< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- موارد أخرى لتقديم بعض الأدلة على بعضها الآخر - تعارض الادلة.

المورد الثالث:- ما إذا فرض أنه يوجد لدينا عنوانان قد انصبَّ على كل واحدٍ منهما حكمٌ والنسبة بينهما هي المعارضة بنحو العموم والخصوص من وجه ولكن إذا قدّم الأول على الثاني يلزم منه التخصيص المستهجن بخلاف العكس فإنه لا يلزم منه التخصيص المستهجن.

ومثاله:- دليل ( أكرم النحويين ) مع دليل ( لا تكرم الفسّاق ) ونحن نعلم أنَّ بعض النحاة فسّاق فيلزم أن يكون النحوي الفاسق مورداً للمعارضة، ففي مثل هذه الحالة هل نقدَّم ( أكرم النحويين ) على ( لا تكرم الفسّاق ) أو نعكس الأمر؟

المناسب أن يكون المقدَّم هو ( اكرم النحويين )، والنكتة لذلك:- وهي أنه لو قدمنا ( أكرم النحويين ) فسوف يبقى جماعة كثيرة من غير النحويين وبعض من النحويين تحت عنوان ( لا تكرم الفسّاق ) وحينئذٍ لا يلزم من ذلك محذور لغوية ( لا تكرم الفساق )، بخلاف العكس فإنه لو قدّمنا ( لا تكرم الفسّاق ) فسوف تبقى ثلة قليلة تحت عنوان (أكرم النحويين) لأنَّ الغالب في النحويين عدم العدالة - ولفترض هذا لتصحيح المثال - أما الباقي تحته فيكون مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي رضوان الله تعالى عليه وعدد قليل مثله وعليه فسوف يلزم التخصيص المستهجن.

المورد الرابع:- أن يكون أحد الدليلين نصّاً في مورد الآخر بخلاف الآخر فإنه ليس نصّاً في مورد الأول.

ومثاله:- دليل حجية الامارة مع دليل حجية الأصل، فدليل حجية الأمارة هو نصٌّ في الشمول لمورد الأصل، فإنَّ الامارة تأتي عادةً لترفع الحكم الذي يقتضيه الأصل، فهي قد شُرِّعت في مورد جريان الأصل، أما إذا لم تجرِ الأمارة في مورد الأصل فسوف يلزم لغوية تشريعها حيث لا يبقى لها مورد عادةً أو إن كان لها مورد فهو قليل جداً، وعليه فدليل حجية الأمارة هو نصٌّ في وروده وتشريعه في مورد الأصل كدليل حجية خبر الثقة ودليل حجية الظاهر وغير ذلك فإنَّ هذه الأمارات قد وردت في موارد جريان الأصل في ذلك المورد وأنَّ الأصل لا تتبعه وإنما خذ بهذه الأمارة، فدليل حجيتها نصٌّ في الورود والتشريع في مورد الأصل، وهذا بخلاف العكس فإنَّ دليل الأصل ليس نصّاً في التشريع في مورد جريان الأمارة، كاصالة الحلّ مثلاً فإنَّ أصل الحل - وهو ( كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) - هو لا يقول بلسان المقال أو بلسان الحال أو بلسانٍ ثالثٍ إني مُشرَّعٌ في حالة وجود أمارةٍ على الحلّية أو حالة وجود أمارةٍ على عدم الحلّية وإنما يقول أنا موجودٌ في حالة عدم وجود أمارةٍ على ذلك وأما إذا كانت الأمارة موجودة فهي المرجع.

فإذاً لو نظرنا إلى دليل حجية الأمارة مع دليل حجية الأصل الجاري في مورد هذه الأمارة نقول إنَّ دليل حجية الامارة هو المقدَّم في هذا المورد ونكتة التقديم هي أنَّ الامارة قد شُرِّعت لأن تتَّبع في مورد الأصل إما دائماً أو غالباً، وهذا بخلاف الأصل فإنه لم يُشرَّع في مورد وجود الأمارة، وعليه فتُقدَّم الأمارة من باب أنها شرّعت في مورد جريان الأصل وهذه بنفسها نكتة للتقديم.

المورد الخامس:- ما إذا فرض أنَّ أحد الدليلين وارد مورد التحديد والثاني لم يرد مورد التحديد.

ومثال ما هو وارد مورد التحديد معتبرة محمد بن مسلم قال:- ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:- لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال:- الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء )[1] ، ومثال ما لم يرد مورد التحديد موثقة سماعة قال:- ( سألته عن رجل كذب في رمضان، فقال:- قد افطر وعليه قضاؤه، فقلت:- وما كذبته؟ قال:- يكذب على الله وعلى سوله )[2] .

والسؤال:- إنَّ الرواية الأولى قالت:- ( لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتتنب عن ثلاث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس ) والكذب ليس من ضمن هذه المفطرات الثلاثة التي ذكرتها الصحيحة ولكن جاءت الرواية الثانية وقالت إذا كذب على الله ورسوله فقد افطر، فهنا هل نقول بتعارضهما وتساقطهما أو نقول شيئاً آخر؟

إنه في مثل هذه الحالة نقول:- إنَّ الدليل الأول وراد مورد التحديد، فهو يقول ( لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتبن عن ثلاث ... ) وأما الثاني فلا يوجد فيه تحديد، وما كان فيه تحديد يكون أقوى ظهوراً وموجباً للتقديم على ما لا تحديد فيه، فإنَّ نفس التحديد يعطيه قوّةً فيكون هو المقدَّم، وإذا قبلت بهذا فسوف تصير هذه الرواية مصداقاً لهذا المورد فعند التعارض مع الثانية يكون المقدَّم ما كان وارداً مورد التحديد على ما لم يكن وارداً مورد التحديد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo