< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تعارض الادلة.

تعارض الأدلة:-

ليس من البعيد أنَّ هذا المبحث من أهم المباحث الأصولية لكثرة ما يواجهه الفقيه في مقام الاستنباط من أدلة متعارضة والذي ينفعه هو هذا المبحث، بل لو اردنا معرفة اجتهاد شخصٍ فالطريق إلى ذلك ليس مناقشته في باب مقدمة الواجب أو اجتماع الأمر والنهي مثلاً وإنما نعرف اجتهاده أو درجة فضله من خلال مبحث التعارض فنلاحظ ماذا يصنع إذا تعارضت عنده الأدلة وكيف يخرج بنتيجة مقبولة، فإن تمكن من الجمع بين الأدلة أو حل التعارض بينها - سواء قبلنا بذلك أو لم ينقبله - فهذا يدل على كونه مجتهداً.

ويمكن أن نقول:- إنَّ الاجتهاد يتقوم بركنين:-

الأول:- التمكن من استخراج الفروع من الأصول، يعني استنباط حكم مسألة معينةٍ من الأصول، كما لو سألنا شخصٌ وقال إني اشترطت على بائع الدار الشرط الفلاني - كأن يكون طابو الدار سالماً - فنقول له إنَّ هذا شرطٌ صحيح ويجب الالتزام به تمسكاً منّا بقاعدة ( المؤمنون عند شروطهم )، فإنَّ المفروض أنَّ هذا الشرط لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً وحينئذٍ لا مانع من أن نتمسك بهذا العموم لاثبات لزوم الاتيان به.

الثاني:- أن يتمكن من حل التعارض بين الروايات والأدلة الشرعية في الموارد المتعدّدة وردّ الإشكالات الواردة عليه.

فإن تمكن من استنباط أحكام الفروع من الأصول وكان قادراً على حل التعارض بين الأدلة كان ذلك دالاً على اجتهاده.

 

والأنسب أن يعبر عن هذا المبحث بالمقصد فإنَّه مقصدٌ من المقاصد الأصولية، لا أن يعبَّر عنه بالخاتمة، فإن التعبير بالخاتمة يشعر بأنَّه خارجٌ عن صلب علم الأصول وإنما هو بحثٌ هامشي، وقد عقد له صاحب الكفاية(قده) مقصداً مستقلاً وهو جيد، لكن الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل عقده بعنوان الخاتمة، والغريب أنَّ الشيخ العراقي النائيني تبعاه في ذلك.

وهناك شيء آخر:- وهو أنَّ هذا الموضوع عبر عنه في الكفاية بتعارض الأدلة، وأما في الرسائل فقد عبر عنه بالخاتمة وكان عنوان الخاتمة هو ( التعادل والتراجيح ).

ولعل الأنسب ما صنعه صاحب الكفاية(قده)، فإنَّ التعادل والترجيح وصفان للمتعارضين ومتفرّعان على التعارض، يعني بعد حصول التعارض نلاحظ المرحّجات فنأخذ بالذي معه المرجّح وأما إذا كان هناك تعادل بينهما فيكون الرجوع إلى الأصل العملي مثلاً، فعنوان الموضوع لابد وأن يصير هو تعارض الأدلة.

ثم إننا نمنهج بحثنا عن التعارض في قسمين للتعارض:-

القسم الأول:- التعارض غير المستقر.

القسم الثاني:- التعارض المستقر.

المقصود من التعارض غير المستقر ما يمكن فيه الجمع العرفي، والمقصود من التعارض المستقر مالا يمكن فيه الجمع العرفي، وقبل أن ندخل في صلب الموضوع يجدر أن نتحدث عن عوامل نشوء التعارض.

عوامل نشوء التعارض:-

إذا رجعنا إلى الروايات نجد ظاهرةً بارزةً وهي وجود روايات متعارضة، ولا نقصد من التعارض أنَّ احدى الروايتين عامة والأخرى خاصة أو أنَّ احداهما مطلقة والأخرى مقيدة فإنَّ هذا ليس من التعارض ولذلك عبر عنه بالتعارض غير المستقر بل هذا عامٌّ وخاص والتعارض هنا تعارض بدوي وهذه قضية عقلائية، فتوجد قوانين عامّة ثم بعد ذلك تأتي استثناءات ومخصّصات، فالتعارض غير المستقر ليس تعارضاً، وإنما التعارض الذي نقصد وجوده هو أنَّ روايةً تعارض روايةً أخرى بشكلٍ يصعب الجمع بينهما.

ويظهر أنَّ أصحاب الائمة عليهم السلام كانوا ملتفتين إليها وقد طرح بعضهم السؤال على الامام عليه السلام حولها، منها ما ورد في صححية علي بن مهزيار حيث يقول:- ( قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام:- جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا:- لا بأس بأن تصلي فيه إنما حرّم شربها، وروي عن غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:- إذا اصاب ثوبك خمرٌ أو نبيذٌ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله ... فأعلمني ما آخذ به؟ فوقّع عليه السلام بخط يده وقرأته:- خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام )[1] ، فهذه الرواية وما شاكلها تشهد بأنَّ التعارض حالة موجودة في رواياتنا، وهذا شيءٌ نعترف به.

وقد وجه الاتجاه المقابل ذلك كإشكالٍ ونقطة ضعفٍ على مذهبنا حيث قالوا:- لو كان الائمة عليهم السلام معصومين من قبل الله عزَّ وجل ولم يكونوا مجتهدين كسائر المجتهدين لما وقع هذا الاختلاف، فهذا الاختلاف في الروايات إنَّ دل على شيءٍ فإنما يدل على كونهم مجتهدين كأصحاب المذاهب الأخرى وليسوا معصومين؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo