو العلم بمعنى الصفة النفسانية وإنما المقصود حتى تقوم الحجَّة على النجاسة وإلا كيف يؤخذ بشهادة العدلين على النجاسة في مقابل أصل الطهارة؟!! إنَّ ذلك إنَّ دل على شيء فإنما يدل على أنَّ المقصود من العلم هو الاشارة إلى مطلق الحجَّة، وهكذا الحجج الأخرى لا إشكال بين الفقهاء في أنها لو حصلت يؤخذ بها ولا يؤخذ بقاعدة الطهارة، فلو ذهبنا إلى دار شخصٍ وشهد صاحب الدار بأنَّ هذا الفراش نجس فلا اشكال في أنَّ قوله حجَّة ولا نجري قاعدة الطهارة، والظاهر أنَّ هذا لا خلاف فيه بين اثنين، كما لا يلزم أن تكون هناك بينة بمعنى شهادة عدلين بل يكفي العدل الواحد بل يكفي الثقة أيضاً وهذا مما لا اشكال فيه، وهذا يدلنا على كون المقصود من العلم هو مطلق الحجة، وإذا كان المقصود من العلم هو مطلق الحجة فحيث إنَّ الاستصحاب حجَّة فحينئذٍ يتقدم على قاعدة الطهارة بعد تفسير العلم في قاعدة الطهارة بمطلق الحجّة والمفروض أنَّ الاستصحاب حجَّة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo